وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الجمعة، 25 ديسمبر 2015

كارلوس ليسكانو، وعربة المجانين

مفتاح العمّاري

  

عربة المجانين


     في رواية : عربة المجانبن ، لكارلوس ليسكانو يتعلق السرد بدراما سيرة السجن كما يؤكد الوسم التوضيحي على الغلاف الأول كعنوان فرعي ، وأفق منتظر . يقترح المؤلف في هذه السيرة – تقريبا – نفس الخصائص الأسلوبية التي اعتمدها في صياغة مؤلفه ( الكاتب والآخر ) ، من حيث بناء الجملة ، فضلا عن الطابع الاعترافي ، من دون أن يتخلى عن روح الدعابة الساخرة ، كأولية دفاعية ، تمثل أعلى درجات الوعي في مجابهة ضراوة الواقع ومقاومة تلك القساوة اليومية المتمثلة في مظاهر العنف ، كتعذيب جسدي ونفسي . غير أن ليسكانو هنا يلجأ بين الحين والآخر إلى تلك المقاطع ذات الطابع التنظيري ، مستعينا بها لشرح وتحليل السبل الكفيلة بمقاومة مؤسسة السجن ، مشيرا في الوقت ذاته إلى عديد الوسائل المعنوية والبدنية التي تجعل السجين أكثر صمودا ، حفاظا على نفسه من الانهيار النفسي والجسدي . وإزاء  لحظة القراءة تدخلت هذه التحليلات بطريقة اعتراضية أخلّت بفن السرد ، ولكم وددت حينها لو اكتفى المؤلف بترك المعايشة اليومية للوقائع كانخراط درامي لتعبر وحدها عن قساوة التجربة ومكابدة العزلة والتعذيب ، دونما حاجة لأية نظريات من خارج موقع الرواية ، تحتكم  غالبا الى خطابات أخرى تنتمي لحقول معرفية مغايرة كالفلسفة وعلمي النفس والاجتماع .  وفي الأثناء قد استحضرت العديد من التجارب السردية المماثلة ، من بينها مساهمات سردية متفوقة لكتاب عرب  ولا سيما المغاربة ، وهنا أخص بالذكر على سبيل المثال لا الحصر ، رواية  ( العتمة الباهرة ) للطاهر بن جلون ، وأيضا، رواية ( طائر أزرق نادر يحلق معي ) ، ليوسف فاضل . حيث كانت المعايشة الدرامية لأكثر المشاهد ضراوة ووحشية هي من تترجم  عالمها وتشي بفداحة المعاناة لحظة أن يبلغ التغول أقصى مداه في تجسيد ذلك  الحيوان الكامن فينا . بحيث كان السرد ، أبعد أثراً ، وفي الآن نفسه أكثر وفاء لنوعه . هذا فضلا عن جماليات الكتابة وحمولاتها الشعرية .

    لكن ، وعلى الرغم من ذلك يظل لكارلوس ليسكانو ، كروائي اعترافي ، موقعه الخاص ، لما يتميز به من عفوية عالية في صياغته الأسلوبية  ، إضافة إلى تلك الخصيصة التي تجاور بين الرواية والسيرة والسيناريو السينمائي وكتابة اليوميات . وبذا سيحتفظ ليسكانو لنصه بذلك السحر الخفي ، الكفيل  بجذب القراءة واستدراجها إلى أكثر المناطق فتنة وإغواء ،وهذا ما يكسب قراءة أعماله الأدبية متعة خاصة .