وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الاثنين، 7 ديسمبر 2015

باولو كويلو وحيل الخيميائي

مفتاح العمّاري

الكون بأسره يتضافر لتحقيق رغباتك
       تندرج رواية الخيميائي باعتبارها الرواية الثانية في تسلسل قائمة روايات باولو كويلو . وتعد بامتياز الأكثر شهرة ومبيعا من بين مؤلفاته . وبغض النظر عن ما حققته الخيميائي من أرقام قياسية في سوق المبيعات ، وما حصدته من جوائز ، كذلك بغض النظر عن المديح الذي حظيت به في أوساط القراء ونقاد الأدب  - عالميا - ، وبغض النظر عن أرقام ترجمتها ، والتي تصل إلى قرابة  65 لغة  عالمية .  لأن الرواية ذاتها التي تتمحور حول أسطورة منتزعة بذكاء من حكايات  شهرزاد في ألف ليلة وليلة ، قد تفوقت على خاماتها وذاكرتها ومرجعياتها وتاريخها ، بل تفوقت على نفسها داخل نوعها الروائي بامتياز تحسد عليه .  لتتحول هي الأخرى إلى أسطورة .  بفضل خصائص وحيل فنية عديدة من بينها تلك اللعبة التي تتناص في الوقت نفسه مع أدبيات ما يعرف بعلم تنمية الذات ، كحيلة متقنة تكفلت عباراتها الحكمية ، وبحنكة في أن تأخذ لها من الحكاية الشعبية  في تراثنا العربي جسدا .. وقد كانت رمية أكثر من صائبة . فهنا تتضافر الأسطورة والحكمة ،  فضلا عن براعة السرد في صناعة هذه المعجزة الصغيرة ، من دون أن تتخلى الكلمات عن أشدّ المجازات ضراوة في تنضيد عالمها .  وما حكاية الراعي وأحلام كنزه التي تجوب بنا عبر الصحراء  ، سوى حيلة بارعة ، تتضامن من أجل أن يستعيد العالم هنا – عبر اللغة – بهاءه المتخيل : التحقق عبر اقتفاء الحلم .

    لا شك أن كويلو قد احتال في تأثيث ، وإعادة إنتاج تلك الشذرات المكتنزة بحمولة فلسفة الصوفي والحكمي ، والتي تستثمرها معظم المؤسسات والمدونات  والكتابات المعنية ، أو المنشغلة بموضوعة تنمية الذات ، على غرار تلك العبارات الشائعة ،مثل : عندما تريد شيئا ما فأن الكون بأسره يتضافر ليوفر لك تحقق رغباتك . هذا فضلا عن كونها قد اقترحت اسلوبا سرديا يتجاور ، وبشاعرية عالية مع انساق القصص الشعبي ، مما أضفى عليها بعدا جماليا من حيث التكثيف والسلاسة . ولأنها تتمتع بهذه الفضائل الماكرة  ، وغيرها من الشبهات الحميدة ، والمريبة ، أجدني أعود لتصفحها بين فترة وأخرى ، ليس لشهرتها العالمية بعد نوبل – لأنني أعد من بين المحظوظين الذين أتيح لهم الاطلاع على طبعتها العربية الأولى في مناطق الظل قبل بضع سنوات من اكتشافها وشهرتها في عواصم الثقافة العربية – ثقافة الإعلانات و (البروبقاندا ) ، ولذلك حكاية أخرى  - بل لشيء يتعلق تحديدا بالخيميائي ، ينبغي تكريمه عبر تأكيد اعترافنا بتلك المتع المصانة ، والاستدلال عليها عبر الكلمات التي من سلالة هذا الراعي البرازيلي ، الذي يذكرنا بأنفسنا في يوم ما . وفي يوم ما أيضا لعلني سأستأنس بفصل من ترجمة ابن المقفع في ( كليلة ودمنة – حين يأتي الحديث حول رواية أخرى ، تطمح لمضاهاة الخيميائي ، ألا وهي رواية ( اسمي أحمر ) للتركي أورهان باموق ، والتي تقع هي الأخرى من حيث آلية سردها ، ومادتها الخام  في فخّ التناص إلى حدّ الاستنساخ .