وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

السبت، 18 فبراير 2017

يوميات ظلّ (2)


  
مفتاح العمّاري


تنظيم الألم


     ليس الوقت وحده ما أحتاجه لكي أكتب ، بل الخلوة المتسامحة . فها قد تخطيت  الستين من عمري وما من منجز يمكنه أن يرضي بعضا من طموح لطالما راودني خلال سنيّ الخائبة ، والتي انسلخت هدرا دونما أثر خليق بالإشادة والاحتفاء . استيقظت اليوم صبيحة الجمعة السابع عشر من فبراير وأنا أشد تقريعا وتعنيفا لنفسي ، ولو لم تكن إشارة خبل لصفعت وجهي حتى يدمى . فلشد ما أنا مخذول ومحبط إلى حد كرهت فيه النظر إلى سحنتي الجافة وقد وسمها شيب وأسى غائر وتجاعيد . وكنت واهنا ومعذبا وأنا أغادر الحمّام ومرآته ، أتذكر  نتفا من حياتي الماضية ، والتي أبداً لمْ تكن في ما مضى هنيئة أو آمنة . ولكم أستغرب الآن كيف صمدت إلى أن عايشت هذه الأيام العصيبة التي اجتاحت البلاد بقضها وقضيضها .         

    ولكن هل أسمي بقائي صمودا ؟ الصمود هو أن تنتصر أخيراً وتتحقق . أمّا البقاء كالميت الحيّ لا يشكل وزنا أو قيمة . وعلى الرغم من ذلك فأنني أحيانا أشعر كما لو أن المرض وحده من يبقيني على قيد الحياة  . فطيلة السنوات العشر التي مضت انحصرت مكابدتي في معالجة الألم ، حتى تبرمجت أيامي على نحو ما ضمن تأثير هذا الإيقاع . لأن المرض المزمن ما يلبث بعد المعايشة الطويلة  أن يتحوّل الى علاقة يومية لها عاداتها ولغتها   ، كان عليّ وحدي التفكير في إعادة تدويرها لتكون سببا أساسيا للتحقق عبره . كما لو أنها مرادف آخر للمعرفة . ولكي أستمر في الكتابة عليّ أولا : تفهّم المرض وإنصافه ، وبعدها يمكنني تدبير مسألتي الخلوة المتسامحة وتنظيم دورات الألم  على نحو أكثر تلطّفاًً وجدوى .