مفتاح العمّاري
تنظيم الألم
ليس الوقت وحده ما أحتاجه لكي أكتب ، بل الخلوة
المتسامحة . فها قد تخطيت الستين من عمري
وما من منجز يمكنه أن يرضي بعضا من طموح لطالما راودني خلال سنيّ الخائبة ، والتي
انسلخت هدرا دونما أثر خليق بالإشادة والاحتفاء . استيقظت اليوم صبيحة الجمعة السابع
عشر من فبراير وأنا أشد تقريعا وتعنيفا لنفسي ، ولو لم تكن إشارة خبل لصفعت وجهي
حتى يدمى . فلشد ما أنا مخذول ومحبط إلى حد كرهت فيه النظر إلى سحنتي الجافة وقد
وسمها شيب وأسى غائر وتجاعيد . وكنت واهنا ومعذبا وأنا أغادر الحمّام ومرآته ،
أتذكر نتفا من حياتي الماضية ، والتي أبداً
لمْ تكن في ما مضى هنيئة أو آمنة . ولكم أستغرب الآن كيف صمدت إلى أن عايشت هذه
الأيام العصيبة التي اجتاحت البلاد بقضها وقضيضها .
ولكن هل أسمي بقائي صمودا ؟ الصمود هو أن
تنتصر أخيراً وتتحقق . أمّا البقاء كالميت الحيّ لا يشكل وزنا أو قيمة . وعلى
الرغم من ذلك فأنني أحيانا أشعر كما لو أن المرض وحده من يبقيني على قيد الحياة . فطيلة السنوات العشر التي مضت انحصرت مكابدتي
في معالجة الألم ، حتى تبرمجت أيامي على نحو ما ضمن تأثير هذا الإيقاع . لأن المرض
المزمن ما يلبث بعد المعايشة الطويلة أن
يتحوّل الى علاقة يومية لها عاداتها ولغتها ، كان عليّ وحدي التفكير في إعادة تدويرها لتكون
سببا أساسيا للتحقق عبره . كما لو أنها مرادف آخر للمعرفة . ولكي أستمر في الكتابة
عليّ أولا : تفهّم المرض وإنصافه ، وبعدها يمكنني تدبير مسألتي الخلوة المتسامحة
وتنظيم دورات الألم على نحو أكثر تلطّفاًً وجدوى .