وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الأربعاء، 16 يوليو 2025

تحطيب سكان الريح (1)

 

مفتاح العمّاري

-----------   تحطيب *

 

لوحة التراجيديا لبابلو يبكاسو – 1903



1 

الأشجار التي تحجّر عطرها، 

كيف نسميها حديقة؟

كان عليّ جمع الحطب

لا انتظار الريح.

 

2

من فرط الانتظار،

شجرةُ البرتقال الوحيدة في فناء البيت،

تتخيل مطرًا

وتطرحُ فاكهة مضللة.

 

3

منذ أن دفنا أبي، وتركنا أخطاءه

 تلعب حرّة خارج القبر،

منذ أن تدبرت أمنا زوجًا آخر،

ولم نعد نراها إلا في المآتم،

منذ أن تخلّت عنّي الأبواب،

وتحوّلَ اسمي إلى خمسة أرقام هزيلة

وأمست الثكنات ملاذي غير الآمن،

منذ أن عثرت على جبران متروكًا بإهمال

على طاولة عامل بدالة في معسكر الكتيبة 23 مشاة

كان النبي مهانًا،

شوّهت ملامحه أرقامٌ وخربشات عابثة،

وبقعُ الشاي،

منذ ذلك الحين:

وأنا أكتب الشعر لجمهور مغرور،

يتجاهل الموسيقى،

ويفسح الطريق للجنرالات.

 

4

ذلك الذي كان يُعنّفني

لكي أكون ابنًا بارًا،

وكنتُ أريده أن يكون أبًا حنونًا، 

غادر البيت.  

 

5

الغابة مكتظة بما لا يُحدّ.

ظلالٌ تتكسّر،

ولا أثر لفأس.

 

6

أنا الآن وحدي.

لكن تلك السماء

يصعب نسيانها.

 

 

7

حيث لا شيء يصمد طويلا

في الحرب

تشبّثْ بالموسيقى

تلك الرفيعة، شبيهة السر؛

فمهما كانت عظمة النار؛

وحدها الموسيقى

لا تحترق.

 

8

حتى وهو يلوذ بصمته

لمْ يعد الكلامُ آمنًا.

 


9

في عطلةِ الأسبوع؛

ذهب الجنودُ إلى عائلاتهم

وتركوا الثكنةَ لي وحدي.

 

10

إكراما للظلّ أقترفُ المزيد من الصمت

لكي أرى عن كثب

الأحلام الصبورة التي طبخها المعرّي

على مواقد العزلة

ثم تركها تتبخر بهدوء؛ لتسافر بعيدًا

في خيال اللغات.

 

11

أغبطُ سكان الريح

الذين لا يملكون أقفالا

أو بضعة دراهم تكفي ليوم آخر

بلا عناوين حتى، 

أينما تعبوا، ناموا.

لا أبواب لهم

لا كتب ثرثارة

ولا ورثة يتشاجرون.

لا شيء. 

 

12

لم نتعارف كما ينبغي

لم نعش كأصدقاء

ولم نصغ لزوربا.

شيء كهذا؛

يحدث في طرابلس.

 

13

طفل يركل كرة صفراء

الشمس تغرب خلف ظهره.

قميصه المشجر،

حديقة تركض في مرح.

 

14

ما ذنبي إذا أهملتني الصدف

ولم أعرف سجن "بورتا بينيتو"

إلاّ كحديقة يتوسطها مقهى.

ما ذنبي إذا طلبت أرقيلا

وكتبت قصيدة.

فقط أتساءل.  

 

15

ثياب الجندي،

التي لبستها طيلة عشرين عامًا،

عجزت عن إخفاء ظل الشاعر.

 

16

أحيانًا أغبط أولئك الكسالى

وهم يسترخون في المقاهي،

 ويثرثرون بأصوات حرّة. ولأسباب لا أفهمها أغبط النار،

الشوارع لحظة أن تستيقظ في الشتاء.

كما أغبطُ الروادَ الأوائل،

حملةَ البكتيريا الذين اكتشفوا الخيال،

 وتركوه يغلي على مواقد رحيمة.

أغبطُ الألم الذي يصنع سلّما للضحك.

الألم الصبور، لا الماكر وهو يفكّر متربّصا بكهولتي

الألم أبن الخمسين اسما في معجم الجرّاحين،

الراكضَ والناعمَ والمتسوّلَ والمنبوذ.

أغبط طرابلس بخصوبة ترهاتها وهي تحتفل بالنفايات،

لأن الربيع حين فقد بصره أخيرًا،

انتخب الشاعر لقيادة العزلة.

لهذا، أرمّم مشتقات المنفى بمزيد من الكلمات 

أبتسم في وجه العالم، وأقول لنفسي:

كأن الحياة لعبة

هكذا خمنتُ فيما كنتُ أسألُ جندياً،

عن أقرب دورة مياه أو جامع.

قال: تبولْ حيث شئت.

هكذا أتربّص،

حيث الأسماء خلاصةُ سفر.

فيما الألمُ لا الكلمات،

مَنْ كان يُفكر.

__________  

*طبعة أولى 2020 (وزارة الثقافة والتنمية المعرفية- ليبيا)