مفتاح العمّاري
_____ الأيام الأخيرة لديك الجن الطرابلسي
ما أن فتح الشيخ العليل صفحات التواصل حتى
استوقفته إشارات مغوية؛ بينها فتيات وسيمات لطالما حلم في شبابه بأقل منهن حسنًا.
وبيوت أنيقة ودافئة لم يسبق لها أن طافت بخلده ولاسيما عندما كان يلبث لأشهر عجاف
في خنادق الرمل وما من توق سوى العودة الى كوخ العائلة بأقل الأضرار إعاقةً
وبؤسًا. ومرّ في الأثناء ببساتين تتمتع أشجارها وأزاهيرها وطيورها ونوافيرها ببهجة
مطمئنة، لا تنتسب للماضي. وبعد قليل قد ينسى نفسه على ضفة نهر يفوق جماله كل ذاكرة
تربت في مفازات العدم، وأحياء الصفيح، وثكنات الجيش، وخطوط النار؛ ليأخذه حسن
الظنّ بأن ما يراه ماثلا كحقيقة لا غبار عليها سيبدو له -رغم اختلافه- شديد
القرابة بالروح نفسها التي عرفها في الصغر. هذه الرؤى ضخت في نفسه طاقة مفعمة بالنشوة،
ومن فرط استسلامه كاد أن يتخلى عن كل ما اذخره لمستقبله من أسماء وعناوين أثيرة؛
بينها فتياتٌ جميلات، وبيوتٌ أنيقة، وبساتين بهاء، وجندي خجول يشبهه تماما، وقصيدة
تختزل حدائق بابل وكنوز سليمان واهرامات الجيزة. وفكّر: ربما ضراوة الجمال (هي
وحدها) من تجعلنا أسرى لتلك البطالة القديمة الناشئة عن ازدهار القبح؛ أو هي ترهات
المسنين كما تبدّت في الظاهر كانت أكثر ترحيبا بالماضي؛ وأيضا لعلّ كل ما حدث قبل
قليل تكمن أبسط أسبابه أعجازا: أن مخيلة الشاعر منذ عهد الملك الضليل وحتى آخر
صولات ديك الجن الطرابلسي، لا تتوقف عن الدوران حول نفسها.
______
طرابلس- باب
بن غشير. 11 مارس 2023