وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الأحد، 6 ديسمبر 2015

دروز بلغراد لربيع جابر

مفتاح العمّاري

حكاية حنا يعقوب
      رواية ( دروز بلغراد .. حكاية حنا يعقوب )  لربيع جابر ، تترجم عبر تراجيديا أحداثها ووقائعها وحكاياتها التي تتلخص في محنة المواطن : حنا يعقوب ، بائع البيض المسلوق ، حين قاده حظه العاثر ليكون كبش فداء ، لحظة أن يقبض عليه ذات صباح عندما تصادف وجوده وهو يحمل سلة البيض المسلوق ، عند أطراف ميناء بيروت ، ليزجّ به مع مساجين دروز في سفينة تجارية ، أثناء التأهب لترحيلهم من بيروت إلى بلغراد ، كبديل لسجين درزي ، تمّ إطلاقه تهريبا برشوة في الليلة المنصرمة بتواطؤ الباشا أو حاكم المدينة . ولكي يتم تغطية هذه الشبهة قبض على حنا يعقوب كبديل للسجين الدرزي ، ليحمل من ثم اسم ( سليمان ) ، عوضا عن (حنا ) . حيث تتواطأ كل الظروف المحيطة فيما بعد – سواء في قعر السفينة أو في أقبية السجون – بأن يلبّي صاغرا ، كلما نودي باسم سليمان : أسباب تتعلق أولا بالعيّ حين فقد القدرة على النطق ، اثر ضربهم له في أول الأمر بكعب بندقية على فمه فتهشمت أسنانه . وثانيا باللغة ، وثالثا لأسباب العداء الكامن حينها بين الدروز والمسيحيين .. ورابعا بفوضى إدارة السجون وقتذاك . لأنه بعد أن غادر بيروت قد ظل محض رقم ، ولا يعلم سره سوى السجناء القريبين منه ، وبصورة خاصة أخوة السجين الذي تم تهريبه . وتلك حكاية لها تداعياتها وتفاصيلها في فضاء هذا المتن السردي . ولكن الكاتب ، وعبر السياق السردي للنص قد مرر الكثير من الدلالات ، لاسيما عبر الشخصية المحورية : حنا يعقوب ، كرجل مسالم ومتسامح وطيب ، ينحصر عالمه في حبه لزوجته هيلانة ، وطفلته الرضيعة بربرا ، والانشغال بتدبير قوت أسرته كبائع جوال للبيض المسلوق .
   تبدأ الوقائع في العشرية السادسة من القرن التاسع عشر ، أي في تلك الفترة التي شهدت انحطاط الدولة العثمانية ، وبدايات مؤشرات اندحارها وسقوطها . تلك الدولة التي بدأت باحتلال إقليم صغير في البلقان في الربع الأول من القرن الرابع عشر ، لتتوسع تدريجيا عبر أوربا وآسيا وشمال إفريقيا كإمبراطورية عظيمة دمجت في نسيجها قوميات عديدة وعقائد وديانات ولغات شتى ، لتفرض وجودها وقوتها عسكريا وسياسيا ، في المناطق الخاضعة لها بكل ما ابتكرته من أنظمة وخطط وسياسات عسكرية واقتصادية دعمت استمرارها لستة قرون متواصلة .
    هنا وعبر هذه السيرة الملحمة في حكاية حنا يعقوب ومكابداته طيلة 12 سنة ، مجسدة في غربته المتعددة عن الوطن والدين واللغة والعائلة والاسم .  هذا ما يشير إليه الاقتلاع المأساوي في سيرة حنا يعقوب . لأن الرواية بقدر تناصها التاريخي ، تقع أيضا في تناص روائي مع جنسها . فلأمر ما ذكرتني برائعة : أمين معلوف ( ليون الأفريقي) . فعلى الرغم من اختلاف الوقائع والحقبة التاريخية التي تفصل حسن الوزان عن حنا يعقوب ، إلا أن الأول كمسلم ، وعلى الرغم من أن مأساته تنطلق من حملات التفتيش الصليبية في الأندلس ، والتي تلقي ببصماتها على رحلته المريرة  ، حتى لحظة لجوئه إلى الكنيسة في روما كملاذ ، فيما تنقلب الأدوار هنا ، أعني  في دروز بلغراد ،لأن حنا يعقوب ، يعود من منفاه أخيرا ضمن قوافل الحجاج المسلمين باسم ( الحاج سليمان ) ، من البلقان إلى بيروت ، حتى يتخلى عن القافلة أخيرا ، في أثناء توقفها بمحطتها في دمشق .
   ثمة عديد الملاحظات ،خرجت بها من خلال قراءتي لهذه الرواية ، من بينها : أن جزءا من مكابدات حنا يعقوب في معاقله ، كان يمكن تكثيفه واختزاله عوضا عن الوقوع في تكرار الصور والمشاهد .

     فقط ، هذه محض انطباعات عابرة اقتضتها قراءة أولى . لكن تظل هذه الرواية في المجمل تنطوي على قدر من الجماليات ، سواء في حبكتها الدرامية أو خصائصها السردية  ، وبحق هي رواية ممتعة .