مفتاح العمّاري
يا أبي قد صرتُ أفهم ..
في بلدٍ كهذا يزخر
بالمبدعين الحقيقيين – من شعراء يقتفون سيرة الحُلم ، ويصلحون بعض أخطاء المتنبَّي
، وروائيين يسردون ما غفلتْ عنه شهرزاد ، ويكملون رحلة السندباد في متاهات العجائب
والأساطير ، وبُحَّاثٍ ومفكرين يعالجون سهوَ ابن رشد ، ويعمِّرون خرائبَ ابن خلدون
، ورسَّامين يجوبون آفاق اللون ، وهم يتحسَّسون بلوامس من ضوءٍ حكمةَ الظلَِّ في
ابتسامة المونوليزا ، وكُتَّابٍ مهرةٍ يعيدون البهاء لهيئة الجاحظ ، الذي قتلته
كُتب الورَّاقين – فمن شيخِ الشعراء مصطفى بن زكري، إلى آخرسُلالة الشعراء المخفورين بشغف البهاء وفتنته ، مرَّت مائةُ عام ونيَّف محفوفةً بالشعر
، والحروب ، والغزوات ، والجوع اللاَّمع ، والحكايات الضائعة ، والتَّوق الذي لا
يكفُّ . ألا تكفي هذه الرحلة للاحتفاء بتجلَّيات الكائن الذي جعل الحياة أكثر
رسوخاً وتجذُّراَ . إن المجتمع المتطلَّع
بخيال جامعٍ لذرى الحضارة ، ومباهج الحداثة ، لا يُغفل قيمة مُبدعيه ، ولا يدع أي
مجالٍ للسهو : لكي ينسى إعادة طباعة إشعار الراحل علي الرقيعي كجزءٍ من
ضميره الثقافي وقطعةٍ حيَّةٍ من حُلمه الدائم للحرية والانعتاق. كذلك لا يغفل عن
تتويج المدعين والكتاب الكبار ولاسيما من يشكلون علامات لها شأنها في الداخل
والخارج ، فبعضهم لديه من التميز ما يجعله
جديرا بان يعنى بمؤلفاته وتسويقه ن ولا سيما من يحوز منهم على درجة عالية من
الكفاءة التي لا تضاهى ، مقارنة بأشهر
كُتاّب المقالة في وطننا الكبير وفي العالم أيضاً. فلا بأس من طباعة مؤلفاته بالشكل الذي يليق ببهاء حلمها
وقوة افكارها ، ومن ثم المبادرة بتوزيعها على أوسع نطاقٍ ممكن ؛ سعياً لتكريس
المزيد من القراءة الواعية ، التي تجعل عناوينه حاضرةً واثيرةً ، وراسخةً في ذاكرة
الناشئة . لِمَ لا يكون الاحتفاء قائماً كعلاقة حيَّة في الشارع ، ومكينة بالقدر
الذي يجعل اسم ( خليفة الفاخري ) كافياً لإفساح المجال أمام المعرفة ؛ كي
تأخذ موقعها في صدارة المشهد ؟ وأنْ تغدو طرابلس أكثر بهجةً وطمأنينة حين تتذكر
شاعرا مثل ( علي صدقي عبد القادر )، وتراه ذاكرة وجداننا بعيون القصيدة وحدها
فخماً ، ومهيباً بهيئة السراي .
دعونا إذن نفكَّر قليلا في أفراد عائلتنا من
عشَّاق المعرفة ، ونعترف بجدواهم ؛ حتى يكون حُلمنا سامقاً ، وكبيراً بحجم الكون ؛
لأن سهونا سيكون فادحاً ؛ حين تجعلنا مباهجُ ثقافةُ السوقِ نغفل عن قيمة الكيان
الحق ، الذي يبدأ من احترامنا لتلك اللحظة القلقة ، التي أحاطت بقصيدة علي الرقيعي
حين قال :
يا أبي
قد صرتُ
أفهم
روعة
الحرف الذي
يصنعُ
للإنسان سلَّم .
<>