وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الثلاثاء، 19 يوليو 2016

في الستين

مفتاح العمّاري



في الستين

كلماتي  تغطيها التجاعيد

وحذائي تحت السرير يذوي وحيدا

**
في الستين ،

تلك كانت أكبر حماقاتي :

كتابة الشعر ،

الرفق بالحمقى ،

وتخزين الأحلام .

**
في الستين

لديّ أسباب كثيرة للحزن

لكن بمجرد أن أفتح الباب لأحفادي


سأغدو بشوشاً 

مثل كلبٍ في نزهة . 




تدوير

مفتاح العمّاري




كم هم أذكياء رجال الهلال الأحمر

ارتدوا الكمامات والقفازات ،

وجمعوا الجثث من الشوارع .

ولكي يعودوا مرة أخرى


تركوا الأطفال يلعبون ببنادق الموتى . 

*

الثلاثاء، 5 يوليو 2016

شذْرات

مفتاح العمّاري 



شعر : مفتاح العمّاري

_____________ شذْرات

لأسباب غامضة
تحوّل المغنّي إلى جزّار
والطبيب صار قائد مليشيا
وتاجر المخدّرات شيخا بلحية أممية .
**
لم يعد لدينا ما نخاف لأجله
فقدنا أصواتنا في الحرب
وخبزنا في المآتم
ورقابنا في الفوضى
نموت طيعين
مثلما علّمتنا البنادق .
**
البنادق نفسها التي التقطنا معها صورا في الربيع
تصوّب سبطاناتها نحو صدورنا .
**
 أن تصغي للألم
لعظامك وهي تتكسر
وقد عجزت تماما عن تدبير ممر آمن للنوم .
هذا وطنٌ لا يطاق .
**
كل ليلة أرقص الحلم نفسه
وأستخلص من زهرة عبّاد الشمس
المادةَ النادرة التي تصنع الموسيقى .
فقط ، لكي أعقد صلحا مع السرطان .
**
طالما لم تخذلني الأوتار الرحيمة
ولا الرؤى الجديرة بإطلاق الموسيقى في الليل
وأن جسدي
لن يتخلّى عنّي وقت النوم
: أنا أحبّكِ .
**
صديقتي نامت وهي تقرأ
غلافي الجميلُ يحلم على صدرها الآمن .
: أنا كتاب .
**
فيما أكثر من كتاب يبحث عني
لاحظت الفرق بين وحشٍٍ وقصيدة .
**
وحدها لغة ثرثارة
تفتح فمها الميت
فمها الذي يمضغ التاريخ ويجترّ المتاهة ،
لتهب الكلب سبعين اسماً .
**
إكراما للظل
أقترفُ المزيد من الصمت
لأرى عن كثب
الأحلام الصبورة التي طبخها المعرّي
على مواقد العزلة
وتركها تتغلغل بهدوء في مسام اللغات .
**
ربّما بفضل الحماقة وحدها ،
لا حكمة الصبر ،
تصالحتُ مع الألم .
_
م . العمّاري

طرابلس . خريف / شتاء 2015

السبت، 4 يونيو 2016

أنا في البيت

                                                                                                                                           مفتاح العمّاري



___________  أنا في البيت

 هنا يمكننا صناعة حديقة من بضع كلمات.
 هل تفهم الآن لماذا لا أمتلك  قطعة أرض مغطاة بالأعشاب والأرانب والألعاب.؟
ليس بالضرورة مغادرة الغرف، وفتح النوافذ، لكي نرى الله .
لهذا اقترحت على نفسي المزيد من الصمت.
لأن الكتابة تستدعي طقسها، تظل الكلمات محض إصغاء لما لا يُرى أو يُشدّ بغير الفراغ نفسه؛ الذي نحسّ به كلما ظفرنا بتحقيق المتع، تلك التي يتعذر ترجمتها عندما يتحول الصراخ إلى طغاة بارعين في تلغيم المستقبل .. 
إلى موسيقى مارقة تستمد نصف حكمتها من تعاليم الغاب.
لأن الكتابة أحيانا مرادف للتنقيب عن كوكب ضائع؛ كان على الكلمات أن تتوغل أكثر في تأكيد المتاهة .
 أجل من بضع كلمات فقط، يمكن بناء منزل من طابقين، واستضافة امرأة، والسفر إذا شئت .
 لعلّي بذلك أحظى بنصف حلم طالما كنت فاشلا في العزف على الكمان، كما أخفقت في الرسم والنحت، وتخليت بأسى في إحدى ثكنات درنة، عن رأس من حجر بحري لأميرة ذات وجه لم يكتمل .
**
 ما من حقيقة إذاً يمكن تأكيدها ،
 ما من منطق أو تماسك ، أو نسيج ،
طالما ثمة لغات في هذا العالم تنتظر الخلاص .
**
     في أفضل الأحوال سنختفي بأنصاف ثياب وأسماء ومفاهيم . هذا ما كان على القصيدة سواء كانت نظما أو نثرا .........  " وهنا انقطع التيار الكهربائي لأغرق في الظلام . كانت الساعة الثامنة من مساء يوم الجمعة 20 مايو .

    شرعت  في البحث عن بقايا شمعة ، مهتديا بولاعة السجائر ، أسحب أدراج دولاب المطبخ ، أدراج الكومدينو ، أدراج الأنتريه ، أدراج الفاقة ، وحين فتحت  أدراج الذاكرة . استأنست أخيرا بابتكار فتيلة زيت لم تصمد طويلا على مقارعة ليلة حالكة.
    بعد أن طردتني كآبة الشقة وتلك الظلمة التي لا تُفسّر، لجأت إلى حيث كان البشر مثل الصراصير في ليل عفن .
 مشيت وحدي لا الوي على شيء .
مرة أخرى : 
في الشارع؛  أنا هذا الألم الذي يتسكّع . 


أنا في الشارع

مفتاح العمّاري



    _____ أنت في البيت .. أنا في الشارع

      بعد خيبتي في طابور الفرن ، قلت لنفسي  يمكن إعداد فطيرة في البيت كخاتمة لهذا الإذلال , وبعدها سأنتقم بدوري من الكتب والكلمات ، أعيد قراءة  تلك المتون المهملة ، وأكتب كل ما يتبادر لذهني : هلاوس ، هذيانات ، بهيئة شذرات ، وقصائد نثر ، وقصص وحكايات ستظل دائما مفتوحة بلا خواتم  . لأنه  يتعذر علي دائما ابتكار نهاية ما ،  فما من شيء أكتبه إلا ويقتحمه الخوف ، الخوف كلازمة متكررة ومهيمنة ، طالما ثمت من يزرع ألغاما في لغتي ، ويسلبني هذه المدينة التي أُحبّ ، يسلبني الخبز والثقة والنوم والضوء والماء والمخيلة ، وتلك الدهشة التي كانت ترافق نظرتي للعالم وتجعلها أكثر بهاء حين أرى الأطفال والحدائق  والنساء  والبحر والشعر والكتب . أسماء أضحت في طور الانقراض ، لهذا انسحب الشأنُ على القراءة ، فأضحت هي الأخرى ترتبك إزاء هكذا فوضى  ، وبالمثل كانت تفشل أية محاولة لإغواء الكتابة ، واللجوء إلى الورقة والقلم عوض اللاب توب الذي تعطلت نضيدته ، ولم يعد أي تحايل يجدي لشحنها بالكهرباء في أثناء زياراتها العشواء . ولأن المكوث في الشقة  وقد تحولت إلى مرجل يغلي صار ضربا من الكآبة ، قلت لنفسي : سأهيم على وجهي ، تاركا لمشية العليل تقودني أنّ شاءت .

      في ميدان الشهداء : أي الساحة الخضراء ، قبل خمس سنوات ، وسوق الخبزة أيام البشاوات والآغات والكيخيات .. هو نفسه ميدان ايطاليا أيام الغزاة الفاشست عندما كان الجنرال بالبو ينصب المشانق بجانب نافورة السباع ، ويضاجع الحسناوات في فندق فيكتوريا . هنا  حيثما تلتفت سيسبقك الماضي ، لأن البناية الغربية للميدان ، أعني مصرف الجمهورية ، أي مصرف الأمة قبل عام واحد ، وبنك  روما قبل مائة عام ، ستظل هي نفسها الأبهة الأبرز في طرابلس لطابع العمارة الكلاسيكية التي خلفها الطليان .
   جلست مكدودا بوهن خائب على مقربة من حواف النافورة ، محدقا في بلاهة إلى حشود الحمام والمسلحين والنفايات . أخيرا أنا وحدي بعد أن أدركت أختي مريم أن لها أما ، تحتاج للماء والضوء ، فمريم الوحيدة في العائلة التي تملك مولد كهرباء يعمل بالبنزين ، أخيرا راودها الحياء وقدمت هي وزوجها المدجج بالثرثرة ، وحملوا العجوز في سيارة مكيّفة . ولأنني وحدي تذكرت سيبتموس سيفروس قبل نفيه إلى لبدة . ففي يوم ما كان الرجل يقف بأبهة موليا ظهره لسوق الترك وهو يتطلع بكبرياء ناحية الميدان ، منتصبا بفخامة قامة حجرية لإمبراطور روماني  نصف ليبي . التقطنا صورا أنا ورفيقي في الكتيبة الرابعة والذي سيقتل في معركة وادي الدوم . من هنا أيضا مرّ موسليني ، وقبله بأربعة قرون تبول جندي سكير من فرق ايزابيلا . هنا هتفت الجماهير للطغاة ، ودفنت أكوام  من جثث ضحايا الطاعون ، وشيعت جنازات ، وأقيمت صلوات استسقاء ، ووزعت أوسمة ، ووضعت أجساد على منصات الإعدام . كما حصد الرصاص أرواح مئات المتظاهرين في ليلة العشرين من فبراير 2011 . هنا التقيت الشاعر علي صدقي عبد القادر ذات مساء خريفي ، كان يرشق وردة في جيب سترته ويتغزل في الشمس والخواء ، كما لو أن طرابلس لا تضم سجونا ومعتقلات وشعراء تتعفن أحلامهم وقصائدهم  داخل الأقبية والزنازين .
      رنّ  هاتفي المحمول . سمعت وبصعوبة  من يسأل :
-       _  أنت في البيت ؟
-        _ لا . أنا في الشارع .


الأربعاء، 25 مايو 2016

خبز وكلاشنكوف

                                                                                                                                             مفتاح العمّاري








     قبل قليل كنت في شقتي الخانقة  أنتظر أصوات القذائف ، أنتظر عودة الماء والكهرباء وتغطية الهواتف وألعن المليشات واللصوص والجهل والمرض والفاقة  ، حيث لا شيء سوى الخوف والاستسلام لعبور الوقت . 
    حين غادرت الشقة كانت السماء ملبدة بغيوم طافحة بحمرة تكاد تختفي اثر غزوة الكتل الدخانية السوداء التي غطت الجو وحجبت النصف الغربي من سماء طرابلس جراء الاشتباكات المسلحة بين المليشيات . كانت خزانات النفط العملاقة تحترق منذ الليلة البارحة ، فتشبع الفراغ بروائح نفط وعفن وصباح مكفهر وجدران تتصدع وأجساد تتدافع من اجل الخبز . من بعيد رأيت طابور الفرن  يتفاقم  . المحال جميعها مقفلة والمدارس والأفواه التي لا تنبس ببنت شفة كما يقال . فقط ، تتدحرج في الفراغ بضع عبارات حذرة يتخللها الله ، باعتبارها الوحيدة المحايدة والمبهمة والقادرة على التنفس وهي تجرح الصمت بحذر ، " ربي يهدي العباد ويحفظ البلاد ". فيما لم يبق شيء من البلاد وعبادها إلا وتحطم . " الله غالب ، إن شاء الله خير " . عيون ترتعش في محاجرها خائفة وحذرة وموسوسة ،" ربي يحسن الخاتمة " بينما الخبز يتأخر ، والطابور يزداد طولا والتواء ، ويلتصق بجدران المحال المقفلة ، " إن صبرتم أجرتم " فيما أصداء القذائف لا تتوقف ، ولا شيء في العاصمة يدفع الناس للخروج من بيوتهم غير البحث عن الخبز والماء والشموع  والمحروقات. كل من يتحصل على نصيبه بعد طول انتظار من أرغفة الخبز يغادر بملامح ظافرة ، ويبدو أكثر نشاطا وثقة . أربعة أرغفة ضامرة ومشوهة وحارة تنفث وهجا وبخارا لتندس بخفة في كيس النايلون . أربعة أرغفة نقص حجمها وخفّ وزنها وتضاعف ثمنها ، بعد أزمة الدقيق والضمير والسيولة والحكمة والبنزين والشرف والأخلاق والكهرباء والقيم  . الحياة في طرابلس لم تعد صديقة وفية أو حتى عدوة واضحة ، بل صارت غامضة ووقحة يتعذر فهمها  .. محض جثة  تتعفن . تضاعف الاكتظاظ والاختناق داخل القطيع وبدأ التدافع يخل بالطابور ويتكدس أمام باب الفرن للوصول إلى نافذة صغيرة حفرت اضطراريا  في الباب الحديدي تشبه كوة زنزانة . لكن ما لبث أن استعاد الطابور بعض آدميته لحظة أن توقفت عربة دفع رباعي برز من صندوقها العاري مدفع ( ميم طاء ) . هبط منها مسلح شاب بشعر مسترسل وعينين ناريتين ، يحمل كلاشنكوف ، أطلق صلية رصاص في الهواء . وشتم الجميع ، فانتظم طابور طويل للرجال علي يسار باب الفرن ممتدا لصق الجدار  ، فيما طابور آخر للنساء أقل طولا من الجهة المعاكسة  . هكذا كان عليّ الوقوف دونما جدوى في طابور ليس له آخر ، يتحرك ببطء ، ويشعرك أن دورك أبدا لن يصل . أجل لن يصل دوري ، وأنت يا عزيزتي تعلمين جيدا كم أحبُّ أن أكون وحدي ، اقرأ ، أكتب ، أجتر أكداسا من صور الماضي ، أفكك أصواتها وأعيد ترتيبها كمادة تصلح للتكفير عن جريمة بقائي حتى الآن بلا معنى .
     قلت لنفسي : لا بأس ، سأروض أوقاتي على المزيد من التحمل والصبر ، فأربعة أرغفة ستصمد ليومين وربما ثلاثة . طالما العجوز تكتفي بالشوربة وحدها وعلب الزبادي والقليل من التمر . لكنني لم أجن من الخبز سوى رائحته المشبعة بالخوف والانتظار والترقب .

الضيّ هَرَبْ . قال عاملُ الفرن . 

الثلاثاء، 24 مايو 2016

تلك البهيمة

مفتاح العمّاري





     ثمت ذاكرة ينبغي إتلافها ، ولغة معتقلة علينا إحسان تربيتها على اقتراف المزيد من التمرد والمروق والعصيان حتى  تخرج كداعرة مهذبة . مسلحون يتبخترون على طريقة هوليود ، يرتكبون دونما غضاضة أبشع الفظائع ، أمسى مصيرنا رهن مزاج بنادقهم وطيشهم ، فما من أحد يجرؤ على الجهر علانية  مطالبا بطردهم خارج المدينة الكبيرة بعد تلك المجزرة التي ذهب ضحيتها عشرات القتلى .  ذاكرة متعفنة ، هي من فصيلة ذبح ونهب ونميمة وأبطال مزيفين ، وجلسات شاي ، من بلور مغشوش وشرس ، الكرامة الوحيدة الجديرة بتبجحها ، تكمن في المثابرة على تحطيمها دونما هوادة  . 
     منذ ثلاثة آلاف عام  وأنا أحاول الفرار من الماضي المعذّب ، والركض إلى أقصى حد ، بعيدا عن تمزقات الأسلاف ، عن البغض والكراهة .
    كان يؤلمني ، كلما رأيت تاريخي يتبع كلبا مدربا وأنا أتبع الاثنين ، ممتنا للكلب لا التاريخ بهذه النزهة. كانت المرة الأولى التي أرى خلالها  كلبا أسود بهذا الحجم الضخم والمخيف . بدا نظيفا ومزهوا وهو يقضم قطعة لحم بقري والدماء تصبغ حواف فمه ، وتنسكب في خيوط مخاطية حمراء ..  بينما نحن كعائلة مجتمعة  بالكاد نظفر كل يوم جمعة بربع نصيب الكلب . ربما لأنه كلب كافر يحظى بكل هذا التدليل المبالغ فيه ، بينما كلاب المسلمين تتجول ذليلة وهي تقلب القمامات علها تعثر على فضلات من عظام وبقايا طعام بائت .
   لهذا سيظل النباح الذي يطلقه الماضي يثير الكثير من الفزع  ، فلطالما كانت تغزوني ظلال تلك البهيمة .


الأربعاء، 27 أبريل 2016

موسيقى





حيث لاشيء يصمد طويلا في الحرب 

تشبّثْ بالموسيقى

الرفيعة ،  شبيهة السر

**
مهما كنت مؤمنا بعظمة النار

وحدَها الموسيقى

 لا تحترق .

الثلاثاء، 19 أبريل 2016

جامع مراد آغا

مفتاح العمّاري 






في تاجوراء مسجدٌ عتيق تربّع ببهاء


على عرش قلعة حزينة


هناك مصلون عوضا عن مقاتلين .



 يقول الرائي : ليس من الحكمة


إضافة ريح لغابةٍ تحترق  .



 ______

طرابلس / الجمعة 1 مارس 2013