وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نثر الغائب ،. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نثر الغائب ،. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 16 يوليو 2025

تسكع في قصائد مهجورة

 

مفتاح العمّاري

__________ تسكع في قصائد مهجورة


لوحة عزلة للفنان دالر عثمانوف‬- طاجيكستان
 

      في مرحلة البدايات كان لدي ما يكفي من الجموح لضغط الأسماء والعناصر بكل ما تنطوي عليه من ألم وثكنات وبشر وفقر وعزلة ودواب ورياح وحروب، داخل جملة شعرية مكثفة بخبرة مشاء دربة. من دون ايما اخلال بحرية الخيار التي تتيح للكلمات وحدها اقتراح الوقت والمسافة الجديرين بإشباع الوطر. لا أدري كم قطعت من الطريق، واستهلكت من الورق والحبر، وكم تبقى لي بمقياس الشعر، لا الأرصفة وتراب البراري. فها هنا يمكن القول إذا شئت: أن المشي كان عملا جديرا بساعات يقظتي القلقة، والمفعمة بالأحلام. حتى أصبح من أكثر أوصاف هوسي شيوعا؛ فمنذ صباي درج تشبثي بعادات التسكع حدا أبعد من المدارس وخرافات الليل، ومحال البقالة، وصالات السينما، ومنازل ذوي القربي؛ وقد استمر معي هكذا ولع حتى في أشد أوقاتي اعتلالا لتندرج حصص المشي ضمن محتويات صيدلية المنزل، كأدوية ضرورية اتعاطاها على نحو يومي لمقاومة السرطان والجهل وقطع الأشجار وابادة دواوين الشعر الحديث والتخلي عن المقاهي وآلات الموسيقى، وتطفّل الحمقى. كنت في الأثناء أنساق لخطواتي الشابة بحماسة وشغف لا يفتران، وأقيم مهرجانا لذاكرتي كصنف من التكريم للحظة الطواف نفسها؛ أي لحظة الذوبان أو الانصهار مع المحسوسات؛ فيما الأرصفة والأجواء (كيفما كان الطقس)، هي دائما أكثر ألفة وحميمية. قبل الشعر، وفي أثره بعد ردح من التنقّل بين القرى وثكنات الجيش كجندي مشاة، ثم أخيرا كشاعر قصيدة نثر في العاصمة التي أنهكتها حروب باشوات بني عثمان، سيظفر الجزء الحي من تاريخي بإضافة سلسلة من الدورات المبهجة للتسكع عبر الأماكن الأثيرة التي تروق لحواسي ومخيلتي: ميدان الجزائر، شارع البلدية، حديقة الغزالة، طريق الشط، الكورنيش، باب البحر، الرشيد، ثم اقفل راجعا عبر شارع الوادي. لكن الآن سيختلف الحال كثيرًا طالما أضحى التسكع في شوارع طرابلس لا يفتقر للمتعة وحسب؛ بل أمسى أشبه بخوض معركة شرسة. لهذا أعود الى البيت مثخنا بالخيبة والإحباط بحيث لا ملاذ سوى الفراش، والنوم لساعات طوال، وربما لبضعة أيام ريثما أستعيد شيئا من حيويتي لسماع الموسيقى مجددا، واستعادة متع النظر عبر الشرفة: صحيح؛ لا شيء سوى بلادة الصخب، والنوافذ المطفأة على الدوام، وثقل الهواء الفاسد. اذ لم تستحق أكثر تضحيات الشعر نبلا: فتح الأبواب وإيقاظ قدر يسير من الابتسام والتلطّف والأيادي الرحيمة. وقد أمسيت عليلا، بالكاد أسحب حدا أدنى من الهواء النظيف. عاجزا عن ارتكاب ايما مغامرة جسورة تأخذني أبعد قليلا من مخبز الحيّ الذي لا يفصله عن مسكني سوى مئة متر ونيف، وغالبا في أوقات تسبق الفجر بقليل، حيث ما من شيء يجوب الظلام سوى الشعر والكلاب الضالة، وعمال القمامة. كان جلب بضعة أرغفة ساخنة بين فترة وأخرى رياضتي الصباحية الأثيرة التي أعول عليها في استعادة صلتي بالشارع حتى وان بدا مظلما ومريبا. عدا ذلك ربما يتاح لي أحيانا قراءة كتاب الكتروني على اللاب توب، أو مشاهدة فيلم في محطات التلفاز. وبالرغم من شيخوختي وقد ناهزت السبعين لكن أمنياتي ما تزال مفعمة بمزيد من الحيوية التي لا تنسجم مع هشاشة جسدي. وبغض النظر عن صولات المليشيات، واشتباكاتها المزمنة، وما ترثه العاصمة من حطام وخوف ولصوص ومقابر ونفايات وحدائق ميتة؛ لا ينفك ظني بملكية ما يكفي من الخيال والكلمات والوقت لكتابة روايات عظيمة. هذا الشعور المستبد في انحيازه لشرعية الجمال، ما برح منذ سنوات يلازمني بثقة عارمة، من دون أن يبدر عني أي انجاز يلبّي هكذا أوهام مزمنة. ربما لأن خطواتي أمست أشدّ تؤدة ودعة وتسامحا وذلك كضرب من التعبير عن تعاطفها مع انحناءة ظهر الزمن، ومثالب الجسد، وما تجود به الذاكرة من وجوه باهتة، وهزائم يتعذر ترميمها، ومحطات ما تلبث أن تتلاشى أصواتها واسماؤها. كان البطء احدى حيلي المبتكرة لإطالة النظر في جدوى المستقبل كخاتمة تفضي الى المجهول الذي لا نعرف من صفاته سوى العدم. لعل من يطلع على مفكرتي سيفاجأ بالرياح الغاضبة وهي تعصف باللغة من دون أن تترك عبارة آمنة، أو شجرة أو قارب صيد. حيث عشت طفولتي وصباي في حي بائس تنبعث من اكواخه روائح الفاقة وخرافات العجائز، والمرض والجهل والموت والخيانة. ثم ها أنا ذا -مرة أخرى-يشغلني شيء سوى المشي خارج الثكنات. وقد تعبت من الخوف والهجر والجحود والجفاء. وإن كنت على يقين أن قصائدي ستبقى على الدوام أكثر جرأة وبسالة منّي. لأنني وهبتها كل ما ادخرت طوال سبعين عاما من حزن وقوة لكي تظل نشيطة حتى في نوبات النوم. وهذا لا يجعلني وحيدا. لكن سوء الطالع هو من رمى بي داخل قبائل من سلالة اليباب التي يصعب التعامل معها بواسطة الكلمات. لهذا وذاك ظلت قصائدي وحدها من يشعرني بالزهو ويعطي لمسيرتي ذلك الفخر الغامض الذي لا أحد يحس به سواي. وكان ذلك عزائي الوحيد وسط أكوام من الخسائر المتلاحقة. الشعر كضرب من نزاهة المشي في ممالك المخيلة. وسيلة الركوب الوحيدة المتاحة لي بعد أن أضحت قدرتي على التسكّع راجلا شبه متعذرة لأسباب لا تتوقف عند حدود المرض بعد أن تحول البشر الى قطعان من الكلاب المسعورة التي يصعب الجمع بينها وبين الموسيقى في بهو واحد. من هنا صارت طبائع الشعراء والفنانين تفقد يوما بعد يوم الطبقة النظيفة واللامعة من أصالة الصوت البشري. وبدأ الخلط بين العسل والغائط أمرا شائعا دونما ريب. هكذا خسر الغاوون في طرابلس الأثر الوحيد لهويتهم، خسروا الشعر. وبالمثل لم يعد فن الرسم آمنا من شبهات الكفر. ليلقى المصير نفسه الذي واجهته قبل ذلك آلات الموسيقى بعد نفيها خارج أسوار المدارس والجامعات باعتبارهما ضربا من الوثنية والمجون. ومهما حاولت كشاعر مشاء ضخ المزيد من الايمان والتسامح في اوردة القصيدة علها تفلح في عقد صداقات طيبة مع جيران غاضبين أبدا، الا أنها ما تلبث أن تعود خائبة وحزينة، خالية الوفاض من رفقة المريدين والغواة والعشاق الحالمين. كما لو أن وجدان الناس اختزل فقط في بطونهم وشهواتهم الجنسية. كنت أحسب أن الشعر لمن يحتاجه، كخبز ضروري لغذاء العقول؛ بيد أن الأمر هنا سيختلف تماما، فلا مكان يسع الشاعر الا ما تجود به المنافي من أهوال الوحشة. ومن ثم لا مناص أمامي سوى البقاء وحيدا في عزلتي التي لم أدخر حيلة لتهذيب قساوة آلامها. ليغدو النأي امتدادا طبيعيا لنهاية تاريخ البشرية، لا موت الشعر. ولم يتأت ذلك بسبب خسران الشعر وحده، أو فداحة المرض الذي يتكبد الجسد والروح أوجاعه ليل نهار، بل كان لسطوة حدسي فعلها في فضح كوامن الخزي في مجرى الشعراء الأوغاد الذين لم يراعوا قداسة الكتابة، واتخذوا منها وسيلة للرياء والزيف من أجل التكسب والوجاهة، دون أية مراعاة للحدود الدنيا من شرف الكلمة التي يدعون الانتساب لسلالتها النبيلة. وأنهم لمجرد احساسهم بأنك كشفت الاعيبهم المخجلة فإنك لن تسلم من دسائسهم الكيدية التي تصل الى حد قطع الأرزاق. وحتى بعد أن تلوذ بعالمك بعيدا عن ترهاتهم فانهم لن يدعونك وشأنك. لهذا ستفقد المآثر الحميدة حيزا كبيرا من طقوس الاحتفاء، بدءا من العادة الأثيرة للمشي في الشوارع دونما كلل، والجمال الذي لم يعد يمضي قدما، وتلك الهشاشة العظيمة، الناشئة عن تفسّخ الشعر. وأنني حين أوسم هذه الخاتمة بعناوين التيه والضياع، فإنما أشير تحديدا الى أسوأ مثالبها، مثل: غياب القيمة كمحصّلة في غاية الجمال لسمو المعنى. هذا الصنف من إهانة الجمال وتتفيه حضوره يعكس بالمقابل تمظهرات سسيولوجية لما وصل اليه مجتمعنا الليبي من سلوكيات عنيفة عبّر عنها ازدراؤها (غريب الأطوار) لمعظم أجناس الفنون والآداب، وبصورة خاصة الرسم والموسيقى، والشعر ممثلا في اشكاله الحداثية: تيار " قصيدة النثر" بصورة خاصة.

    اذاك كان لزاما عليّ شحن غرفتي بحشد من موسيقى تضافر في صقلها نخبة من العازفين المهرة. أفعل ذلك كتقليد طامح الى استدراج كل محفزات النجاح رغم مظاهر الفشل التي تحيق بي. وحتى أعزز ثقتي بالشعر قررت المضي في الكتابة الى آخر رمق.  وإن كنت دائم الخشية من تقلبات قلقي كآفة ملازمة، لطالما أحالت بيني وبين المضي في وضع اللمسات الخاتمة على العمل الذي بين يدي؛ لتظل معظم مشاريعي في انتظار مؤبد للنهايات، حتى تتلاشى خارج دائرة الشغف. وهذا الأمر يحزنني تكراره ويشعرني بالخيبة جراء تكدّس عديد الكتابات (غير المكتملة) ولا سيما في السرد الروائي والقراءات النقدية في الأدب والفن.

      هل تعد رغبتي في استعادة نشاط المشي كجزء من آليات المقاومة الذاتية لهذا المتاه المعرفي الذي ينذر بعودة عصور الانحطاط، عندما تغيب المؤسسة الثقافية تماما جراء هيمنة الأنذال على مفاصل الدولة وإدارة شؤونها بطريقة عشواء تفتقر الى الحد الأدنى من استراتيجيات المشروع الثقافي. لكأن الشاعر المشاء في هكذا أحوال متردية يصر على البقاء في أتعس صوره شتاتا وتشردا، والتشبث بهبات التسكع، ليجوب شوارع طرابلس البائسة وهي في أبلغ درجات تجلياتها التاريخية عصيانا للجمال، وقد اصطفت بقضها وقضيضها في طابور الخيانة، وتمادت في غيّها دونما رادع يقف بينها وبين استهلاك هويتها عبر مفاتن القبح والفساد والتخلف.

      أن تكون مشاءً جيدًا في مدينة معاقة مثل طرابلس؛ سيتعين عليك العيش بكثير من العوز والتقشف، حتى تروم الفاقة وشظف الواقع اليومي، صونا لكرامتك وعفتك وحريتك كذات مستقلة، لا تملك من أمر شيخوختها سوى هذا الطواف المضني بين حطام العاصمة التي بقدر ما ارتفع عمرانها وضجيجها، سقط وجدانها في الحضيض.  

________  

باب بن غشير 6 فبراير 2025

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2024

الأيام الأخيرة لديك الجن الطرابلسي

 

                                                                                      مفتاح العمّاري


_____ الأيام الأخيرة لديك الجن الطرابلسي  


                                   




      ما أن فتح الشيخ العليل صفحات التواصل حتى استوقفته إشارات مغوية؛ بينها فتيات وسيمات لطالما حلم في شبابه بأقل منهن حسنًا. وبيوت أنيقة ودافئة لم يسبق لها أن طافت بخلده ولاسيما عندما كان يلبث لأشهر عجاف في خنادق الرمل وما من توق سوى العودة الى كوخ العائلة بأقل الأضرار إعاقةً وبؤسًا. ومرّ في الأثناء ببساتين تتمتع أشجارها وأزاهيرها وطيورها ونوافيرها ببهجة مطمئنة، لا تنتسب للماضي. وبعد قليل قد ينسى نفسه على ضفة نهر يفوق جماله كل ذاكرة تربت في مفازات العدم، وأحياء الصفيح، وثكنات الجيش، وخطوط النار؛ ليأخذه حسن الظنّ بأن ما يراه ماثلا كحقيقة لا غبار عليها سيبدو له -رغم اختلافه- شديد القرابة بالروح نفسها التي عرفها في الصغر. هذه الرؤى ضخت في نفسه طاقة مفعمة بالنشوة، ومن فرط استسلامه كاد أن يتخلى عن كل ما اذخره لمستقبله من أسماء وعناوين أثيرة؛ بينها فتياتٌ جميلات، وبيوتٌ أنيقة، وبساتين بهاء، وجندي خجول يشبهه تماما، وقصيدة تختزل حدائق بابل وكنوز سليمان واهرامات الجيزة. وفكّر: ربما ضراوة الجمال (هي وحدها) من تجعلنا أسرى لتلك البطالة القديمة الناشئة عن ازدهار القبح؛ أو هي ترهات المسنين كما تبدّت في الظاهر كانت أكثر ترحيبا بالماضي؛ وأيضا لعلّ كل ما حدث قبل قليل تكمن أبسط أسبابه أعجازا: أن مخيلة الشاعر منذ عهد الملك الضليل وحتى آخر صولات ديك الجن الطرابلسي، لا تتوقف عن الدوران حول نفسها.

______ 

طرابلس- باب بن غشير. 11 مارس 2023



الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016

شتاء

مفتاح العمّاري






__________   شتاء

 عندما تمطر 
لا يهتم بفعل شيء آخر ،
 يسحب كرسيا ويجلس عند النافذة .
فقط لكي يتذكر تلك الأمطار البعيدة
 التي هجرته .
إمطار تهطل من سموات الكتب ،
من الوسائد
والموسيقى 
    وقد وهبت حواسها للريح
وهي تسافر في عربات الدرجة الثالثة ،
في قطارات مبلولة ،
في أكواخ وخنادق وعنابر نوم .

 كان يفضل المزيد من الغيوم ،
يحب السماء خاشعة ومحتشمة ومظللة ،
 وبيتا كريما للطيور .

 ليس جنديا هذا الشاعر .    

 انه أنا ، الذي يكتب الآن
 هذه القصيدة . 

الخميس، 3 نوفمبر 2016

كلمات تنتظر أن تكون شيئا


مفتاح العمّاري 

لوحة القمر للشاعر الفرنسي :جاك بريفير


كلمات تنتظر .................... أن تكون شيئا
       

  
     عندما تتعلّم حكمة الصمت ، ستبتهج كثيرا بما تبقى  من لغتك ، ستبتهج بالقدر الذي يجعلك تفكر من جديد في خوض معركة أخرى أكثر ضراوة ، وقد احتفظت بشيء من كرامة الخيال .  

**
عندما تتآلف مع العزلة ،
 سيكون حضورك مهما قصر
كفيلا بتحريك عضلة الوقت.
 صحيح ستخسر ظلال الآخرين ،
 لكنك أخيرا ستكسب ظلك .

**
عندما لا يكون ثمة ما يعوّل عليه ،
ستعوِّل حتما على ما يُنتظر ،
إنصافاً للانتظار وحده .
كأن تمشي طويلا .
ليس من أجل شيء ،
بل إكراما للمشي وحده  .
**
عندما تعتاد الصمت
 سيليق بأي موسيقى مهما نأت ترانيمها
 أن تعتلي ظهر الريح وتسافر إليك .

**
عندما يغدو التذكّر كآفة التدخين ضارا بالرئة ،
 أمض في بحثك ولا تلتفت لثرثرة الموتى . 

**
ما أبهى أن يكون التسكع في طرابلس عبر الفم الذي من نار تأكل محيطها مشفوعة بجموح النظر ، حيث لا شيء يبقى إلاّ هي ، صانعة الرماد .

**
تلاشت العناصر جميعها  .
ما من شيء في مرمى الكلمات .

**
 في سرّة طرابلس التي أحنُّ إليها،  
    ما يبدو نملاً طائشاً 
ليس سوى قشّ تذروه الريحُ
 بعد حصاد اللغات  .

**
أحيانا تقتضي الضرورةُ البحث عن كلمة  لَمْ تُنتهك ،  والنظر من تلك الزاوية المهملة .. وربما اللجوء إلى ضربات الصدفة التي توائم بين قوسين متخاصمين .. مع التربّص بهدوء رصين ، وحنكة إضافية لما تأتي به الأقدارُ من ما ورائيات لمّاحة ،  للقبض على روحِ الشيء .

**
 ثمت هنا عديدُ النزوات التي تدّعي مزاولة الكتابة ، غير أن شحّ خيالها وقحل مشتلها يجعلُ منها أكثر عدوانية وهي تسعى حثيثا إلى تبخيس المتفوّق  والمغاير والذكي  .

**
 عندما تمسي الهشاشةُ فنّاً إبداعياً له عباقرته وجهابذته وصنّاعه المهرة ،
لا يسعك حينها إلا أن تكتفي بدور المتفرج
 الذي لا حيلة له .

**
    انقضت قرابة سبعة أشهر لم أكتب خلالها قصيدة واحدة ، وهو زمن مؤلم حين تستنفذ طاقة الخيال لون الخصوبة ، وإيقاع التدفق  وموسيقى الفيض .. لحظة أن يتعطّل الوجدانُ عن التشابك مع نسيج عالمه .

**
 اشتقتُ لتلك اللحظة الموسومة بهسيسها وحفيفها ووشوشتها وأنفاسها . مضى وقت طويل لم تعاودني فيه القصيدة .  غادرتني النشوة التي كنت أشعر فيها بحياة ما ، تريد أن تخرج من عدم  ولغة تواقة .
 لم تعد تُطاردني كما كانت تفعل .
أنا حزين .

**
تلك اللهفة غادرتني /
غدوتُ منبوذاً يا قصيدة مفاتيحها لدى الموتى ،
 أين عطر خيالك .  

**

 لماذا يضجّ المكان بكائنات ثرثارة /
الشرفة غشيمة ،
 والظلالُ لا تُرَى إلا صخبا يتخبّط .

**
كلمة ، كلمة
أكرّس النثر لتنظيف شوارعك من الضوضاء ،
وغسل خيالك من دخان العروض .
ولا شيء يمنعني من حفر اللغات . 

**
     العارفُ بأحوالِ الخفاءِ يتهمُ اللغةَ لأنّها تفضحه .
لهذا ظلّ كل شيءٍ يشيرُ إلى نصفه الغائب : يطاردُ ما يعتقدهُ جنةً  تهرب . المطر يغادر علوّه بمرح لا يُضاهى .
الثعلبُ يفكّرُ في حيلة أخرى يخدع بها خيالَ الأطفال الذين كبروا ..  
الشيخ ينظرُ إلى أسفل لأن الأرض تستدرجه إلى جوفها .
ربما لأن الموت بذرة الحركة .
ربما لأن هناك حكاية أخرى تصعد إلى السماء ....
خيولُُ تفرد أجنحتها .. يقودها شاعرٌ ينزف ..
حيث لا أحد يأبه بالأحلام التي تُذبح .
حتى الصيادون  الذين لا حول لهم سوى هشّ الذباب عن جثث الدلالات الغبية ،  قالوا : السماء مجرد لون يتمدّد .. ولتذويب قطعة ملح كبيرة بحجم الألم يستغرق الأمر ثلاثة محيطات من التيه .
 فقط لأن الماء يبحث عن حرف ضائع  للإقامة الزرقاء .
فيما أنتِ أيّتها المرأة النائمة، نصفُك الوحيد يتشبّت بضرورة الليل لكي يحلم  بجندي أخير ، يشعلُ الحرائق في معاجم الجسد . يديرُ حرباً لا هوادةَ فيها ضدَّ خمسة قرونٍ من الرقاد .
فأي صمت هذا الذي يتقلّب خلف الأبواب ، لمجرد أن بضعةَ مفاتيح صغيرة تدحرجتْ من قصائد النثرِ للإطاحةِ بإقفالِ العروض الصماء .

**
 يا محضَ نومٍ يمشى . . ونافذة تُطلّ على حكايات خائفة
يا كوب شاي في شرفة تحلّق
يا عين قصيدة حارة تنقلّب من عاشقة إلى أخرى ...
يا ثدى بلاد تنسى أبناءها
مَن يغش حليبنا ويهمُس خلف الأذن برنيم كاذب .
فما  نراه من نجوم هي كلمات تحترق
لكي تُقرأ ، عليها أن تضيء .
وما نراه من غيومٍ .  خفة ماءِ
لذا يلزمنا أن نطيرَ لكي تنأى البيوت قليلاً
أن  نأخذَ الكتبَ المبلّلة ونترك الحروفَ تتلاشى
كسديمٍ  يتخدر.
لأّننا يا حبّي لا نملك ما يتخيله شاعرٌ يمشى سعيداً إلى حتفه ..
وهو يهتف :
ثمة موسيقى تتفتحّ في  حقول الله ..
ثمة حبرٌ سعيدٌ يتضافر ،
يغدو قمراً نظيفا من الشبهات
ثمة  لونٌ آخر من النساء في هذه القصيدة ..
ثمة شيء خلف إذني يتآمر ضدي
و في خزانة الريح ...
ملايين الكلمات التي تنتظر .
¨    

______ 
نثر الغائب

طرابلس ، صيف 2004

الأحد، 4 أكتوبر 2015

نثر الوجه


مفتاح العمّاري
نثر الوجه..

     لكتابة وجهك كما أراه تلزمني غابات من الأسماء الحارة لكي أذوّب كل ما يعترضني من خجل وامضي حرا إلا من دمك وهو ينفر عنيفا ليلون الطرقات بشذاه.. سأقترح  كتابة أكثر تماسكا وتورطا في الغواية حيث تقتضي الهشاشة الحضور اللائق بمهابة ملكة ،هذا إذا اتفقنا على إقحام الوضاعة في ثنايا اللغات التي نقترح استدعاء مفرداتها لرسم الوجه ذاته بألوان أكثر شراسة وتوحشا. إذ يظل رسم الوجه ذاته بثلاث طرق أو أكثر مسألة في غاية التطلّب طالما أن صوتي البارق هو من يسكّ ذلك المديح السادر منذ زمن في مكان ما من التاريخ الأحمق لتلك السفينة التي تمخر عباب البحار والمحيطات دونما هدف سوى إلقاء الحمقى في الغريق الخافي .. حيث يبدو العالم أكثر وحشة من دون وجه. أعني ذلك الوجه المجهول وهو يشي بجمال صارخ ، علّه يجتاح ظلمة أشدّ قتامه وطعنا ونزيفا ، ظلمة تنطوي على لغات شتى حتى يمكن الاقتراب من ملامحه الغامضة .. وتوصيف هيئته بحياد مبارك ، لعل من يراه سيدرك مدى بشاعة أن يظل هذا العالم متروكا لسلطة الأوغاد والبهائم .  ولأنني لم افلح بعد في القبض على ذلك الشيء تبعا لما هو متعذر ومستحيل وخفي ومجهول .. لهذا سأظل اركض إلى مالا نهاية بغض النظر عن وعورة القواميس وضراوة المعاجم . كأنني الآن اكرر نفسي حين استعيد العبارات ذاتها التي انكتبت من قبل ، والتصقت بأجساد وأسماء ووجوه أخرى .
**

    أتخيل أشياء كان ينبغي أن توجد ، لكي تلمس وترى وتشم ـ أشياء قريبة .. حواس تتململ وتقلق وتنتفض وتعربد وتفرح وترتكب المزيد من الهوس والجنون . ربما سأكتب قصيدة أو تعويذة أتقرّب بها من تلك الوجوه التي نحاول أن نطلق عليها ما يليق بها من صور وأسماء .. لكن ليس بالضرورة دائما افتراض أو ادعاء معرفة ما بمخلوقاتنا .. وأن ما نصطفيه أو نحبه قد  نتوهم معرفته ليظل متوحدا بينما نحن لا نعرف أنفسنا حق المعرفة.. ربما لأننا أكثر تعددا و تنوعا ، وأن ما نحتاجه من أسماء  لا يحيط بما تقترفه أفكارنا من سفر ونوم ولعب  .
____ 
طرابلس 2 يوليو 2007

الاثنين، 14 سبتمبر 2015

مونولوج



مفتاح العمّاري

مونولوج


    في لحظة  بالغة القساوة والأسى ، قد يأكلك السام وتغدو مستسلما دون هوادة لضراوة النأي والعزلة .. معتقدا لا محالة بأنك بهيمة منبوذة .. فائضا عن حاجة الزمن الذي تتفاقم شراسة آلته يوما بعد يوم..حيث لاشيء البتة جديرا بالطمأنينة .  وفي غمرة هذا الإحساس الموغل في الوحشة والتهدم .. تكتشف لهنيهة بأن ثمة في هذه المدينة من يتذكّرك، ويهبك حيزا ودودا من وجدانه وتسامحه . هنا ، وعلى الرغم من تلك الإشارة التي تضيء ركنا مظلما في روحك الجهمة .. وتوقظ في نفسك يقينا ما بالتفاؤل والزهو .. إلاّ انك حتما سترتبك إزاء ما يمكن أن تقدمه بدورك إلى من يحفظ لك في أرشيف عواطفه قدرا من الود .
    لعلك ستتساءل عن وجهك الآخر الذي لا تراه .. عن صورتك المخفية في قلوب الآخرين .. عن عناوينك التي تظن بأن صروف الدهر قد محت رسم تضاريسها من خارطة الألفة .. عن ضحكتك ونبرة الهدوء النظيف
في صوتك الذي ذهبت الرياح بعذوبة إيقاعه الحالم .. عن شغف مشيتك عندما كنت تقود الشوارع إلى مآربها البهية ..  وقد تتساءل أيضا ، بينك وبين نفسك : هل يحق لك أن تعترف .  ربما يعد هذا المنولوج ضربا من الحوار مع الروح ، لأن ثمة أشياء تبدو رغم سذاجتها الطافحة على السطح  في غاية التعقيد . هنا تحديدا تشير عبارتك إلى حماقات دامية .. ومفارقات من سلالة  دون كيخوت..  فيما تلمّح قصيدتك إلى  ذاتك الممزقة ولحظاتك المركّبة على نحو بالغ القساوة والغموض .  تتفاقم تراجيديا قصيدتك ، لتشي بكائن لا تمر أوقاته هكذا .. كأنّك خلقت لمشيئة الغبن والخيبات المتراكمة لكي تتواطأ مع الألم .. مع لعبته التي دائما تعيد صياغة نفسها بهيئات وأشكال يتعذّر القبض على أوصافها . كذلك تَحتّم عليك أن تتصالح  مع غربتك في أعنف تجلياتها قهرا ، فليس أشدّ وطأة من تلك العزلة التي يعانيها الكائن داخل وطنه.. عزلة اللغة / المخيال / التأمل / التسكع عبر مرايا باهتة .. وهي لحالة من الجنون المستعصي حين يتكرّس الحنين للمجهول .. حيث ينبري كل شيء في ذمة الغيب . كل ماهو منتظر ومُتوخى ومحلوم به ، يستوطن لحظات مؤجلة ، تظل دائما مرتقبة . هذا التوق لمخلوقات من وهم .. يتمثل في  كل ما هو أثير ومهيّج للشغف . لكنّه يبقى مجرد حلم معاق ، ينتجه هوسٌ جامح ، يكتب رسائل لحبيبات الغيب ، ويجفِّفُ ورودا في كتب لم تُقرأ بعد.. ويبعث بمكاتيب حارة إلى عناوين مجهولة .
     لعلك ستعتذر في يوم ما حيال هذا الكلام الذي قد يصل أو لا يصل .. وهذا البوح المرتبك والإفشاء الخجول ، لكأنك  في بعض ما تسميه نثرا  قد وزعت نتفا من تمزّقات لامعة ، تبعثرت أشلاؤها هنا أو هناك في قصيدة أو حكاية أو مشهد .
  لكنك تبدو غير مكترث ، وأنت تقضي ثلاثة أرباع يومك في غرفتك .. أحيانا تمر أسابيع ولا تخرج إلى الشارع .  لم يعد  ثمة أصدقاء تنتظر أوبتهم ..  تُعدُّ لهم القهوة والحكايات الساخنة ..  وتشاطرهم رحلة الخيال .. كما كنت تفعل ، بعد أن اختفوا فجأة .. غادروا  أو تلاشوا أو تاهوا.. أو لعلهم استسلموا لغوايات بعيدة . وأن  ما تبقى من حبات في مسبحة العناوين التي كانت قبل قليل أثيرة ، بدت الآن باردة وخاملة بعد أن فقدت تلك البراءة  التي كنّت  تُربِّي مفرداتها.. وتزوّدها بما تحتاجه من دفء وحواس إضافية لكي تقتفي من خلالها حدس الألم / دليلك الذي بهديه  تعرف أنّ تكمن فخاخ الفتنة ، وسطوة المتع .. في ما تقترفه من قصائد وأحلام ومحطات رحيل لا يكف .
   يا ترى كيف يمكن أن تلتبس الحقيقة بالتيه .. وما كنّت تضمره من مباهج أضحى محض غائط كريه . سقطت النجوم ، وكشفت السجفُ عن سماء لا أين لها .. وغدت أغاني فيروز ، وموسيقى تيودوراكيس مجرد أصداء باهتة في متاهة العمر. هل كنّت  محض ظل باهت لزمن عابر .. وبذا قد  ضاقت أوطانك وانحسرت حدودها في ذلك الحيز الصغير الذي تتيحه  كلماتك البائسة . كم مضى من الهزائم والخسائر والخيبات لكي تتذكر إيقاع آخر ضحكة في رواق هذا العمر الذي تشظّت أيامُه ولم يعد بينك وبين ما كنت تكتنزه من محطات سفر .. غير ما تتيحه الذاكرة من مصائد سهو . أين أنت .. وكيف هي أحوال الطقس .. وكم سنة أخرى يمكن أن تضاف إلى ذخائر النوم . يا لها من  غرائب وفصول شحيحة هذي المفازة التي غمرتك  بغبارها.. فلم تعد تبصر ما ترتكبه الضراوة من ألم .   كانت قصيدتك في يوم ما أكبر من حدود العبارة . والحالة هنا تقتضي بالضرورة إلحاح إيواء .. ومجاز رحم  .... وتلك الرغبة التي لا يردعها كابح في الأبوة : الأطفال ،  سحر لا يقاوم .. فمازلت لا تصدق بأنك تحوز على هذه النعم ( زينة الحياة الدنيا )  . فلو لم يكن الأطفال معك  كيف يمكنك مقارعة الهلاك الذي يضرب أوتاده في جهات الروح . صغارك هم الطاقة الحقيقية التي تشحن قدرتك على الوقوف .. فكلما ترنّحت قليلا أو هزتك رياح الغدر تتوكأ على براءتهم . إنهم يسندونك الآن رغم كل شيء . فها أنت مرة أخرى  تتربّى بهدوء على احتمال المزيد من التّعب .. وها هي الأيام تواقة  من جديد ، ترسم وجوها حالمة .. وتعزف كل مساء ألحانا من وحي الغائب .. وتعيد قراءة سمرقند التي طردت عمر الخيام خارج بساتينها .. وتقترحُ أمّك الصغيرةُ وعداً  من الخفة يتكفّل بحمل ثقلك إلى مطارح أخرى أكثر أمنا . فلا تلتفت وراءك ، قد مضت الأيام تلك .. ولم يعد ثمة أحد جديرا بالتساند   .
     كانت قصيدتك الأولى صنيعة حدث شخصي . حين اكتشفت طرابلس وفتحت أبوابها العتيقة بمفاتيح صُكَّت من خامات تأنيث .. كان لنون النسوة الفضل ا في سنفرة نحاسها ..  لم تكن وقتها سوى جندي  بسيط فرّ من قساوة الثكنات ، وصرامة قوانينها الجائرة ، ليجد نفسه فجأة في ما يمكن أن يُعدّ نعيما ، خارج حياة الأسر.  لهذا كانت القصيدة هبة الله  ، منقذتك من التهدّم والضياع .. حيث   لا عائلة ، لا بيت ،  ولا وطن غير ما تهيئه الثكنات من جحيم الغبن . كانت بالنسبة لك منجم سلام وكنز طمأنينة .. فماذا عساه أن يحلم ذلك المخلوق الوضيع الذي لا يُرى . عالم من الغوامض والعيّ والارتباك والخجل التاريخي .  كانت بمشيئة  حدث شخصي مهيأة لأن تكون شريكة سر ..  وأنت لم تكن محض شاعر وكفى ،  بقدر ما كنت طفلا إضافيا يقع على عاتقها  عبء مداواة جراحه الكثيرة التي تمزّقت تلافيف ذاكرتها النازفة .  مرّ وقت لم تكن فيه راغبا بانشغالات المنزل .. انتقمت على نحو ما من ضراوة الأيام .. فتسكعت وسكرت وسافرت بفضل القصيدة إلى عواصم وبلدات لم تكن متاحة قبل قليل .. كأنك تصفي حسابا قاسيا مع الحياة .. و تثأر من الضنك وقلة الحيلة . منحت نفسك براحا من التمرد والعربدة والمغامرة والمجون  .. ربما ساعدك حدسك على معرفة تلك الإشارات التي تومئ لك ، لكي تقتفي ما تخبئه أقواس الحبر بين أظلافها من روائح ، وعوالق ريح حمّالة لقاح ونفايات مدن . فتربّصت بعصامية متوحشة للانقضاض على كل ما هو جريرة سفر وخطيئة تأمل . قرأت متون التوحيدي واقترفت بعض ما جناه الحلاج على رهطه . وكنت وحيدا.. أجل الوحيد بين أترابك الذي  يجمع بين الكتابة والوجود بعفوية جارحة لا دليل لها سوى الحدس . كانت القصيدة بقدر بساطتها ..  مجاز واحة صغيرة كلما ضاقت بك الحياة  اتسع رحمها .
<>                                                                                                                
_______ 


خريف 2002

الجمعة، 28 أغسطس 2015

سيرة العطب ( 1 )

مفتاح العمّاري

سيرة العطب


      هذا الكهلُ الأشيبُ هو الجنديّ الذي سأحدثك عنه أيتّها الأميرٌّة الصاخبةُ بغبارها البارق . دعيه يهجع قليلاً قريباً من أنفاسك ، راقداً بين حواسّك كثقل من الموسيقي الناعمة ، حاراً يسرى بعذوبة عبر مسامك موغلاً في السرد الثمل  ،  إلى الحّد الذي يجعلك تكذّبين لوامسك الفاغرة وتهذين بوجود شاخص لا غبار عليه ،  تتحطّمُ فوق سّدته أسئلة اللهفة حيث الثياب المنيعة تنحلٌّ بطاعة عمياء ، وتستسلمٌ أٌقفالٌ الكشف مأهولة بالإعتاق ..  لا إرادة لها سوى أن تكون دونما ريبٍ جديرة بالعطب .
     هذا هو الجندي : تائها بين أو شامه العربيدة .. خذيه برفق .. فهو يكذب أحيانا ويعبثُ بهروبه الغامض .. متسكّعاً بين شوارع النثر ، يشطرٌ الوهم غائباً عن ذويه /  مٌهملاً نسله الرائع / متخّطياً بثبات قبائل لغوٍ صلبة ، ومومياءات ثرثارة تتآمرُ على سفك عزلته الوضيئة / عنيداً كعادته يقضمُ اللذاذة بأسنانٍ شرهةٍ تأكل روح خالقها . فهنيئا لكِ بهذا الباسل الطيب  ، العّراف الكسول ، الذي ينام  بعد الأرض متحّرراً من أعبائه ، سريرٌه الخيال ، وسريرته الرؤى .. كل ليلة قصيدة أخرى .
___

طرابلس . يناير 1993