وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

السبت، 9 ديسمبر 2017

الناقد: ناصر سالم المقرحي و"براح الشعر"





     مثل الطائر الذي لا يترك سماء إلا ويخبط بجناحيه فيها قبل أن يحط في عشه آخر النهار طلبا للدفء والألفة واستعدادا ليوم عمل آخر , ها هي الجمعية الليبية للآداب والفنون وكالعادة في موعدها الذي يوافق الثلاثاء الاول من كل شهر تعود إلى الشعر وهو الفن الذي يتفق الجميع على عشقه وتقدير أهميته تقريباً , فلا أكاد اتصور شخصياً , إنسان لم يتفاعل يوما مع مقطع شعري أو بيت أو عبارة قالها شاعر منذ لحظات أو منذ قرون , ولا أتخيل شخصاً لم يستوقفه مرة قول شعري أو جملة بليغة سواء كانت بالفصحى أو بالعامية , فإنسان لا تهزه العبارة ولا يؤثر فيه الكلام الجميل لا وجود له في اعتقادي , ولأن له مريدين وأتباع ومنصتين لا تنسى الجمعية كل مرة ان تحتفي بالشعر وبالشعراء , وبالأمس القريب استضافت أحد الشعراء الراسخين في المشهد الشعري الليبي , استضافت الشاعر مفتاح العمَّاري وهو من هو في المدونة الشعرية , العمَّاري صاحب القصيدة الرشيقة والعبارة المثقلة بعناقيد الدهشة وأعذاق الأشتهاء , يحضر الشعر حيثما يحضر هذا الشاعر ويهطل غزيرا حيث يحط رحال كلماته , شعر يمتلك من صفات النقاء والقبول ما لا يمتلكه شعر آخر , حيث التئم شمل جمهور المثقفين مساء الثلاثاء الماضي بدار حسن الفقيه حسن للإنصات إلى ما تفضل به الشاعر الذي أخذنا في رحلة شعرية باذخة اقترح علينا خلالها توليفة من أجمل قصائده التي تراوحت ما بين القصيرة والومضة أو الشذرة والمتوسطة والطويلة نسبياً , وقبل القراءة نوّهَ الشاعر إلى ان ما سيقرأه من شعر يتوزع زمنياً على مساحة العشر سنوات الأخيرة .

    إشارة البدء كانت مع الشاعر رامز النويصري الذي أدار الأمسية وقدم الشاعر بكلمة مقتضبة , ولأن رامز في الأصل شاعر والنشاط يتعلق بالشعر كان لابد من أن يتخلل المقدمة الشعر حيث مزج النويصري كلامه بمقاطع من قصائد الشاعر الضيف لتكون النتيجة قصيدة ثالثة طفيفة .
قرأ النويصري إثر هذا شيئا من سيرة الشاعر الأدبية والشعرية واستعرض في عجالة بعضا من مؤلفاته الشعرية والنثرية ولم ينسى مخطوطات الشاعر وما يعمل على إنجازه في هذا الوقت من أعمال روائية نتمنى لها أن ترى النور قريبا , والشاعر في نظري غني عن التعريف وكل من حضر الأمسية كما أتصور على احتكاك بشعره وبدرجات متفاوتة حيث اكتظت القاعة بالحضور الذي ترك كل أشغاله والتزاماته ذاك المساء البارد وجاء لينعم ببعض الدفء والشعر , ومثلما حضر الشعر صافياً نقياً حضرت الموسيقى في المكان عبر توقيعات الفنان بشير الغريب على آلة العود بنغماته التي تجولت ما بين التراث والمعاصرة وعملت كخلفية هادئة للإلقاء وسدّت كل الفراغات ما بين النصوص المقروءة .

    " الألف " هو عنوان أول القصائد التي قرأها الشاعر والتي يقول في مطلعها :-
أيها الألف شكراً
يا معلمي ويا معلم طفلي
كيف شطرت الباء بسيف لا يُرى .
ثم أنتقل الشاعر إلى قراءة قصيدته الثانية بعنوان ثكنات التي وردت في الديوان الصادر مؤخرا عن موقع بلد الطيوب ويحمل ذات الأسم .
حيث لا شيء يصمد طويلا في الحرب
نتشبث بالموسيقى , تلك الرفيعة .
هي قصيدة قصيرة افتتح بها الشاعر حزمة من الومضات الشعرية التي لاقت استحسان المستمعين وجعلت الأكُف تسارع إلى التصفيق بعد كل ومضة , لاكتنازها بالشعر ولانطوائها على حمولة عالية من الدهشة والإقناع والإمتاع .

    وهنا يصل الشاعر وفي حضور جمهور متعطش للشعر إلى قصيدة " كانتزارو " التي قرأها بإلقاءه المتئد والهادئ , وحتى يكون المُنصت على بينة من أمره أوضح الشاعر أن كانتزارو هي بلدة صغيرة تقع في جنوب إيطاليا , ولأن الأقدار ألقت به هناك ذات رحلة وكعادته الشاعر لا يكتفي بالمُفترض والمُتخيل ليكتب الشعر بل يذهب مباشرة إلى الواقعي والمحسوس الذي يراه ويحسه ويستقبله بحواسه لينتزع من بين أنيابه الشعر المصفى ويحيله من كونه مجرد حدث عابر ومألوف إلى مدهش وباعث على الشعر , وهذا تقريبا ما حدث في هذه القصيدة التي تحتفي بالعادي والمتكرر ولا ترضى له أن يظل عادياً وخارج الشعر .

كانتزارو
شمس تعيد اكتشاف وقودها
مطر ملول يقصف الضوء
حافلات حمراء وصفراء تتسكع طيلة النهار
من جيليانو إلى جرمانتيو
تزدحم بالمسنين والفتيات الولوعات بالآيس كريم .


    وهكذا يستمر الشاعر في رصد نبض الحياة في هذه البلدة الهادئة ورغم أن ما يرصده متكرر ونكاد نعثر عليه في أية بلدة أو قرية أخرى في العالم إلا أنه يصير شعرا وأدبا قابل للتذوق حين يلمسه الشاعر بقلمه , يصير باعثا على الذهول والفضول هذا الذي يسرده ببساطة فادح كما لو أنه أدب رحلة حتى أننا كمستمعين نتمنى أن نكون جزءً من هذا المناخ الذي يلتقط تفاصيله الشاعر ويعيد ترتيبه في قصيدته هكذا ببداهة فائقة وببساطة آسرة .
كانتزارو
جسور من الإسمنت والحكمة تربط ما تشظى
في جغرافيا الحرير وخرافات البحر
في كل خاصرة جبل , جسر فاغر يحملك
إلى جسر ينتظر قدوم عاشقين .
هذه هي كانتزارو البلدة الإيطالية الهادئة التي تعج بالمهاجرين :-


كانتزارو
هضاب خضراء تعيش وحيدة
وشوارع ذات بلاط نظيف , هي أقل كآبة في عيون المهاجرين .
ويختتم الشاعر قصيدته بهذا المقطع الجميل :-
في الثامنة مساء تقفل " الشنترا " أبوابها العتيقة
وتنسحب الضوضاء من ميدان الجندي المجهول
في التاسعة لا يوجد شيء للبيع سوى البيتزا والكحول والسجائر .


    " أنا عبد الكاتب " هي القصيدة التالية التي ألقاها الشاعر مفتاح العمّاري على مسامعنا ومن أجواءها :-
أنا عبد الكاتب
لا الكاتب
هجرتني الأسماء
وأضحت لغتي تعتعة مجاز
يشبه نشاز هذا المتن السكران
أنا عبد الكاتب
الكلام الذي يهجرني أهمله ردحاً
حتى يعود إلىَّ أقل , فأقل
ما يهجرني أضعه على رف بين بكاءين ضدين
أمحوه كي لا أذكر شيئا فيه يغويني
أحقنه بسهو ماكر يصعب كشف نباهته .
وهي قصيدة طويلة بعض الشيء كتبها الشاعر عام 2008 وقرأها علينا في الأمسية طازجة كأنها كُتبت بالأمس , ذلك أن الشعر الحقيقي لا يسقط بالتقادم ولا ينال من نصاعته الزمان إذ يظل نضراً وحيويا على الدوام ما ظل هنالك إنسان تضطرم بداخله المشاعر وتتحرك فيه الأحاسيس والعواطف ولنا في تراثنا الشعري العربي خير مثال على بقاء الشعر وتخطيه للأزمان بخفة وبائتلاق .


    كلب ينبح لتقديم النصيحة , هو مفتتح قصيدة أخرى نثرها الشاعر وفيها كدأبه يرصد بمخيلته الواقع ويحول العادي والساكن إلى شعر نابض بالحياة والدهشة كما لو أنه يمتلك عصا سحرية بها يلمس اليابس من الكلام فيغدو ريانا ويانعا وآسراً .


    ومن أجواء قصيدة " نساء النثر " التي ألقاها الشاعر في الأمسية استمعنا إلى :-
كنتُ وحيدا في برد الثكنات أحرس مخازن النار
أحلامي مبعثرة وأوصافي ترتجف
وقميصي الكاكي يرفرف على الأسلاك الشائكة
أحب فقر فخامته
وشقاوة يديه
وأحب سين
أحبها قبل الخسوف وبعد الخسوف
أحب وشمها
يتمزق ورغبتها تنتظر في هذه القصيدة وغيرها
سين التي ليست محض امرأة وكفى
لأنها أكثر من لون يتبختر بين المحطات
وأكثر من حديقة في فستان واحد
أكثر من غابة تتربص في كلمة .

   وهكذا يمضي الشاعر في مديح السيدة سين وفي نثر فضة كلامه هنا وهناك لتلقى أذاناً صاغية وأفئدة مشرئبه وذوائق منتبهة .
أيضا أسمعنا الشاعر قصيدة الشهيد التي يقول في بعضا منها :-
أيها الشهيد
ما الذي يجعل وجهك مضاءً ونحن من طين واحد
كيف يصعد المسك من ذاكرة ثيابك ودمك
كما لو أن قمرا عاشقاً يتجول في حديقة
كيف ونحن من لغة واحدة وأب واحد
بينما الزمان يترك خيالنا حزيناً
لينثر في حقولك نجوما مطمئنة
لماذا وحدك دائماً لست وحدك
فيما العالم من حولك ينتظر خائفاً
أيها الشهيد .

    ومن ديوان " مدونة النثر الليبي " تلى علينا الشاعر الذي يعود متألقاً بعد غياب طويل عن المناشط الثقافية والأدبية مفتتحاً عودته الميمونة بأذن الله بهذه الأمسية الجميلة التي استقطبت المهتمين براهن الشعر الليبي , في آخر تجلياته وفي أحدث تحولاته فالشاعر مفتاح العمَّاري واحداً من ثلة من الشعراء الذين حملوا مبكراً لواء قصيدة النثر وحافظوا على توهجها واستمرارها في ليبيا بالرغم من المعارضة الشديدة التي قوبلت بها أبان ظهورها هنا في ثمانينات القرن المنصرم من قِبل التقليديين الذي اعتبروها قصيدة هجينة وغير أصيلة بالمقارنة مع القصيدة العمودية التي طالما آمنوا بجدواها حتى وإن لم تعد تلبي احتياجات الإنسان المعاصر وقصور إيقاعها على مسايرة ومواكبة الحضارة التي يعيشها العالم اليوم وتأخرها عن نسق العيش السائد الذي يتسم بالسرعة والتجاوز وازدياد الرصيد المعرفي لإنسان هذا العصر .

    " من مدونة النثر الليبي " ديوانه الصادر في السنوات الأخيرة , تلى الشاعر مقاطع من مطولته الشعرية التي اختزل في كلماتها سيرته الذاتية حين كتبها في هيئة نثر رقراق وشاعري إلى أبعد الحدود , حكى في هذه القصيدة عن طفولته وعما احتفظت به ذاكرته من مشاهد وأحداث , حكى عن أبيه ذاك الشرطيّ الذي يروض حصانه الناري براري بنغازي الوعرة وعن أمه التي تُعتق شعرها خارج النوم وتنشر القرنفل بقامة فتية , وعن جده الواثق من صلابة خياله وهو يقود الحكايات إلى مراعيها , ولم ينسى السنيورة مانويلا صاحبة الفيللا وكلبها الأليف تحدث عن أمكنة عديد إلِفها وألِفته ضمّها بين جوانحه كما ضمته من قبل , قصيدة ملحمية ضمّنها حزنه وشعوره بالمرارة لأجل نفسه ولأجل البلاد التي كانت بلاداً .
قبل أن يظهر الطاغية برتبة ضابط صغير على ظهر
دبابة صدئة
قبل أن يدلي ببيانه الأنقلابي عبر إذاعة بنغازي
يومها صدّقنا مكبرات الصوت وهي تضج بأمنياتنا
كان العالم طفلا يلعب بالطين والكلمات والنجوم
قبل أن تجفف الأحلام أربعين سنة على كوانين ماكرة
من دون أن يُسمع صراخها
قبل أن تُحرق الكتب وتُقطع أوصال القصائد
وتُنفى إلى خرافات مجهولة وغابات لا أثر لها .
وهكذا على هذا النسق المرير تستمر القصيدة التي يختلط فيها الخاص بالعام والذاتي بالجمعي ويستمر الشاعر في بث أحزانه وسرد مراراته ورسم غصته لكبيرة متوجها بالحديث لأبنه الصغير حين يقول " أيها الآسر " , كما لو أنهُ يريد أن يضعه في صورة ما حدث دون زيادة أو نقصان , كما لو أن الشاعر يريد أن يقول لأبنه الذي يتمنى له وقتاً طيباً وعمراً مطمئناً يريد أن يسر إليه قائلاً , أنا خلاصة كل هذه المرارات وزبدة هذا الظلم .

هكذا يحيرني سرد الآلام أيها الآسر
عندما يكون العالم خائناً لأدميته
هكذا أو أبشع مما في هذه الخاطرة من ترهات
قبل أثنين وأربعين سنة
حيثُ يتعذر على المخيلة التنعم بهبة السفر والغناء
والحفر على خشب الطمأنينة . .
ليختتم قصيدته ببارقة أمل وضوء يظهر في آخر النفق إذ يقول :-
نعم يا بني كانت لدينا رحى
وأرغفة وكلمات ومرايا نظيفة
كل صورة الحلم أو طائر أو حديقة
ستضيف المزيد من الحطب
حتى لا تذوب ظلالها في عناصر الليل .


    عديدة هي القصائد التي قرأها الشاعر وأثث بها الأمسية بمرافقة أنغام آلة العود قبل أن يدركنا الوقت ليتم الإعلان عن انتهاءها بعد هذه المطولة الشعرية , وبطبيعة الحال نحن ومن خلال هذه المتابعة أشرنا فقط إلى بعض القصائد وليس كلها , وكنا نتمنى أن توثق هذه الأمسية بالصوت والصورة المتحركة حتى تكون متاحة للجميع البعيد والقريب الآن ومستقبلاً , فالعماري وهو الشاعر الإستثنائي لا يحيي أمسية كل يوم وشعر كهذا لا نستطيع أن نستمع إليه كل حين .
*********
ناصر سالم المقرحي
5 – 12 - 2017
 __________  
عن موقع أكسير 
الرابط http://ixiir.com/articles/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/9707/%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1%20%D8%B3%D8%A7%D9%84%D9%85%20%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%AD%D9%8A/%D8%A5%D9%83%D8%B3%D9%8A%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8%D8%A7%D8%A1/%D9%85%D9%86%D8%B4%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA/%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%AD%20%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1.html

الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

مفتاح العماري.. شواهد من ذاكرة الجندي


كتب : عبد السلام الفقهي
لبوابة الوسط 

 من أجواء أمسية الشاعر مفتاح العماري (تصوير: عبد القادر الكانوني)




   استضافت قاعة عبد المنعم بن ناجي بدار حسن الفقيه حسن للفنون، بالمدينة القديمة بطرابلس، الثلاثاء، أمسية الشاعر مفتاح العماري، بمصاحبة الفنان بشير الغريب عازفا على العود.
وحضر الأمسية، التي نظمتها الجمعية الليبيى للآداب والفنون، عدد كبير من الأدباء والصحفيين والمهتمين بشؤون الفكر والإبداع، وفق ما كتب عبد السلام الفقهي.
وأدار الأمسية الكاتب رامز النويصري، وألقى فيها العماري باقة من نصوص مختارة تنوعت بين النثر الخالص والسرد التعبيري وقصائد الومضة، مستهلا جولته بنص «الألف» يقول فيه:

«أيها الألف 
شكرا يا معلمي 
يا معلم طفلي 
كيف تشطر الباء»

    وفي نص «ثكنات» يستعين الشاعر بذاكرته البعيدة لتصوير شواهد من رحلته كجندي، ساردا توابع تلك الرحلة المحنة بمثل ذاته المتمردة في صمت.
"عندما كنت من سكان الثكنات 
ماذا تفعل بكتاب أيها الأحمق  (يعنفك الضابط)* 
هناك فيما الأحلام تحترق ولاتترك رمادا 
فيما الظلال لا وجود لها إلا إذا كنت أعمى» 

    وتمضي همسات صاحب ديوان «ديك الجن الطرابلسي» إلى التحليق في فضاءات الخيال اللعوب كجسر يصلها بشفرة محاكات واقعها المأزوم وتقديمه في مشهد دراماتيكي حزين كما في نص «السفلة»:

"ليس كل الذين* هتفوا هنا 
أحفاد المختار
من تسلقوا شجرة الربيع 
من حملوا البنادق وكوموا الجثث والأيديلوجيات 
من حكموا خيال الشوارع بالرصاص»

   ثم في نص أخر بعنوان «كلب عجوز ينبح لتقديم نصيحة»، يقول:

«كأي يوم مهمل......................  **

حين مكثنا بجوار باب البحر*** 
ست سنوات رحيمة 
دائما نفس الاحترام للضيف 
نعطرالماء والقهوة والمناشف»

   ويقف الشاعر في أمسيته بين الحين والآخر عند بعض النصوص القصيرة والمكثفة، فيما يشبه الومضة كاستراحة أو منصة انطلاقة صوب مدخل شعري آخر :

"لا دخان 
لا ضحك 
لا شيء 
ومع ذلك جارتنا تطبخ».
___________  

مشاهد من أمسية الشاعر مفتاح العماري (تصوير: عبد القادر الكانوني)





___________  
الرابط http://www.alwasat.ly/ar/news/culture/161117/
لا يفوتني أن أشكر محرر الخبر الصديق الناقد والكتب الصحفي عبد السلام الفقهي، والشكر موصولا لبوابة الوسط ، ازاء اهتمامهما بالتغطية الخبرية لهذه الأمسية ، مع خالص التقدير والأمتنان.
* مع ملاحظة أنني فيما يتعلق بالمقتطفات الشعرية صوبت بعض الأخطاء التي يشار اليها بنجمة.
** فقط : الجملة التي في المطلع من قصيدة "كلب عجوز ينبح لتقديم نصيحة"
*** " حين مكثنا بجوار باب البحر...الخ. من قصيدة"الى طرابلس مرة أخرى".

الاثنين، 4 ديسمبر 2017

حياةُ الظلّ



مفتاح العمّاري 







__________  حياةُ الظلّ *




- 1 -
إذا وُصِّف الضوءُ روحا..  قال الظلُّ :  أنا الجسد،

أنا النصفُ الفاتن ، لا وجود من دوني ....

ولا بياض خارج الأسود الذي أنا ،

يتحقّق بي وأعرف به ،

كلانا يبعث الآخر من برزخه  ويخرج من لدنّه .

لا أين له في بعدي  ، ولا في قربه أيني ،

هو بصيرتي وعماي ،  وأنا   له الوطن والمنفى ،

إذا خفّ ،كلانا  يفقد الآخر ،

وإذا ثقل أسبقه على خطف البراهين .

هو سقف من نار وريح ، وأنا  لغتي ماء وطين .

يغيب فيّ إذا حضر ت  ،وفي برقه يشعّ غيابي ،

كلما حلمت بجزيرة أو مدينة أخرى ، يلتفّ عليها .

وكلما أُشعلت  حربا  يستأثر بالغنائم

فأتورط وحدي في  دفن العواصف  وجثث الغيوم

تكمن مسافتي في خيالي؛ بينما لا يرى الأبيض إلا  فراغا يحميه من نفسه.

يولد  من شغف بي،

وأولد منّي حيث لا بياض يحجب صوتي.

بدايتي تعلو،

فيما السقوط جريرته.

تصعد الأشجار من نطفة في الظلام.

أنا حياة الظل  .. رحمه و غلافه.

لا يهبط النور من دون سعتي .

الداخل صوتي والخارج صداي .

أنا سرّة الألوان  ومحيطها ،

 لا مكان خارج  ظلامي،

 ولا مسافة غير سفري ،

 أينما أذهب ، الكائنات تذهب ،

 أنا الأصل ، العناصر أنفاسي وعشبي

 تذوب في نسغي

 وتختلط بي .

- 2 -
    في ما مضى كنت مجرد تابع للشبح الذي يتركني قفي لهاث، أعني المخلوق الضئيل  بمشيته الخائفة من شيء   لن يتحقق إلا  بإعلان  ولائي له ووفائي المنقطع النظير لنسبه . قد تظنونني كلبا كما تعلن زوبعة الذباب التي حطّت  على قفير عسلي ، تلك الريح الموسوسة التي ما تفتأ في كل صراخ عابر إلا  وتمعن في نعتي بهذه الصفة المقيتة . حتى كدت أظنني كلبا ، لكنني - وهذه حقيقة لا تقبل الجدل – أقسم بأنني لست كلبا ولا أشبه الكلاب في شيء . نشأ هذا الخاطر القلق بعد ثلاثين صيفا من عبوري الخارق  لتلك  الصحراء اللاهبة التي كنت فيما مضى حزينا ،أقف عندها بهياج وحيرة . أما قبل قليل -وهنا أشير بإنصاف إلى أيام خنوعي وذلّي - كنت مستسلما لمشيئة عبوديتي،  دونما إضمار أو ترميز  معبرا في الوقت نفسه عن ولائي لولادات باهرة ما فتئت تكمّلني  ، مدينا للصدف الصلبة ، لحكاية مشرّدة ، لامرأة ما في  مدينتكم ، والتي في ما بعد هي مدينتي أيضا ، ملمحا  إلى  رفقة غامضة   ما برحت تأسرني بمعجزتها ، تعيد تكويني وتخرّط صبابتي  بعد لأي ومتاه ،كأني أشهد إعادة خلقي  وأبعث من عدم ،  طالعا من جديد .. من بضعة حروف شاردة  لملمتها بلهفة من رماد الفاقة . أنا فقط أشبه  سحنة قدري المظلم الذي كابدت عشق بداوته وجماله   ، أقولها بثقة صلبة بعد أن  تنصّلت من تبعية صاحبي متمردا على سلطة جسده ،  طليقا أجوب الجهات وحدي ، ولم أحمل معي من ذكريات غريمي  سوى  أحدى أسمائه المهملة ، أعني اسمه المنسي الذي  لم يعد ينادى به ، وهو ذات الاسم  الموثّق في سجلات النفوس ،لأغدو أول ظلّ ضليل يحمل اسما آدميا صريحا . حدث ذلك في صيف يبعد  بحجم أسطورة أو متاه ، سلخ عمري وقتها عشرين سنة شمسية. لأن صاحبي قد تواطأ مع جموح الجندي وانغمس كلية في ترهات الثكنات التي كنت أمقتها ، لذا عزمت على الهرب مكتفيا بشغف الرائي .. فأنا كما يقال في عبارات الغزل قد أحببت الشعر من أول نظرة ، أغرمت  به ، كما لو أنه معشوقتي ،  فأصبح  شاغلي الوحيد الذي أكرّس له رئتي وكل ما ادخرت  من خيال  . لهذا  أظهرت تمردي بعناد على من كان سيدي وجلادي ومولاي ، أي على نصفي الآخر الذي بهيئة ألوان مهملة تعربد في فراغ العالم ،   غير نادم  حين غدوت طليقا أعبر عن حواسي دونما حاجة لأن أكون خاضعا لنزوات جسده  ،أو جسدي  ، فيما ظل هو شديد التبرم من مواهبي ، ساخطا ومبغضا يعلن دون مواربة  أو حياء عن  حسده ومقته لي ، مستاء إلى حدّ التقزّز كما يقول من عاداتي الغريبة ومزاجي المتقلّب واصفا أياي  بالشاعر التافه ، وأن ما أهذي به أو أسمّيه خلقا شعريا بارعا ، هو محض ترهات قصائد ركيكة، لا تعدو عن كونها مجرد عناوين متذاكية تتوهم  أن لغوها السمج سيهبها موقعا بين معلّقات القصائد .. وهكذا انبرى غريمي  ذات مساء وهو يلمّع بمهارة حذاءه الأسود الثقيل، يكلمني في تهكّم دونما هوادة  ناعتا إياي بالدعيّ الأرعن ، وأنني تبعا لوصفه الحقود لست سوى كلب مخبول ، بل محض ذيل هزيل يتبختر بزهو مغرور ، صارخا بتهكم فج : كأنك تحسب نفسك بأنك أنت  لا أحد سواك من خلق الكون في ستة أيام؟ . لا شكّ ، قد جرحني هذا السيل من الشتائم ،  والنعوت المخلةّ بما تمليه العشرة من عبارات التهذيب ، وتألمت ليلتها  كثيرا ، ولم أنم .. شربت ما لا يحصى من فناجين القهوة وأحرقت علبتين من السجائر الرديئة . وبكيت وحدي ، بكيت كما لم يبك أي ظل من قبل . وهكذا قررت ليلتها  المصير الذي ينقذ ما تبقّى من حياتي القصيرة ، لأعيش حرا طليقا بعيدا عن شرور شريكي وأطماعه وبغضه . أظن أيها القارئ الذي آزرته الصدفة لتصفّح هذه الترهات ،  بأنني عبر هذه التوطئة أكون  قد كشفت نقابا  عن خلل رافق ميلادي  ونشأتي ، و حاولت توظيف ما استطعت من عناصر مهملة قد تسهم في إزاحة النقاب عن ما غمض من سيرة لوني ، مستهدفا  إبراز هويتي للذي يودّ  معرفة طبائع الظلال وأصولها وأنسابها ، ولكي أكون صادقا معك ، ومع نفسي ،قد  تعمّدت هنا استدراج المفردات الأكثر  سلاسة وليونة ووضوحا لخدمة العبارات التي تمليها اللحظة علي ، حيث يلزمني هنا ضرورة الإشارة مرة أخرى  إلى فضل العناصر التي تتضافر في تشكيل خاماتي كمخلوق عبقري ، والتي  هي دونما ريب  من لدن  الظلمة المباركة التي أحمل نسغها أينما ذهبت بعد أن تكوّنت في رحمها وتشكّلت من عذوبة قتامتها حتى صرت أنا كما أنا ، ظلا مباركا لا أتبع أحدا سوى نفسي  . ولدت ونشأت ظلا ، وسأبقى حيث ما وطأت أطياف مشيئتي ، ظلا وكائن ظل ، لا تقف ضآلتي الظاهرة حائلا بيني وبين رسم ملامح الأشياء ، فلا يخدعنكم مظهري الحقير ،ولا قامتي الخجول ، ولا انزوائي وعزلتي وكموني خلف الأجسام . لأنكم بذلك ستغفلون عن أعز شيء  يحقّق وجودكم ، وتخسرون أنفسكم أيها التبّع حين تغفلون  جوهر حقيقتكم بجريرة جهلكم لنسبي . وسوف تندمون يوما لأنكم لم ترونني كما ينبغي . وتكتشفون بعد فوات الأوان بأنكم كنتم مصابين بعمى البصيرة . هكذا تركت صاحبي بلا ظل . تركته عربيدا وشرسا ، وربما يائسا من حياته الفارغة .. يتخبّط  غالبا بين براثن نبذه ، ضحية أوهام  غريبة كالهجرة  أو الانتحار  ، لا هم له سوى السكر والعربدة ومطاردة الأهواء الخسيسة . جارا على نفسه المهالك التي تقوده في معظم الأوقات إلى الامتثال لعقوبة الحبس في سجون الثكنات العسكرية . ليغدو محض رقم تافه في قائمة المحقرين الذين لا شغف لهم سوى الصخب الغبي ، لتمضي أوقاتهم مملة ورتيبة وبائسة لا دفء يغذي برودة نخاعها . هربت فارا بما تبقّى لي  من توق جميل كظلّ لا يتعثر أبدا ، وكشاعر  يهزّ الوجدان ، منضّدا الكلمات التي تتسع لإيواء البهاء  المقدس . ورغم ذلك ظل اسمي  الذي قدّر لي رغما عني التلبية  كلما نوديت به ، يحمل  مفارقة طريفة ،لأنه لا يدلّ علي .. كيف أكون ظلاما صريحا واسمي عبد النور ، وهذا يزعجني في البيت ، وفي المقهى ،  وفي همس حبيبتي ورسائلها القصيرة ..  أنا عبد النور ، في الليل والنهار ،في السلم والحرب .. وفي نومي ويقظتي   يجثم  هذا الاسم النكرة على أنفاسي ، هذا الاسم الذي ليس لي ،ولا يشبه سوادي في شيء ، بل هو نقيض لوني ، فكيف أخضع لصلابته  وأكون أسير ندائه حين يسقط من عل فأقف مذعورا مثل لص متلبس . كأني أحمل ورما يقتلع صورتي من ذاكرة  الجدران والغرف  والقصائد التي أرسمها على فم ملهمتي  ، وهي تهمس : يا جبل ما يهزك  ريح . ثلاثون سفرا والصيف صيفا لا غير وأنا يطاردني  قريني من قصيدة إلى أخرى ، فأهرب خارج أسواره ، مدركا  الحقيقة المرة التي كان علي منذ البدء التوقف عندها .. لأن هروبي بقدر ما كان محرّضا على إيقاظ الحواس النائمة  وخلخلة العواطف وتفخيخ  الغوايات  ، قد جعلني في الوقت عينه نصف كائن مخبول يتمزّق دونما هوادة بين ذاكرتين  ومدينتين وخيالين وامرأتين وقصيدتين ..  حتى أنني لم أعد موقنا : هل أنا قامة الرائي ،  أم  ظلّ الجندي .

- 3 -
أجملً ما في هذه القصيدة ، أسوأُ ما فيها .
أسوأُ ما في هذه القصيدة  أن أموت
وأنا أحبّك  ......
أجمل ما في هذه القصيدة  ،
قدرتها على السفر والضحك والنوم والصمت والرقص والبكاء
أجمل ما في هذه القصيدة أيضا ،
 القصيدة التي لم أكتبها بعد ،
أسوأ ما فيها
يشير إلى خراب جسدي
وطفولتي الغافلة
 أجمل ما في هذه القصيدة
تهافت الغاويات ،
 وإصغاء سدنتها المخلصين
وهذا الزعل الحميم الذي يلمع في عينيك ،
 وهوسي بك ،
 و............ أجمل ما فيها أيضا
ما يتخفّى من خيال صاخب خلف الكلمات ...
كذلك السرير وما يختزنه من روائح وأحلام
 وعناوين وبقع حارة
لكن الأسوأ ....
أن كل هذه الأوطان التي رفعنا أعلامها وبنادقها
 ورسمنا خرائطها في أحلامنا ودفاترنا
بكل ما فيها من هتاف وأناشيد وصحف ومستشفيات وعناوين وبحار
وأفران وأمنيات  وحدائق ...................
 لا تتسع لإيواء قصيدة واحدة  أحبك فيها .

- 4 -
الذي الآن طرقة ريح
صدى الباب الذي قبل قليل كان  بابي
الأصابع الباردة أمست بعد فطنتها في الليل تسهو
 لتختفي فجأة مفاتيح بابي .
لذا لن يحيطك يا مولاتي بعد هذه القصيدة ظلّ 
ولن يملؤك غياب ......
 سوى غيابي.

-            5 –
-             
لا بأس ... قال الظل :
إكراما للعيد ،أترك الآن هذه القصيدة التي ريثما أغادر سريري

سأكتب قصيدة أجمل منها .
___ 
من نصوص كتاب:" حياة الظل " منشورات وزارة الثقافة والمجتمع المدني
يناير 2013 . كما سبق أن نشرت محتويات الكتاب في صحيفة الشمس الثقافي ما بين سنتي 2009 : 2010.

أمسية شعرية بدار حسن الفقيه حسن


الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

نساء الصدف



مفتاح العماري

من أعمال الفنان التشكيلي : علي العباني


نساءُ الصدف


          كما لو أن الأيام قبض ريح ، وأنا الجندي ضرب من خزانة غبن ، هالك بين فردتي رحى الطاعة والعصيان؛ وبين ثواب وعقاب ، هكذا تشردت لغتي . فما  من عناوين هنا  أو علامات أتبعها؛ لكي أصف كيف كنت أنام وأصحو لأمشي عبر مسارب متاهتي ضاربا بقدمي أعمى معاجم صلدة من سرير المعدن إلى ساحة الأسمنت ، امتثل ردحا للجمع الصباحي مدمجا في طوابير وصفوف بلهاء. لكن ما أن يستيقظ شيطاني حتى أعود لتمردي وعصياني فأعاقب ، ثم أعيد الكرة تلو الكرة ، حتى أمست  سجون الثكنات أكثر راحة وألفة من عنبر سريتي حيث سريري المعدني، وأغطيتي وثيابي التي دائما تُسرق مع كل نوبة سجن. لم يعد لدي ما أتدثره  غير مخيلتي السادرة في ملكوت نعيمها الافتراضي،  وبطانية وحيدة رثة أتصالح مع نتانة أنفاسها وأتأبطها في غدو  ورواح  بين حبس وعنبر ، وبذلة شغل تهرأت أكمامها وفقدت لونها وتقطعت  أزرارها .
      الأيام تجري والعالم من حولي يتغير وأنا لا أملك من متاع هذه الفانية غير ضجيج أوهامي. تركتْ الكآبة حفرا وتضاريس غائرة  على خارطة وجهي وملامح صوتي، ندوبا وبثورا وتجاعيد  حطّت مبكرة. فكبرت قبل أواني ، وأمسيت كهلا في العشرين من عمري، كهلا خائبا وخاسرا، أينما وطأت تتربصني معامع وخطوب . بعد أن  تركني من تركني هكذا أتدبّر أمري دون أمر . ولا احد  يصغي إلي ؛ لأفضي قليلا بحيرتي وتلبكي . أهملني ذويّ والقوا بي في هذا المكبّ  تتقاذفني الصدف العشواء . فتشظّت مطارحي وتقطعت أوصال سبلي، لكأن تاريخي  محض صور ممزقة، يتعين علي وحدي أن ألملم تفاصيلها لربما ألمح شارة عطوفة تدلّني عليّ .

      لكنني لا أجد شيئا غير أطياف باهتة لنساء الصدف . اسنفرها بعصارة حنيني لتحتفظ بقداسة دفئها  . أرسم  "سلطانة"،  قافلة الرحمة التي انتشلت سيدنا يوسف من قعر الجب ، حاضنة ما تبقّى من طفولتي المهدورة على صفيح الفاقة ، الحنونة والعابثة واللاهية والمرحة .  سلطانة زوجة الشرطي الطيب ، وأم المشرّد  ، الوحيدة التي عناوين العاب وأسماء عائلة كريمة  وحقيبة متع  وفراش نظيف .  وسادتي التي مازال عطرها خالدا يجوب شوارع اللغات كلما استبدت براثن الفقد بخرائب روحي .  سلطانة أختي في كتاب الهبات الرحيمة ، البدوية الصغيرة بفمها المحلول لعبور العسل ، وصدرها الراضخ دون منّة للجوء النازح من تغوّل الأقربين ، وضراوة الرحم .


  ثم أفرد البياض شهوة كثيفة ،لأرسم  بألوان حارة وجه السنيورا " مانويلا " ثغرا باسما كرحلة إنعاش . هي محطة فردوس تستضيف  وافدا من سكان جهنّم .

السنيورا مانويلا :  طمأنينة أصابع تتخلل بنشوة ناعمة عاما من الصبا . ملاذ عابر لقارات الحلم  . استراحة محارب أثخنته ضراوة الغدر . فندق  من أوقاف الجنة تخدمه الملائكة . هيئة محلفين كرست رسالتها لإنقاذ البراءة من سطوة دساتير الغاب .

امرأتان كلتاهما ضفة نعيم ، الأولى  واحة ظل، والأخرى جزيرة نبيذ.
نساء الصدف ، هذا ما تبقى  من نسيج الأيام تلك، فقط لصناعة حكاية.

الأحد، 26 نوفمبر 2017

سيكلما .. ما بعثَرَته السياسة جمَعه الشعرُ


يوسف عفط   




       سيكلما..  ما بعثرته السياسة 
جمعه الشعر

مع د.طاهر بن طاهر،د.عبدالله مليطان،والشاعرة : سميرة البوزيدي

لازال للشعر مكان على هذه الأرض التي أرهقتها الصراعات وقضّت مضجعها الأزمات، وما تبعثره الحروب تجمعه الحياة في قصيدة واحدة.
    في مصراتة، لا تضرب “سيكلما” أكثر من عصفور بحجر واحد، بل تجمع أكثر من فراشة في فضاء واحد، وأكثر من زهرة في حقل واحد..
    إنه الأدب، مرادف الحياة ومُجسّد الإنسانية بكل تجلياتها، وقد اختارت “سيكلما” أن تكون الدورة الثانية في مصراتة، وباسم قامة الشعر السامقة “ديك الجن الطرابلسي” مفتاح العمّاري..
    فبرعاية رسمية من الشركة الليبية للحديد والصلب، وإعلامية من دانة للإشهار، احتفلت مؤسسة سيكلما للثقافة والفنون مساء الجمعة الماضي بسنويتها الثانية.
    بدأ الحفل بكلمة “سيكلما” التي ألقاها رئيس مجلس إدارتها الشاعر “يوسف عفط”، ثم كلمة شركة الحديد والصلب التي ألقاها رئيس مجلس إدارتها “محمد عبدالملك الفقيه".
وقُدّمت ورقة نقدية عن المحتفى به الشاعر مفتاح العماري بقلم الناقد محمد بن حسين، ألقاها الشاعر سيف الدين الهمامي، وكان ختام الحفل بإعلان النتائج وتكريم الرعاة وضيف الشرف ولجنتي التحكيم والمشاركين في المسابقة.
أما نتائج المسابقة فكانت كالتالي:
أولا: في مجال الشعر، لجنة التحكيم ضمّت الشاعرة سميرة البوزيدي، الناقد محمد بن حسين، الشاعر نوري القائد.
وفاز بالترتيب الأول الشاعر سراج الدين الورفلي عن نصه “ثلاثية الثلاثينية”، وفاز بالترتيب الثاني الشاعر أحمد الفاخري عن نصه “مواويل للراحلين”، وفازت بالترتيب الثالث الشاعرة الزهراء البقار عن نصها “شهقة اللحظة.”.
ثانيا: في مجال القصة القصيرة، وضمّت لجنة التحكيم القصّاص حسام الدين الثني، والقصّاص علي الجعكي، والناقد عبدالحكيم المالكي، وفاز بالترتيب الأول القصّاص مصطفى اللافي عن نصه “المحامي”، وفاز بالترتيب الثاني القصّاص إسماعيل القايدي عن نصه “قرنا كبش أبيض”، وفاز بالترتيب الثالث القصّاص محمد العياط عن نصه “أنا مجدولين.”.
   وقد جاءت المشاركات من ثمان مدن ليبية تقريبا، من الجنوب والشرق والغرب، وأشادت اللجنتان بكل النصوص المشاركة، ليترك الأدب لمسته الجميلة مقاوما القبح الذي يحاول أن يحتل المشهد الليبي العام، وفارضا الأمل الذي يخنقه الواقع الموجع. 

__________________________________   


عن صفحة قناة 218 الرابط 

https://www.218tv.net/%D8%B3%D9%8A%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A7-%D9%85%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AB%D9%8E%D8%B1%D9%8E%D8%AA%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%AC%D9%85%D9%8E%D8%B9%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B4/