وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الاثنين، 28 أكتوبر 2024

الى رضوان ابوشويشة (1)

 مفتاح العمّاري

       
 "فلتكن لوحاتي هي التي تتكلّم"


      عندما اقترح "رضوان بوشويشة" على نفسه الدنو من مشيئة الرسم حوّل الصمت الى حشد من الأصوات المحتجة، الى مظاهرة غاضبة باسم الخرس؛ وغدا خبير مناجم يفجر لغات من لهب؛ لكأن البراكين حرفته، تتطاير من لوحاته شظايا توقظ حرائق قديمة وتستعيد اسئلة لا إجابات لها تتعلقُ بشموس مهملة، وكهوف وحضارات بائدة. وظل رضوان في كل لطخة مهووسا الى حدّ التطرف بافتراض أحلام وعوالم لا وجود لها الا في حكاياته التي لا تأفل؛ فهو حكاء استثنائي من سلالة بورخيس، وربما ايتالو كالفينو، وغارثيا ماركيز. لم يكن الرسم سوى هداية حدس، جاءت كاستباق لفقدانه القدرة على الكلام، حيث تكفلت عيناه بترجمة هذه النبوءة الى حوار استثنائي خاماته من ألوان وقماش وورق بعد أن وجد في أدوات الرسم ضالته كتعويض لعاهة النطق ليتوغل عميقا في الرسم بكل حواسه ومخيلته وذاكرته وألمه وعزلته. بدا وهو يسرد سيرته اللونية كما لو كان يترجم مقولة فان كوخ: "فلتكن لوحاتي هي التي تتكلّم". ذلك لأنه كان متفانيا الى اقصى حد لكي يبث في الألوان شيئا من روحه بحيث لا تتمتع بألسنة وحسب؛ بل وهبها أجنحة واذانا وعيونا وتركها تفكر بمشيئتها. ونحن حين نحبّه انما نحب ليبيا بذاكرتها وموسيقاها واحلامها. ولأن رضوان غالبا ما كان لسبب وجيه يحاول أن يوقظنا من سباتنا، الى حد أننا بتنا ننتظر الصباح بفارغ الصبر. وحين أشرق لم يكن ذلك هو الربيع نفسه الذي لطالما تقنا اليه؛ فثمة هنا خديعة بصرية كبرى جعلت ربيعنا داميا وظلاميا. لهذا انتظرنا مرة أخرى.

_______