وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الاثنين، 6 مارس 2017

اختنق بمرح لتتنفس وردة في خيالك

مفتاح العمّاري

فتاة ليبية  .  وليام كلارك ( 1857- 1930 )



اختنق بمرح لتتنفس وردة في خيالك

(1)
سأفتعل زحمة سير
 لتظلّ شرفتُكِ فوق الشبهات
حيث السابلة أكثر تورطا
وقد تشتتوا بين أزمة المحروقات والطحين ،
الضوضاء  دأبهم .
حيث لا أحد سيلتفت لامرأة مشغولة بتسريح أحلامها .

(2)
سأفترض حروبا باردة ، 
وأختنق بمرح لتتنفس  ورد ة  في خيالك .
سأنتظر عيد ميلادك ،
 لكي أكتب وصيتي الأخيرة
لترتبك الإشارات
 وتتوه اللغاتُ عبر طوفان آخر
وينسى الأسرى عناوين قهرهم .

(3)
سأبتكر  لعبة جديدة لنوم  الكواكب
لتظل السماء رهن ألوانك المرحة
والنجوم  تترنح سكرانة عبر شوارعكِ الفتية
حيث حراسُ الحدائق لا عمل لهم
 سوى اقتفاء شبهة عطرك .

(4)
سأفترض ريحا نهمة
 لكي أحملك إلى خرائط مجهولة لم تكتشف
إلى وطن أهملته الأسماءُ
لتظل ضحكتك وحدها ، دليلَ هروبنا .
_____  
*من قصائد المجموعة الشعرية ( مدونة النثر الليبي )

وسادة الرَّاعي : أيها الألف

وسادة الرَّاعي : أيها الألف: مفتاح العمّاري   أيها الألف ..  (1) أيُّها الألف يا معلّمي   ....... يا معلّم طفلي كيف تُشطر الباءُ بسي...

السبت، 4 مارس 2017

6 قصائد

مفتاح العمّاري 





1
كبرتُ بعيداً عن أبي
كحمار صبور
أحمل أوزار العائلة .

2
الألم الكافر الذي
لا يكفّ عن ملاحقتي .
هذا أنا .

3
على الرغم من هذه الفوضى التي أحدثها السرطان  
لا زلت أجلب الخبز والزيت والحكايات ،
وأحمل أكثر من  شجرة على كتفي .

4
حين أستسلم للنوم وحدي
وأصمت منزويا في ركن معتم
لا أدّعي الأسى .
حين ألمّح إلى الصداع وغثيان الكيماوي
لا أعني المرض .
وحين أعيد قراءة رسائل قديمة  
لا أعني الحنين في شيء .
وحين أبكي الذين رحلوا .
لا أقصد الموتى .

5
يا للغباء 
تجمعنا الحرب
لكي نفترق .

6
تماما كقرية مهجورة
هذه القصيدة   
لا أحد يوقد ناراً .

¨          

أشياء


مفتاح العمّاري



_____________ أشياء




صمت

هذه الليلة
صمتٌ يتكسر
يُصغي لمطر  وريح
**

وحشة

منذ سبع سنوات
لم اسأل : من الطارق .
هكذا عناويني تذبل .
**

أشياء

في بركة ماء
طفلٌ يحرس ضفادع نشيطة
وأشياء لا ترى
**

سماء

في السماء لا اثر للبحر
الغيوم  تسبح
و الزرازير  تبدو  سعيدة .
**

برتقالة

برتقالةٌ  وحيدة
على صحن قيشاني بارد ،
جمالٌ مهمل
**

حديقة

صبي يركل كرة
تاركاً الشمس تغرب خلف ظهره .
قميصه المشجر ،
حديقة تركض في مرح .
¨    





الخميس، 2 مارس 2017

سكان الريح

مفتاح العمّاري





أغبطُ سكان الريح
الذين لا يملكون أقفالا

أو بضعة دراهم تكفي ليوم آخر .
بلا عناوين حتى ،  
أينما تعبوا ، ناموا .
لا أبواب لهم أو وسائد .

لا كتب ثرثارة
ولا ورثة يتشاجرون .

لا شيء . 

السبت، 18 فبراير 2017

يوميات ظلّ (2)


  
مفتاح العمّاري


تنظيم الألم


     ليس الوقت وحده ما أحتاجه لكي أكتب ، بل الخلوة المتسامحة . فها قد تخطيت  الستين من عمري وما من منجز يمكنه أن يرضي بعضا من طموح لطالما راودني خلال سنيّ الخائبة ، والتي انسلخت هدرا دونما أثر خليق بالإشادة والاحتفاء . استيقظت اليوم صبيحة الجمعة السابع عشر من فبراير وأنا أشد تقريعا وتعنيفا لنفسي ، ولو لم تكن إشارة خبل لصفعت وجهي حتى يدمى . فلشد ما أنا مخذول ومحبط إلى حد كرهت فيه النظر إلى سحنتي الجافة وقد وسمها شيب وأسى غائر وتجاعيد . وكنت واهنا ومعذبا وأنا أغادر الحمّام ومرآته ، أتذكر  نتفا من حياتي الماضية ، والتي أبداً لمْ تكن في ما مضى هنيئة أو آمنة . ولكم أستغرب الآن كيف صمدت إلى أن عايشت هذه الأيام العصيبة التي اجتاحت البلاد بقضها وقضيضها .         

    ولكن هل أسمي بقائي صمودا ؟ الصمود هو أن تنتصر أخيراً وتتحقق . أمّا البقاء كالميت الحيّ لا يشكل وزنا أو قيمة . وعلى الرغم من ذلك فأنني أحيانا أشعر كما لو أن المرض وحده من يبقيني على قيد الحياة  . فطيلة السنوات العشر التي مضت انحصرت مكابدتي في معالجة الألم ، حتى تبرمجت أيامي على نحو ما ضمن تأثير هذا الإيقاع . لأن المرض المزمن ما يلبث بعد المعايشة الطويلة  أن يتحوّل الى علاقة يومية لها عاداتها ولغتها   ، كان عليّ وحدي التفكير في إعادة تدويرها لتكون سببا أساسيا للتحقق عبره . كما لو أنها مرادف آخر للمعرفة . ولكي أستمر في الكتابة عليّ أولا : تفهّم المرض وإنصافه ، وبعدها يمكنني تدبير مسألتي الخلوة المتسامحة وتنظيم دورات الألم  على نحو أكثر تلطّفاًً وجدوى . 

الأحد، 12 فبراير 2017

شكرا أفلاطون

مفتاح العمّاري



__________  شكراً أفلاطون


عندما طردني أفلاطون خارج السور ،
تحررت من جحيم  اليوتوبيا ،
تلك التي تلطخ التاريخ بالأكاذيب 
وترهنُ سرّتها لعبث الفلاسفة
**
لهذا أنا سعيد حين أركض إلى أقصى حدّ
لا أملك متاعا سوى الخيال
وما يتبعني من كتب ورياح .  
شكرا تلميذ سقراط
كان محض حدس
أن أستعير مشية القمر شابا ، لأكتب :
 أفلاطون أحمق ،
والتاريخ مزيف ،
والسماء فكرة جيدة لثرثرة الغيب ،
وأنا أخيراً هذه القافلة  .
¨     


الخميس، 19 يناير 2017

ثيابي شاحبة ومزاجي سيء

مفتاح العمّاري



كلما عبرت صالة البيت ونظرت إلى المرايا بغباء
قفزت شيخوختي كخطأ لم أرتكبه
وازدادت ثيابي شحوبا ، والأغصان كما لو أنها تذبل
حيث لا نهاية لوجهي .
عيناي تائهتان بعيدا خلف عدستين متسختين
لا أرى سوى ظل أحمق لعجوز مشوش ونحيف يدخن بشراهة  
مثل قرد بائس  ، نفرته غابة جاحدة .
له مؤخرة عارية وقولون مثقوب
أحيانا ثمة طفل يعبث بلحيتي
حيث لم يعد الركض متاحا
كان علي أن أستسلم
فأحيانا أنا جندي مهزوم في صحراء تحترق .  
وأحيانا أخرى أنا حطاب متعب
فأسي لا تطاوعني على قطع الذكريات
تلك الهرمة ، والحزينة والميتة  
والتي  تترك أثرا كغيمة تتبول في الفراش .
أحيانا أحمل خسائري إلى السرير  
اقلب بارتياب أكداسا من الكلمات الوعرة
اقتلعها من مستقبل هشّ
وابني جداول ناعمة
أعرضها على شمس نشيطة  
لعل مشردا يجد فيها ظلا 
لعله يلتقي بأم أو حبيبة
افعل ذلك كل وقت  
حتى وأنا أمشي من البيت إلى الفرن 
هكذا لاشيء  
فقط أعبر الطريق خاليا من العناوين
كما لو أن أصدقائي انقرضوا فجأة
 كمن يتوق لأن يتوقف كل شيء
قبل أن تصفعني شتيمة بذيئة من سائق تاكسي مسرع .
الفرن مقفل .
والكهرباء مقطوعة في طرابلس .
والمياه لاتصل .
وأنا مكفهر ،
غالبا ، أنا مكفهر وعصبي .
وفي هذه الليلة ثيابي شاحبة ،
ومزاجي سيء .

لدي كل ما يكفي للنوم بعيداً في الظلام .
___ 
طرابلس 
يناير 2017

فرانكشتاين الربيع الليبي

مفتاح العمّاري



     لأن الحرب الدائرة هنا - أعني في ليبيا - مازالت تفرض جنونا يتعاظم ، وينتشر بقوة ، إلى الحد الذي بات فيه من المتعذّر التكهّن متى ستنتهي الحرب ، وما ستضيفه من كوارث، سوف لن تقتصر على القتل وتخريب العمران وخلق الأزمات المعيشية ، بل ستعمل على المزيد من الهدم للنفس البشرية من الداخل ، لتخلّف اضطرابات سلوكية وتشوهات أخلاقية تصعب معالجتها في زمن قصير . ولاسيما حين يتعلق الأمر بالأطفال كضحايا .

    لكن كيف سنقرأ هذا الصنف من العنف المركّب ، حين يكون الأطفال هدفا مبرمجا يدخل ضمن أجندات تحويلهم إلى مستوعب متفجرات وأحزمة ناسفة . حين ينقلب  البشر أنفسهم على آدميتهم ويخونون قيمهم ، ليمسوا مشتلا خصبا  للشذوذ والتطرف ومن ثم التغول ، الذي يستمدّ قوته من استخدام مقولات ظلامية أجثثت من ماض سحيق ، فضلا عن امتلاك السلاح والاستحواذ على السلطة ومقدرات الناس ، والتدخل في عباداتهم وتعليمهم ، وممارسة الوصاية على سلوكهم وعاداتهم الاجتماعية . وهكذا ستتفشى ظواهر العنف تبعا للغلبة ، وردات الفعل من العنف المضاد للمغلوبين . متوالية تتفاقم وتيرة جنونها في كرّ وفر ، وغالب ومغلوب .          

     في هكذا معقل للتوحش ، ستظلّ الطفولة  وحدها  كفئة هشة ، الأكثر عرضة لمثالب العنف ولاسيما على المستوى النفسي والتربوي . عندها لا مناص من الاعتراف بمقولة المفكر هوبز " الإنسان ذئب لأخيه الإنسان "  .  وهذا ما حدث ويحدث في ليبيا ، وبصفتي كمواطن ليبي ، لشد ما تؤلمني مشاهد التفسخ ، تلك التي  تجبر جزءا من أطفالنا ، أن يتخلوا عن طفولتهم ، ليتحولوا إلى كائنات مخيفة بهيئة فرانكشتاين بريء ، يتجول وسط مخلّفات ربيع خائب .

     في رواية ( الدفتر الكبير )  للكاتبة الفرنسية من - أصل مجري - : أغوتا كريستوف ، يتحول الأطفال تحت ضغوط الحرب إلى قتلة . حيث لن يتورع طفلان توأم ، لم يبلغا سن المراهقة بعد ، عن ارتكاب أبشع الجرائم ، ليمسيا محض وحشين صغيرين . لأن أول شيء يمكن للحرب أن تفعله ، هو انتهاكها للبراءة ، لحظة أن تعيد تدوير العنف كنوع من أنواع اللعب . فبعد سلسلة من الوقائع المروّعة . في النهاية سيقتل الطفلان والدهما ، ليتخذ أحدهما من جسد الأب الميت ، جسر عبور يتقي من خلاله الأسلاك الشائكة المكهربة ، حتى يفلت بجلده وهو يتسلق هاربا إلى الضفة الأخرى ، كمنطقة حدودية آمنة . داخل هذه الفنتازيا الكابوسية، التي صاغتها مخيلة الكاتبة أغوتا كريستوف ، تتجسد ويلات الحرب بصورة أكثر عنفا وقسوة ووحشية ، عندما يقترح السرد ترجمة فظاعة الحرب وفوضاها مجسدة في تحويل البراءة  نفسها ، إلى وحش كاسر ،  من ضحية إلى جاني . حيث تمتسخ الطفولة إلى أداة جريمة ، وآلة مروعة من آلات العنف . والتي لم تكن في البدء غير فسحة لممارسة اللعب  ، لعب بريء يتخلق كمحاكاة لمشاهد العنف  .

    أنه لشيء أكبر من أن يحتمله ضمير الإنسانية . ولكن هذه الوقائع المريعة والصادمة  كانت وما تزال ، تمثل مشهدا طبيعيا هنا ( أعني في ليبيا )، ضمن الظواهر التي تسفر عنها منتجات الاقتتال ، وهستيريا الفوضى . لاسيما وأن المسلحين قد شكلوا ملمحا يوميا ، غزا مراكز معظم مدننا الكبيرة ، ومفاصل أحيائها وضواحيها .  ساعتها ، وبقدر ما انتشرت الألعاب الصينية التي تحاكي مستعملات الحروب من بنادق  ومسدسات وسكاكين وسيوف بلاستيكية ، ومفرقعات نارية ، بوفرة غريبة اجتاحت الأسواق ، لكن الأطفال لم يكتفوا بذلك وحسب ، بل استجابوا لابتكارات مخيلتهم ، في صناعة ألعابهم من مخلفات الاشتباكات في الشوارع ، كالظرف الفارغ ، أو معالجة تلك الأدوات التي يمكن إعادة تصميمها بعد نزعها من عربات عسكرية مدمرة ومحترقة ، تركت لأيام في الساحات والأماكن العامة  .  
   
     الآن ، وبعد انقضاء قرابة  خمس سنوات من عمر الفوضى  ، والحرب المفتوحة . أين يقف أطفال  ليبيا الذين كبروا وتربّوا داخل هذا الأتون  . فلا ريب أن تأثير مشاهد العنف كان ضاريا عليهم ، و فادحا إلى أبعد حدّ .  ولعلّهم بقدر ما كانوا ضحايا لا ذنب لهم سوى وجودهم في بيئة تواطأ حملةُ السلاح فيها مع غواية العنف ، إلاّ أن الأمر الصادم ، والأكثر فاجعة أن بعضهم أي ( الأطفال ) قد تحولوا خلال هذا الحيز المخيف من زمن  الحرب إلى مجرمين ، من فئة اللصوص والقتلة وتجار المخدرات ، وأيضا إلى أدوات عنف من صنف شاذ ، بعد أن نجحت آلة التطرف في استدراج بعضهم  إلى صفوفها ، واستخدامهم  كعبوات ناسفة ، وأجسام مفخخة ، حيث لا يقتضي الأمر سوى العمل على تجفيف عقول الناشئة من الصبيان الذين لم يجتز معظمهم سن الخامسة عشرة ، واصطيادهم من أروقة المساجد والزوايا وخلوات تحفيظ القرآن .

      وهكذا نخلص إلى أن تداعيات العنف في المشهد الليبي ، تجاوزت في خريف 2016  ، كل ما يمكن للعقل تصديقه . لأن مظاهر الظلم ، وانتهاك حقوق  الطفل قد تعددت وتنوعت ، لتدخل في متاهات غامضة لا حصر لها . ففضلا عن تيتم العديد من الأطفال الذين فقدوا إباءهم وأمهاتهم ، عن الذين تشردوا وأمسوا بلا مأوى كنازحين داخل وطنهم ، عن حرمان أبناء النازحين وغير النازحين من حقوق التعليم بعد أن تحولت المدارس في بعض المناطق إلى مخيمات إيواء ، وثكنات للمسلحين ، عن فقدانهم للرعاية الصحية والترفيه . عن شلل الدولة وعجزها التام لإيجاد أية برامج أو مقترحات تستهدف معالجة مشاكلهم ، وتأمين الحدّ الأدنى من حقوقهم  . فوق هذا كله يتعرض الأطفال في مناطق الغرب الليبي ومنذ ثلاث سنوات  إلى عمليات الخطف ، كرهائن ، تقوم بها عصابات مجرمة تساوم أهاليهم لدفع مبالغ طائلة كفدية . وحين يعجز ذووهم عن الدفع يتم قتلهم ورميهم في الخلاء ومكبات القمامة .

    عبر هذه الوقائع وغيرها ، وصلت بشاعة الجرائم التي ترتكب في حق الطفل الليبي حدا لا يطاق ، وأنه لا الدولة ، ولا المجتمع بكل فئاته  وتنظيماته الأهلية ، كان في مقدورهم إنقاذ أطفالهم من أتون هذه الفوضى.

   وبالنظر لهذا الغبن ، لجأ أطفال ليبيا أنفسهم  في نهاية المطاف ، إلى تشكيل برلمانهم الخاص بهم ، فقط كرسالة أرادوا من خلالها الإشارة إلى تقاعس الكبار وعجزهم .   

¨