مفتاح العمّاري
هدرازي
بصدد الحديث حول الكاتب الكبير العلامة علي
مصطفى المصراتي ، أشير أولا إلى تلك
المهابة الخاصة به ، والتي تقتضي دائما أن تكون حاضرة كلما مَثُلَ المصراتي ، مهابة
إجلال لموقعه السامق والرصين الذي يحتل مكانة مرموقة ومؤثرة وفاعلة في ذاكرة الوجدان الليبي ، كأديب كبير ، وفي
ذاكرة الثقافة الوطنية كمؤرخ رائد وباحث وسياسي ومناضل
.
ينتمي
الأستاذ العلامة علي مصطفى المصراتي ، إلى جيل المعلمين ، جيل الأوائل الذين أسسوا
للكتابة من الصفر ، جيل الدرجة الأولى في
سلّم المعرفة ، ونحن كأجيال لاحقة نقدّر رحلتهم .
أشير ثانيا إلى ضرورة إنصافه التي تأتي هذه
الكلمة بمثابة تحية له ، واعتراف بدوره التأسيسي في تأثيث الهوية والوجدان . وهنا
اسمحوا لي أن أحصر حديثي بصدد إسهامي المتواضع
في معالجة بعض مقترحاته السردية في
القصة القصيرة وتنضيدها دراميا ، وأعني
تحديدا : الجزء الأول من سلسلة هدرازي
التي عرضها التلفزيون الليبي ضمن أجندة برامجه الرمضانية منذ عدّة سنوات ، إذ
تجسدت مشاركتي من خلال كتابة السيناريو
والحوار . وأذكّر هنا بأن المهمة لم تكن يسيرة إزاء نتاج أديب كبير يتسم بالغزارة
والتنوع والثراء ، كما أن الخيار في انتقاء القصص ، كان شراكة بيني وبين أسرة
العمل ، تبعا لمقتضيات فنية وإنتاجية . كذلك تجدر الإشارة إلى أن الرؤية الفنية قد
اشتملت على توليفة ضمت ثلاثة مستويات بين
الشكل القصصي والسيناريو الورقي ، ثم
السيناريو التنفيذي .. أي أنها توزعت بين مؤلف القصص وكاتب السيناريو ، ومخرج العمل ، بحيث تعددت زاويا النظر وتنوّعت . قد تطغى أحيانا رؤية القاص ، وفي أحيان أخرى
تتقدّم رؤية المخرج أو كاتب السيناريو .
كذلك
ثمة مقتضيات أخرى كثيرة قد أملت شروطها ، أهمها وأكثرها قساوة يكمن في
تواضع الإمكانيات الإنتاجية والتقنية ، ناهيك عن ضيق الوقت وصعوبة تجهيزات التصوير .
استأنست في الكتابة إلى معالجة النصوص
القصصية المختارة دراميا ضمن نسق إعادة التأويل ، فانطلاقا من مرجعية النص الأصلي
كخلفية نسيجية تتألف خيوطها من وقائع وإحداث ، إلى مفارقة التجاور بين الحفاظ على
عنصر الحدث مع تأثيثه دلاليا ، ضمن نسق التأويل الدرامي الذي ارتأينا ضرورة جدواه
كمتطلب بصري ، يرتكز على العلامات الدلالية التي توفرها القصة وفي نفس الوقت يزكّي احترامه واعترافه بالنص الأصلي ، من خلال
محاولة إنمائه وأيقاظ مناطقه الصامتة ، أو المسكوت عنها ، ليتناغم مع الأصل ويثريه
، وفي الوقت ذاته ، يتخذ منه قماشة قابلة لإعادة السرد بصريا والتفصيل حواريا . استأنسنا للنسق ذاته في عديد القصص القصيرة ، مثل : الوفد
/ ولد حليمة / الورقة البيضاء .... وغيرها من النصوص المقترحة .
ويكفينا
فخرا ، أن العمل وقتذاك ، قد حاز على أعجاب المشاهدين واندرج من بين الأعمال
القليلة التي حاولت أن تحتفظ بقدر من الرصانة والمصداقية في احترام ذائقة المتلقي
بشتى مستوياته . ولا يفوتني هنا ، الإشادة بطاقم العمل من ممثلين وفنيين، مع
الاعتراف بفضل مخرج هذه السلسلة ، الفنان
: عبد السلام حسين الذي أضاف إلى العمل
الكثير من خبرته ورؤيته الإخراجية ، و يظل الفضل أولا وأخيرا للأستاذ الكبير على
مصطفى المصراتي الذي أتاحت لنا أعماله أن نُطلّ من خلالها على أنفسنا ، ونرى
وجوهنا عن كثب في مرايا عديدة .