مفتاح العمّاري
الشاعر
النبيل
في حياة القصيدة الليبية
ثمة تجارب فذة ، وقامات سامقة تقتضي الحقيقة إنصافها والاعتراف بدورها المؤثر في
نسيجنا الوجداني ، لأنه يتعذر عليك أن
تدعي توصيف حراك الشعر المعاصر في ليبيا من
دون أن تتوقف كثيرا إزاء المدونة الشعرية للشاعر ( محمد الفقيه صالح ) .. الذي برز
كشاعر يربّي مخيلة تائقة منذ النصف الثاني
من عشرية السبعينيات، عبر الملاحق الثقافية المعروفة آنذاك ، وبصورة خاصة صحيفة
الأسبوع الثقافي التي استطاعت خلال فترة زمنية قصيرة أن تفرض حضورها كمنبر
إعلامي شديد التميز ، حيث كان لها الفضل في تقديم العديد من الشعراء الشباب ، من
أبرزهم طموحا وعمقا ورصانة وتطلعا الشاعر الفذ محمد الفقيه صالح .
فنص الفقيه ، وعبر مسيرة
شعرية سلخت قرابة ثلاثين سنة ، يستدرجك
دائما إلى مناطق بالغة الجمال ، ويضعك من ثم إزاء تجربة لا تملك إلا أن تستسلم
لأسرها وتحترم مسيرتها الحافلة بالمكابدة والحلم والعطاء .. ذلك لأنه شاعر كبير
ومؤثر في حركة المشهد الشعري الليبي ، وأينما يذهب يحظى باحترام ومهابة ، ناهيك عن
حضوره الأكثر تميزا في المحافل الشعرية الخارجية التي تقام عربيا وعالميا، سيما
وأن مكانته الشعرية السامقة لا يختلف عليها اثنان ، فله شغف خاص بالحياة الثقافية
، التي يسهم في تأثيثها إبداعيا ونظريا ، وأيضا له محددات ومفاهيم جمالية في
التعامل مع الكلمات ، إذ يقف دائما على أرض صلبة معبرا عن قيم رصينة ومواقف مشرفة
، وينشغل بالكتابة كهم حقيقي يعبر عن التحقق والإضافة ، مما يؤكد بأنه شاعر خالص-
متنا وسلوكا - ، لهذا ليس من المستغرب أن يكون مُقِلّا في نتاجه ، كذلك ليس
من المستغرب في أن يكرس انشغالا معرفيا بإنماء
مشروعه الشعريّ بهدوء رصين ودربة
مقتدرة .. من دون أن يغفل في الوقت ذاته
عن قراءة ورصد و متابعة مجريات الحراك
الثقافي ، وتقفّي ما يُستجد من مطبوعات ومنشورات ، مع اهتمام بالغ بقراءة
صحافتنا المحلية، ولا سيما لحظة أن تستوقفه قراءة مقال أو نص أبداعي لا
يتوانى عن الاتصال هاتفيا بكاتبه وإبداء وجهة نظره . معجبا ومناقشا باحتفاء الشاعر المنشغل دائما
بهموم الثقافة والإبداع ، فما أحوجنا في هذه الأيام لمثل هذا السلوك الخليق بالمحبة والإكبار ، لكي
نكون دائما أكثر قربا من أنفسنا وإخلاصا لوجداننا .
<>