وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الجمعة، 18 ديسمبر 2015

نثرُ الأعمى *

مفتاح العمّاري


نثر الأعمى


أيها الناظر خلفي :
أعطني القليل من فضة الصبح,
 لكي أقتفي الكلمة الذهبية التي من
قصب يتقوس في مهب الخيال,
 وأسمع النوارس المرصعة برنيم الزبد.
لأن طائر المطر
غادر سربة وتزوج الغيمة السخية..
التي صارت نهرا صغيرا..
 لا أم له..
يحمل إليها الهدايا,
ويحدّثها عن ضراوة الريح
وحيل الصيادين .
**
كان وحيدا ينتظر.
والغربان زوبعة سماء
قال :
 عودي إلى خرائبك أيتها الصاخبة ،
قبل أن تنقرك النسور الغاضبة.
 بينما المطر يختبىء في قبعة
مقلوبة تسبح في فضاء كالح ..
كأنها عشّ يسافر .

      **

رقص الطائرُ
ثم نثر ريشة الملون فوق العالم
بهيئة حكايات بيضاء وخضراء وزرقاء..
فاكتست اليابسة بالأنهار والغابات والمدن.
 وبعد ذلك غنّى أغنيته الأثيرة,
التي يرددها الأطفال
 كلما رأوا قبعة تحلق:
" يا مَطَرْ يَا بَشْبَاشَة
طَيْحِي حَوش البَاشَا "

     **

أيها الناظر خلفي.
أعطني أمّي وأنا أ قول لك:
كم كلمة تُحلق في سماء الحبر..
 وأصف بعشرين خيال
 رحلة عطرها
 وكيف كانت تشرق الكواكبُ من
حليب أيامها ،
حين كنا نُضْرَب بعصا واحدة ،
ويجمعنا ما يرثه البكاء،
 وتتركه فاقةُ الريح من غبار .
 أعطني قليلا أكيدا
من هدوء أقبّل حرارة أُذنيه ،
وأفشي إليه :
 بسرّ تعرّش بين قمر ونصف باب ،
وامرأة تغربل طحين شهوتها
فنامت كجرح ينمو.

      **

أيها الناظر خلفي..
 أعطني شقفة مرآة
لأريك ما يخبئه الأعمى
بين أعطاف ظلمته
وما تنسجه الأرملةُ من حيلٍ لسفك الأهواء..
وكيف تندس جمرة في كف من قش لا يحترق.
حيث كل يد فاسقة تراود أختها.
¨         
طرابلس 1 يونيو 2002       

*من قصائد المجموعة الشعرية : السلطانة .

سقف الليل (5)*

مفتاح العماري
فتاة ليبية . وليم كلارك ( 1857-1930)

سقف الليل
وأنتِ  ..
محض قرية تتفاقم
 ومحطة حكايات لا تأفل .
كنت فتية لاشكّ ،
وزوجة خائبة .
كنتِ توّاقة لا ضير ،
 لكنّ الأيام نهّابة لون
 وفشّاءة سرّ ..
و مرضعتك غدت حدباء ،
ووليّك صار أعشى  . .
 بينما أنت كما أنت  :
 الصبية التي تلبّي نداء نزوتها .

                **

يا لها حكاية فاضحة شهوتك تلك
التي لن يؤويها موت أو يكنسها دهر
 أو تردعها فاجعة . 

               *  *  
                            
 في المدينة تلك ،
كانت الثكنات طريدة اليافعين
الذين ركلتهم الفاقة بلا هوادة
إلى مزابل السوق .
كنّا ثلاثة فرسان
ننحدر بخفة بريئة من أكمام الجبال القاسية ،
 لا عاصم لنا سوى ما نقشه الأسى
على جبين أحلامنا البائسة  .. 
 كل خميس نصعد إلى منازل الذرى
مخفورين  بصراخنا ..
نتوق ببسالة إلى ما يقترحه الغيم
 وننصب الفخاخ  لبنات العواصم . 
يا لها وشم يضيء ربلةَ الساق
ويخطف رصانة الناسك ..
يا لها مرمر
يا لها سحر
يا لها تاريخ زاخر بالمسرات،
يا لها كواكب تهتزّ  .. وعروش تتبختر..
يا لها عطر صاخب، وحرّاس أوفياء
يا لها صفة ليل موشّى بحليب يسافر  .
يا لها فراغ آمن ..
يا لها براثن  وحش  ومآثر جوع نظيف ،
يا لها ألفة جنازة لمّا تحتفل بأعيادها ..
يا لها كلاب ومعاقل متع ..
يا لها أوطان سعيدة يطفر الضحك
من ظلمة زنازينها ..
يا لها وصف مستحيل لا يصاغ  ......
يا ........ 
لم يعد لها ثمة أين /
 لا أحد /
 لا موسيقى /
 لا قمر يسمّى ......... يا
لها أبناء  تأبطوا جمرها ../
 تأبطوا شرا وضاعوا  . 
إنها جريرتك  ..
 كل من أحبك لا محالة خاسر  .. 
وكل قصيدة تشير إليك
 ترسم حتفها .
___ 
الرملة 27 يناير 2002

*من قصائد المجموعة الشعرية : السلطانة .

سقف الليل (4)*

مفتاح العماري

سقف الليل
 يا لها سطوة
 حين عاد السادنُ من مهجره، ليجدك طازجة وعذراء ،
 لم تمسسك لغة بعد ، سوى السكين التي قطعت حبلك السريّ . 
 أيتها الصغيرة الجامحة ..
 يا شطيرة روحي  وشقيقة سفري ..
  يا نصف ديني  وكل مسافتي ...
 قال الرجل ذاته وهو يمسح العرق عن وجهه المجدور،
 ليأخذك دون رأفة إلى كوخه الموحش.
 الرجل الذي كما يقال :  لم يعد محاربا أو صنديدا.
 هو الذئب الجافل  من خرافة إلى أخرى
 يسطو عليك بقرابة الدم .
 ظلّ دهرا وهو يتباطأ
 لكي  يظفر بك .
لكن لم تكن خاتمة مطافه
غير لعبة فاجعة
لم يحدس قط بأنك
ابنة ريح وسليلة نار .
 لم يحفل بما يندس في أعطاف الدنس
 وهو يغزو الفيافي بعناد الفارس
من أجل ثروة صغيرة من نحاس مهجور
أهملته الحروب .
 سلخ خمس ضفاف  في اقتفاء المعادن ..
 وخمس ضفاف أخرى
 وهو يمجّد الاسم السامق
 الذي لا مثيل له .
 حفر عميقا في لحم الأرض
ينقب عن كمأة أسرارها اللامعة .. /
حتى أمسى خبيرا بمخلّفات الجيوش ،
 يفكك أحشاء القنابل
ويحاذر مغبّة بارودها  .
وقتها أضحت بنغازي سوقا كبيرة  لنفاية الحرب :
أغطية  وأحذية طويلة  وجُعب وخوذ ، وعلامات كتف  وشارات
  وطيور من فضة ونحاس مطلي بماء الذهب
 ورصاص خامل ومعاطف صوف وسراويل من كتّان  الكاكي .
كل شيء يباع بعشر ثمنه الأصلي  :
 الخيام والأحزمة وأكياس الخيش
 وعلب الصفيح وقناني النبيذ المغلّفة
 بقمصان السعف وأظرف القنابل
والصواريخ المجوّفة التي تحوّلت إلى مهاريس
لطحن الحبوب والبقول...
  كانت تلك ثروة لا تضاهى،
 في مدينة لم يعد ملحها قادرا
 على إشباع شهوة قاصديها.
____
الرملة 27 يناير 2002

*من قصائد المجموعة الشعرية : السلطانة .

سقف الليل (3)*

                                                                                                                                مفتاح العماري   

  سقف الليل


يالها حرب
حين هجمت الكوليرا على صفيح
 أكواخنا الذاوية.


                                                **
   لكن  ...
   أسم من هذا الذي يكبو بعلوّ ثقيل
 ثم يهوي حاصدا أعناق محبيه. ؟   
 يا لها حكاية متعذّرة / 
يوم يحمل القادمون
                 رسائل موتاهم /
حيث كل أنثى
 تتوّج ضعفها بياقوت البكاء..
 فيما الرعاة الطائشون
 يفلتون جماعات وفرادى
 من أسر المفازات
ببراعة عشاق حالمين.
 أنت  مأرب غزوهم،
وغواية فحولتهم..
عميّ يتدحرجون
صوب ضفافك الحارة  .
كل فارس يصطفي بضع كلمات شاردة
 ويضرم حريقا في سقف الليل..
 فتسّاقط جوارح الخيال
وتتمزّق حكمة السرد
 طائعة كأنها تصلّي.
¨      
   الرملة 27 يناير 2002

*من المجموعة الشعرية : السلطانة .

سقف الليل (2)*

مفتاح العماري

الصورة  ( أسواق بنغازي القديمة ) من صفحة ذاكرة بنغازي  . facebook

__________  سقف الليل


  كأنك ملكة وهم..
طفلة ريح تحلّق غافية..
 قافلة بلا ضفاف
 تنطلق شهوتها في سديم الفتن..
 تصقل المتع بمهارة سجين مؤبّد
 يفتل مشانق الانتقام..
ليثأر دونما رأفة
 من جلاديه..

 هكذا تطعنين الوقت بمدية عمياء ../
 تردين الميت والحيّ بضربة واحدة.
         

                                                    * *

يومها كانت بنغازي مخازن ملح تسيّج العراء ،
 مترعة بأحلام المهاجرين
 وأنصاف الأسماء التي انشطرت
 فتلاشى برقها بين الجهات. 
لا ماء هنا غير ما يقترحه السراب
 على قاطنيه ../
 ولا صوت يلمع من  مآذن الجوع

   سوى الجوع . 
____ 
الرملة 27يناير 2002
* من المجموعة الشعرية : السلطانة