وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الخميس، 24 أكتوبر 2024

حكايات تجعلنا نخجل

                                                                                                                                     مفتاح العماري 


_________  حكايات تجعلنا نخجل   




 

1                   

منذ أن بدأت الحرب 

ونحن نذهب إلى الفرن بكثير من الحذر؛

لأننا في الأثناء سنمر بشاطئ مهجور،

وبقايا حديقة ميتة.

وهذا ما كان يشغل بال أمّنا المريضة؛

طالما كل يوم ثمة وقائع مريعة عن قتلى، أو مخطوفين.

مذ ذاك غدونا نحرص كثيرًا؛

أن نعود للبيت بقليل من الخبز

دونما خسائر فادحة في الأرواح.
لكن ماذا لو أن المسلّحين خطفوا أختنا الجميلة؟ 
هل سنقول لجيراننا أن أختنا الجميلة،

حملتها موجة فماتت؟ 
وهل سنجتمع مرة أخرى كعائلة واحدة،

أمام التلفزيون لنشاهد الدبابات،

وأشلاء الأشجار والحرائق؟

هل ستنطلي روايتنا لو قلنا: 
أن أختنا كانت تحب البحر؟

 

2
جارتنا التي فقدت كل أحلامها في الحرب 
جعلتنا نخجل؛ نحن الذين لم نفقد شيئا

سوى أختنا وسقف المنزل.

أعني جارتنا الشابة التي ذبلت أزهار شرفتها،

لم تعد تعبأ بتحيتنا كالعادة كلما التقينا مصادفة

في الشارع، 
كأنها لا ترانا.
وأن روحها قد هاجرت هي الأخرى. 
فيما كنّا نجلب خبزًا
نراها تحمل كتبًا. 
لهذا نحن تغيرنا،

وأن كل حكاياتنا:

عن شحّ الدقيق،

وفقدان أختنا،

وأزمة الوقود،

وانقطاع الكهرباء؛

تجعلنا نخجل.

 

3

نحن تغيرنا؛

تغيرنا كثيرًا.

الخيالُ لم يعد صالحًا للمشي في الطرقات

التي بالت عليها الحرب.

كان الملعون (رامبو) محقًا،

حين انصرف لتجارة السلاح.

**
أجل تغيرنا كثيرًا.

صار للوقت حكايات أخرى،

ليس المرح من بينها.
المرح الذي في يوم ما كان سفرًا،

صار مضجرًا بعد أن فقدت الحقائبُ بهجتها،

وأمست الأيامُ تعاني من آلام الظهر

وتصلب الشرايين.

وحتى الليالي التي تسبق ركوب الطائرة،

فقدت ذلك الأرق المنعش،

طالما ليس ثمة ما يتسع للحبّ، 
الوقت الذي كان يصلح للقبلات،

تركته الحرب يذبل.

**

الخبز أيضًا فقد رائحته، 
منذ أن استغنت الأفرانُ عن خدمات الحطابين 
وتحوّلت إلى معامل لصناعة الكرواسون والبيتزا. 
بدا كل شيء يمضي مسرعًا

كما لو أن الأرض في عجلة من أمرها. 

 

4

لست خائبًا أو حزينًا؛

لمجرد أن بعض الأوغاد

في يوم ما كانوا من بين أصدقائي.

طالما ثمة في المقهى مقاعد شاغرة،

وموسيقى تجذب العابرين،

وخيال متبّل، يطهو الحكايات على مهل.

طالما ليس بوسعك أن تعرف ما إذا كان أحدهم لصًا؛

 قد يسطو على دفتر يومياتك،

أو يخطف حبيبتك.

وطالما هناك صدف، وأخطاء، ومحطات مزيفة.

وأبواب ونوافذ، لا يمكنها أن تظلّ مقفلة على الدوام،

وهواتف ذكية في وسعها أن تتعرف على

مزاجك ورزنامة يومك.

طالما ثمة كتب ورسائل ولغات،

يمكن إجادتها دون معلّم.

وأنك في معظم الأحوال لن تكون وحدك.

يحدث أن تتعثر عقاربُ ساعتك!

لحظة أن تلتقي ببعض هؤلاء

الذين يمكن أن يكونوا بمحض الصدفة شعراء

أو رجال شرطة، أو عاطلين عن العمل.

ومع ذلك لستُ خائبًا أو حزينًا؛

بل أنا ممتنّ لكلّ السفلة الذين

أمسوا أصدقاء فوق العادة.

____

طرابلس 16 يوليو 2019