وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصائد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصائد. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 14 أغسطس 2025

-------- في فايا لارجو*

 

مفتاح العمّاري

جندي بذراع مقطوعة. تشالز بيل (1815)

-------- في فايا لارجو

 

عندما تخلّت كتيبتي عني؛

لم ينتبه أحد أني بلا أطراف أختنق في خندق رملي،

وأنّي بعد قليل جعلتُ نيران بندقيتي دبابير محتجّة؛

وقد أعطيت لأجنحتها نفس القوة التي تخشاها العاصفة،

ونفس الصرخات الصلبة لحشد من العبيد اليائسين؛

لتحرق جبلا رابضا بين ظلامين.

 

ثم تربصّتُ نباهةَ الصدفِ الرحيمة،

لعلّ ذئبا يغادر وجاره ليقتفي رائحة دمي؛ فيهبني كرامة جوعه

حيث لا شيء يعوي في روحي غير الألم.

 هكذا يأتيني رزقي كعدوّ يسعى.


حدث ذلك قبل ثلاثة وثلاثين عاما.
لكن ما زال نومي يتكسّر،

وأحلامي ترتجف.

________

باب بن غشير  20 يوليو 2020  

من قصائد ديواني: (حكايات تجعلنا نخجل)

 

الخميس، 7 أغسطس 2025

أفكر في حديقتي

 مفتاح العمّاري

 


أفكّر في سعادتي التي صرتُ عاجزًا عن حملها.

أفكّر في سبعة وستين سنة قطعتها ركضا حتى أنني لا أتذكر كيف نجوت.

أفكر في حديقتي التي لطالما تمنيت أن تكون حديقتي.

أفكّر في جسدي وقد أمسى المكان الوحيد الذي لا أراه.

_______

طرابلس 22-11-2022


الخميس، 31 يوليو 2025

يد الموناليزا*

 



في الحرب

كنت ألعب عند باب البحر ،

غافلا عن قذائف فرسان الملكة إيزابيلا.  

في الحرب

لم أحفل بأسماء رفاقي الذين ضيعوني؛

كنت عربيدًا أعبّ النبيذ في خمارة قوس ماركوس،

صعلوكًا في (سوق الخبزة) ابحث عن سكين

لمعالجة بطيخة ناضجة منحني إياها مزارع من سهل جْفَارَة .

**

لم أحزر حينها

أن "مراد آغا" ورهطه من الأسرى

سيبنون قلعةً حصينة .

وبعد هزيمة فرسان القديس يوحنا

سيمكثون هنا أربعة قرون

حتى تتعفّن ترهاتُهم في سقيفة التاريخ

لهذا كلّما دخلت غرفة "للاحلومة" لتنظيفها من البق والغبار

أحاذر مزاج الكسوف،

وغدر يوسف باشا الذي

يتجول في ردهات القصر متنكرًا بأردية الحريم .

لكن ماذا لو أتقنت رسم امرأة لها ثغر الموناليزا

عوضًا عن تعلّم الكلاشنكوف، وركوب المدرعات.

ماذا لو أجرينا تعديلا بسيطًا على كتبِ التاريخ العربيّ

وجردناها من كل الفرسان الذين صنعهم خيالٌ مريض،

وأوكلنا لِزرياب وحده؛

تعبئة الفراغات التي تركتها سنابكُ الخيل .

**

في يومٍ ما

كنتُ كلما مررت بمحاذاة قلعة باب العزيزية

أتخيل حديقة بدلا من ثكنة .

والآن بلادي ضاعت،

وأنا لم اعد ذلك الفتى

كل ليلة أحاول تدبير ممر آمن للنوم

وأهمسُ لكِ

أعطني يدَ الموناليزا .

___________
* نقلا عن صفحة: مجانين قصيدة النثر. الرابط: https://www.facebook.com/groups/643589259494308/posts/985342751985622/

الثلاثاء، 29 يوليو 2025

موسيقى





                                                                                                                                   مفتاح العمّاري
 


________ موسيقى   

فان غوخ 1888


 طوال فترة مرضي؛

 لم أتخلّ عن الموسيقى.

 حتى في ليالي الشتاء القارس؛

 دائما، ثمة نافذة مشرعة.

الأربعاء، 23 يوليو 2025

عائلة

                                                                                                                                مفتاج العمّاري 



 __________   عائلة

 

اللوحة للفنان العراقي: غالب المنصوري



وحده لا يساوي شيئا.

 يحتاج الألف الى حرف ثانٍ،

لكيلا يكون وحيدًا،  

وحرف ثالث لتأسيس عائلة،

 وربما الى حرفين آخرين أو أكثر،

 لمزاولة الصيد،

وزراعة الأحلام،

 وخوض معركة،

 وكتابة قصيدة.

___ 

15مارس 2022

تحطيب سكان الريح (2)


                                                                                                                               مفتاح العمّاري 

-----------   تحطيب *  


17

فيما كنت اغنّي خلف شياهي؛

صنع الفينيقيون سفنًا.

كم تمنيت لو أن أبي كان نجارًا

عوضًا عن قاطع طريق،

يكمن للقوافل ويتحرش بنساء العشيرة.

 

18

لو كان أبي صيادًا، يجوب البحر على الأقل

لبدت أمّي أسعد حظًا

وهي تجيد تلاوة الشعر وتربية الزهور. 

وتشوي سمك المرجان على أنغام زوربا.

  

19

أسماء كثيرة كانت لي؛

صارت ريحًا.

حماماتُ جارتنا

تترك ريشَها أعْمَى.

 

20

لا دخان،

لا ضحك،

لا شيء.

ومع ذلك؛

جارتنا تَطبُخ.

 

21

طالما لست مضطرًا

لمغادرة البيت،

سأظل سعيدًا. 

كعادتي دائمًا؛

أهملُ الأبواب

وأفتح الكتب. 

 

22

صديقتي نامتْ وهي تقرأ

غلافي الجميل

يحلم على صدرها الآمن

أنا كتاب.  

 

23

لأن " ثمة أشياء لا نستطيع رؤيتها إلاّ في الظلام "*

استأنست كثيرا بمقبرة الكتب، رفقة الفتى دانيال

نقتفي "ظل الريح".

_____

*الاقتباس من رواية "ظل الريح" لكارلوس زافون.  


24

في هذه الليلة

 سهرت مع المجرية أغوتا كريستوف،

كل شيء كان يحترق:

الكتب والأحلام وأفراد العائلة.


25

بمجرد أن عضتني قصيدتها

أحببت الفونسينا ستورني،

تلك التي انتحرت غرقا، وذهبت إلى القاع

لتفتّش عن فجر يلمع في جوف صدفة

لكي " تحمل لي باقة حمراء

من زهور المرجان ".

 

26

أنا أيضًا وقعتُ في غرام سيلفيا بلاث

قبل أن تنتحر تركت لي مجموعة من القصائد الأثيرة

ورواية لا تريد أن تنتهي.

 

27

كأننا التقينا قبل اليوم

في مكان آخر يشبه "ظل الريح"

أنا والجميلة " كارلا "*       

كارلا العمياء وهي تتحسس وجهي بأناملها الحاذقة

التي تعرف كيف تثير الشهوة بحرفية بريئة في تعرية الخيال.

حدث ذلك في ليل مكتظ بأنفاس بيانو

في رواق مكتبة عتيقة.

___

*من شخصيات رواية" ظل الريح " لكارلوس زافون.

 

 

28

وحدها تزهر في الغرفة.

كتبي التي تخليت عنها،

تضيءُ الليل.

 

 

29

اعتمروا الخُوذَ

وتنكبوا البنادق.

خمسُ سنوات

لا أُمِّي ابتسمتْ،

ولا أخوتي عادوا.

 

 

30

يا للغباء 

تجمعنا الحربُ؛

لكي نفترق.

 

 

31

لا شيء

غير دخان يصعد

وأرواح تطير.

صباح مكفهرّ.

__________  

*طبعة أولى 2020 (وزارة الثقافة والتنمية المعرفية، طرابلس - ليبيا)    

 


الأربعاء، 16 يوليو 2025

تحطيب سكان الريح (1)

 

مفتاح العمّاري

-----------   تحطيب *

 

لوحة التراجيديا لبابلو يبكاسو – 1903



1 

الأشجار التي تحجّر عطرها، 

كيف نسميها حديقة؟

كان عليّ جمع الحطب

لا انتظار الريح.

 

2

من فرط الانتظار،

شجرةُ البرتقال الوحيدة في فناء البيت،

تتخيل مطرًا

وتطرحُ فاكهة مضللة.

 

3

منذ أن دفنا أبي، وتركنا أخطاءه

 تلعب حرّة خارج القبر،

منذ أن تدبرت أمنا زوجًا آخر،

ولم نعد نراها إلا في المآتم،

منذ أن تخلّت عنّي الأبواب،

وتحوّلَ اسمي إلى خمسة أرقام هزيلة

وأمست الثكنات ملاذي غير الآمن،

منذ أن عثرت على جبران متروكًا بإهمال

على طاولة عامل بدالة في معسكر الكتيبة 23 مشاة

كان النبي مهانًا،

شوّهت ملامحه أرقامٌ وخربشات عابثة،

وبقعُ الشاي،

منذ ذلك الحين:

وأنا أكتب الشعر لجمهور مغرور،

يتجاهل الموسيقى،

ويفسح الطريق للجنرالات.

 

4

ذلك الذي كان يُعنّفني

لكي أكون ابنًا بارًا،

وكنتُ أريده أن يكون أبًا حنونًا، 

غادر البيت.  

 

5

الغابة مكتظة بما لا يُحدّ.

ظلالٌ تتكسّر،

ولا أثر لفأس.

 

6

أنا الآن وحدي.

لكن تلك السماء

يصعب نسيانها.

 

 

7

حيث لا شيء يصمد طويلا

في الحرب

تشبّثْ بالموسيقى

تلك الرفيعة، شبيهة السر؛

فمهما كانت عظمة النار؛

وحدها الموسيقى

لا تحترق.

 

8

حتى وهو يلوذ بصمته

لمْ يعد الكلامُ آمنًا.

 


9

في عطلةِ الأسبوع؛

ذهب الجنودُ إلى عائلاتهم

وتركوا الثكنةَ لي وحدي.

 

10

إكراما للظلّ أقترفُ المزيد من الصمت

لكي أرى عن كثب

الأحلام الصبورة التي طبخها المعرّي

على مواقد العزلة

ثم تركها تتبخر بهدوء؛ لتسافر بعيدًا

في خيال اللغات.

 

11

أغبطُ سكان الريح

الذين لا يملكون أقفالا

أو بضعة دراهم تكفي ليوم آخر

بلا عناوين حتى، 

أينما تعبوا، ناموا.

لا أبواب لهم

لا كتب ثرثارة

ولا ورثة يتشاجرون.

لا شيء. 

 

12

لم نتعارف كما ينبغي

لم نعش كأصدقاء

ولم نصغ لزوربا.

شيء كهذا؛

يحدث في طرابلس.

 

13

طفل يركل كرة صفراء

الشمس تغرب خلف ظهره.

قميصه المشجر،

حديقة تركض في مرح.

 

14

ما ذنبي إذا أهملتني الصدف

ولم أعرف سجن "بورتا بينيتو"

إلاّ كحديقة يتوسطها مقهى.

ما ذنبي إذا طلبت أرقيلا

وكتبت قصيدة.

فقط أتساءل.  

 

15

ثياب الجندي،

التي لبستها طيلة عشرين عامًا،

عجزت عن إخفاء ظل الشاعر.

 

16

أحيانًا أغبط أولئك الكسالى

وهم يسترخون في المقاهي،

 ويثرثرون بأصوات حرّة. ولأسباب لا أفهمها أغبط النار،

الشوارع لحظة أن تستيقظ في الشتاء.

كما أغبطُ الروادَ الأوائل،

حملةَ البكتيريا الذين اكتشفوا الخيال،

 وتركوه يغلي على مواقد رحيمة.

أغبطُ الألم الذي يصنع سلّما للضحك.

الألم الصبور، لا الماكر وهو يفكّر متربّصا بكهولتي

الألم أبن الخمسين اسما في معجم الجرّاحين،

الراكضَ والناعمَ والمتسوّلَ والمنبوذ.

أغبط طرابلس بخصوبة ترهاتها وهي تحتفل بالنفايات،

لأن الربيع حين فقد بصره أخيرًا،

انتخب الشاعر لقيادة العزلة.

لهذا، أرمّم مشتقات المنفى بمزيد من الكلمات 

أبتسم في وجه العالم، وأقول لنفسي:

كأن الحياة لعبة

هكذا خمنتُ فيما كنتُ أسألُ جندياً،

عن أقرب دورة مياه أو جامع.

قال: تبولْ حيث شئت.

هكذا أتربّص،

حيث الأسماء خلاصةُ سفر.

فيما الألمُ لا الكلمات،

مَنْ كان يُفكر.

__________  

*طبعة أولى 2020 (وزارة الثقافة والتنمية المعرفية- ليبيا)