مفتاح
العمّاري
حكاية حنا يعقوب
رواية ( دروز بلغراد .. حكاية حنا يعقوب ) لربيع جابر ، تترجم عبر تراجيديا أحداثها
ووقائعها وحكاياتها التي تتلخص في محنة المواطن : حنا يعقوب ، بائع البيض المسلوق
، حين قاده حظه العاثر ليكون كبش فداء ، لحظة أن يقبض عليه ذات صباح عندما تصادف
وجوده وهو يحمل سلة البيض المسلوق ، عند أطراف ميناء بيروت ، ليزجّ به مع مساجين
دروز في سفينة تجارية ، أثناء التأهب لترحيلهم من بيروت إلى بلغراد ، كبديل لسجين
درزي ، تمّ إطلاقه تهريبا برشوة في الليلة المنصرمة بتواطؤ الباشا أو حاكم المدينة
. ولكي يتم تغطية هذه الشبهة قبض على حنا يعقوب كبديل للسجين الدرزي ، ليحمل من ثم
اسم ( سليمان ) ، عوضا عن (حنا ) . حيث تتواطأ كل الظروف المحيطة فيما بعد – سواء في قعر
السفينة أو في أقبية السجون – بأن يلبّي صاغرا ، كلما نودي باسم سليمان : أسباب
تتعلق أولا بالعيّ حين فقد القدرة على النطق ، اثر ضربهم له في أول الأمر بكعب
بندقية على فمه فتهشمت أسنانه . وثانيا باللغة ، وثالثا لأسباب العداء الكامن
حينها بين الدروز والمسيحيين .. ورابعا بفوضى إدارة السجون وقتذاك . لأنه بعد أن
غادر بيروت قد ظل محض رقم ، ولا يعلم سره سوى السجناء القريبين منه ، وبصورة خاصة
أخوة السجين الذي تم تهريبه . وتلك حكاية لها تداعياتها وتفاصيلها في فضاء هذا
المتن السردي . ولكن الكاتب ، وعبر السياق السردي للنص قد مرر الكثير من الدلالات
، لاسيما عبر الشخصية المحورية : حنا يعقوب ، كرجل مسالم ومتسامح وطيب ، ينحصر
عالمه في حبه لزوجته هيلانة ، وطفلته الرضيعة بربرا ، والانشغال بتدبير قوت أسرته
كبائع جوال للبيض المسلوق .
تبدأ الوقائع في العشرية السادسة من القرن
التاسع عشر ، أي في تلك الفترة التي شهدت انحطاط الدولة العثمانية ، وبدايات
مؤشرات اندحارها وسقوطها . تلك الدولة التي بدأت باحتلال إقليم صغير في البلقان في
الربع الأول من القرن الرابع عشر ، لتتوسع تدريجيا عبر أوربا وآسيا وشمال إفريقيا كإمبراطورية
عظيمة دمجت في نسيجها قوميات عديدة وعقائد وديانات ولغات شتى ، لتفرض وجودها
وقوتها عسكريا وسياسيا ، في المناطق الخاضعة لها بكل ما ابتكرته من أنظمة وخطط
وسياسات عسكرية واقتصادية دعمت استمرارها لستة قرون متواصلة .
هنا وعبر هذه السيرة الملحمة في حكاية حنا
يعقوب ومكابداته طيلة 12 سنة ، مجسدة في غربته المتعددة عن الوطن والدين واللغة
والعائلة والاسم . هذا ما يشير إليه الاقتلاع
المأساوي في سيرة حنا يعقوب . لأن الرواية بقدر تناصها التاريخي ، تقع أيضا في
تناص روائي مع جنسها . فلأمر ما ذكرتني برائعة : أمين معلوف ( ليون الأفريقي) .
فعلى الرغم من اختلاف الوقائع والحقبة التاريخية التي تفصل حسن الوزان عن حنا
يعقوب ، إلا أن الأول كمسلم ، وعلى الرغم من أن مأساته تنطلق من حملات التفتيش
الصليبية في الأندلس ، والتي تلقي ببصماتها على رحلته المريرة ، حتى لحظة لجوئه إلى الكنيسة في روما كملاذ ، فيما تنقلب الأدوار هنا ، أعني في دروز بلغراد ،لأن حنا يعقوب ، يعود من منفاه أخيرا ضمن قوافل الحجاج المسلمين باسم ( الحاج
سليمان ) ، من البلقان إلى بيروت ، حتى يتخلى عن القافلة أخيرا ، في أثناء توقفها
بمحطتها في دمشق .
ثمة عديد الملاحظات ،خرجت بها من خلال قراءتي
لهذه الرواية ، من بينها : أن جزءا من مكابدات حنا يعقوب في معاقله ، كان يمكن
تكثيفه واختزاله عوضا عن الوقوع في تكرار الصور والمشاهد .
فقط ، هذه محض انطباعات عابرة اقتضتها قراءة
أولى . لكن تظل هذه الرواية في المجمل تنطوي على قدر من الجماليات ، سواء في حبكتها
الدرامية أو خصائصها السردية ، وبحق هي
رواية ممتعة .