مفتاح العمّاري
الكون بأسره يتضافر لتحقيق
رغباتك
تندرج رواية الخيميائي باعتبارها الرواية
الثانية في تسلسل قائمة روايات باولو كويلو . وتعد بامتياز الأكثر شهرة ومبيعا من
بين مؤلفاته . وبغض النظر عن ما حققته الخيميائي من أرقام قياسية في سوق المبيعات
، وما حصدته من جوائز ، كذلك بغض النظر عن المديح الذي حظيت به في أوساط القراء
ونقاد الأدب - عالميا - ، وبغض النظر عن
أرقام ترجمتها ، والتي تصل إلى قرابة 65
لغة عالمية . لأن الرواية ذاتها التي تتمحور حول أسطورة
منتزعة بذكاء من حكايات شهرزاد في ألف
ليلة وليلة ، قد تفوقت على خاماتها وذاكرتها ومرجعياتها وتاريخها ، بل تفوقت على
نفسها داخل نوعها الروائي بامتياز تحسد عليه .
لتتحول هي الأخرى إلى أسطورة .
بفضل خصائص وحيل فنية عديدة من بينها تلك اللعبة التي تتناص في الوقت نفسه مع
أدبيات ما يعرف بعلم تنمية الذات ، كحيلة متقنة تكفلت عباراتها الحكمية ، وبحنكة
في أن تأخذ لها من الحكاية الشعبية في
تراثنا العربي جسدا .. وقد كانت رمية أكثر من صائبة . فهنا تتضافر الأسطورة
والحكمة ، فضلا عن براعة السرد في صناعة
هذه المعجزة الصغيرة ، من دون أن تتخلى الكلمات عن أشدّ المجازات ضراوة في تنضيد
عالمها . وما حكاية الراعي وأحلام كنزه
التي تجوب بنا عبر الصحراء ، سوى حيلة
بارعة ، تتضامن من أجل أن يستعيد العالم هنا – عبر اللغة – بهاءه المتخيل : التحقق
عبر اقتفاء الحلم .
لا شك أن كويلو قد احتال في تأثيث ، وإعادة إنتاج
تلك الشذرات المكتنزة بحمولة فلسفة الصوفي والحكمي ، والتي تستثمرها معظم المؤسسات
والمدونات والكتابات المعنية ، أو
المنشغلة بموضوعة تنمية الذات ، على غرار تلك العبارات الشائعة ،مثل : عندما تريد
شيئا ما فأن الكون بأسره يتضافر ليوفر لك تحقق رغباتك . هذا فضلا عن كونها قد
اقترحت اسلوبا سرديا يتجاور ، وبشاعرية عالية مع انساق القصص الشعبي ، مما أضفى
عليها بعدا جماليا من حيث التكثيف والسلاسة . ولأنها تتمتع بهذه الفضائل
الماكرة ، وغيرها من الشبهات الحميدة ،
والمريبة ، أجدني أعود لتصفحها بين فترة وأخرى ، ليس لشهرتها العالمية بعد نوبل –
لأنني أعد من بين المحظوظين الذين أتيح لهم الاطلاع على طبعتها العربية الأولى في
مناطق الظل قبل بضع سنوات من اكتشافها وشهرتها في عواصم الثقافة العربية – ثقافة الإعلانات
و (البروبقاندا ) ، ولذلك حكاية أخرى - بل
لشيء يتعلق تحديدا بالخيميائي ، ينبغي تكريمه عبر تأكيد اعترافنا بتلك المتع
المصانة ، والاستدلال عليها عبر الكلمات التي من سلالة هذا الراعي البرازيلي ،
الذي يذكرنا بأنفسنا في يوم ما . وفي يوم ما أيضا لعلني سأستأنس بفصل من ترجمة ابن
المقفع في ( كليلة ودمنة – حين يأتي الحديث حول رواية أخرى ، تطمح لمضاهاة
الخيميائي ، ألا وهي رواية ( اسمي أحمر ) للتركي أورهان باموق ، والتي تقع هي
الأخرى من حيث آلية سردها ، ومادتها الخام في فخّ التناص إلى حدّ الاستنساخ .