مفتاح العمّاري
الدنوّ
من المعتصم
     لا ريب أن القرب من أدب ( بورخيس ) ليس براءً من
شبهة الضلالة نفسها التي اقترفها هذا الناسك عبر تسكعه داخل أقاليم مكتبة عملاقة .
لعلّ الإغواء ذاته ، هو سلطان نشوة القراءة – هنا وهناك -  فكما هو معلوم لدى قراء هذا الكاتب المؤسس ، أنه
قد اتّبع نظاما فريدا من التناص ، لا يقف عند حدود إعادة إنتاج المقروء من خلال إعادة
خلقه ، أو تأويله ، إنّما هو يكتشف فراغا داخل فراغ ، يحتاج دائما – كما يبدو – إلى
إضافة أسماء وأفعال وكائنات مجهولة ، لكي يُوهب تلك الفضيلة التي تتعلق بالنمو .
كما لو أن بورخيس ، قد أدرك بفطرته : أن النصوص التي كتبها الأوائل ، لا ينبغي
تركها مركونة لعتاقتها ، مكتفية بالمديح وحده . بل أن كرامة الأدب تقتضي أن نجعل
تلك المتون نابضة أبداً بالحياة ، لا محض إيقونات . 
    قراءة مقترحات معلم السرد : بورخيس ، لا
تستنفد . فمن جهة أن تناصاته بقدر ما تعيد إنتاج نفسها ، فهي من جهة أخرى خاضعة
لتعدد التأويل ، فضلا عن انفتاحها على الفنتازيا ، والتهكّم المضمر .
    بورخيس الساحر الذي أسهم في تجديد أدب أميركا
اللاتينية ، يحتفظ دائما بتلك المأثرة التي تعيد الكرامة للكتاب . ففي ( الدنو من
المعتصم ) ، كما في ( الألف )  وغيرها من
السرديات تأخذ الحكاية وجهة أخرى ، حُمّلت بحساسية أكثر شاعرية وتلطّفا . لهذا تظل
آثار بورخيس دائما مشروع اكتشاف وتأمّل ، ورفقة لا تُملّ  . أنصح القراء الذين لم يتعرفوا بعد على بورخيس
، الدنوّ من هذا المعتصم . 
