أسماء
مفتاح العمّاري
" عندما ينقسم الواحد ،
فأن الأجزاء تكون محتاجة إلى أسماء
وفي الدنيا ما يكفي من أسماء ..
وعلى المرء أن يعرف متى يتوقّف
بهذا يتجنّب الإنسان المتاعب "
( لوتسو / من كتاب التاو
)
إن إضافة اسم للأشياء، هو بداهة ، ممارسة نشطة وفاعلة للغة
التي تمثل في جوهرها سيمياء حقيقية للحياة. ومن
ثم فأن إلحاق اسم للكائنات والجهات والأمكنة، يعد
دلالة للمسمّى، يستدلّ به علي الحي والجامد .. حيث يتعذر علينا أن نتخيل معرفة كائن
لا اسم له. لأن اضافة الأسماء،اقلّ تعقيدا من أن تظلّ
الأصوات والصور نكرة بلا ظل أو أثر يقتفى؛ ففي الصحراء كان
البدوي رغم صلابته أكثر بساطة وعفوية وهو يقترح أسماء مفازته ويسبر غور الأشياء، عبر
علامتها الخفية التي تتركها فوق الثري ..حيث استطاع أن يروض التيه ويفتح مغاليق
المجاهل الغامضة لصالح الحدس والفراسة التي لا تخطيء في ترجمة وجهة الريح ،
وتأويل رحلة الطير واقتفاء اثر البعير ومعرفة أسراره
عبر قراءة الأثر، ليكتشف بغرابة طريفة:أن
البعير الذي مر (اعور وابتر وأعرج) في لحظة خاطفة تكتفي باللمح العابر.. بينما
يتعذر علينا نحن سكان المدن قراءة الأثر على
أرصفة مبلطة وطرقات معبدة ، يحيطها الصخب وتحفها الضوضاء. ولعل
الأمر يبدو أكثر حيرة وصلابة أيضا حين ترتفع بسخاء ثلاثة آلاف عام من التاريخ
الحضاري مدينة بالغة العتاقة مثل طرابلس ، الثرية بعديد
من المآثر والحفريات .. حيث مر الرحالة والقراصنة والغزاة
والتجار والمستكشفون والشعراء العشاق ، لتقف في نهاية
المطاف علي عتبات الألفية الثالثة وهي تجسد المتاهة الأكثر غموضا من صحراء البدوي.
في الوقت الذي
تختزل فيه تقنية الاتصالات الزمن والمسافة يرتبك الزائر بطرابلس وهو يبحث عن مقصده
في مدينة تداخلت شوارعها بلا أسماء أ و عناوين ..
وتكدست منازلها في خرائط عشواء دون أرقام تشير إليها وكأن إلحاق اسم أو رقم أحجية
معقدة ، و صناعة بالغة الضخامة والتكاليف ، تضاهي
في استراتيجيتها وتعقيدها مشروع إنشاء سكة الحديد ، أو
هي من سلالة فنطازيا الخيال العلمي ، لكي ننتظر ثلاثة
آلاف سنة أخرى حتى نحصل علي عناوين واضحة تدل عليها .