مفتاح
العمّاري

عربة المجانين
في رواية : عربة المجانبن ، لكارلوس
ليسكانو يتعلق السرد بدراما سيرة السجن كما يؤكد الوسم التوضيحي على الغلاف الأول
كعنوان فرعي ، وأفق منتظر . يقترح المؤلف في هذه السيرة – تقريبا – نفس الخصائص
الأسلوبية التي اعتمدها في صياغة مؤلفه ( الكاتب والآخر ) ، من حيث بناء الجملة ،
فضلا عن الطابع الاعترافي ، من دون أن يتخلى عن روح الدعابة الساخرة ، كأولية
دفاعية ، تمثل أعلى درجات الوعي في مجابهة ضراوة الواقع ومقاومة تلك القساوة
اليومية المتمثلة في مظاهر العنف ، كتعذيب جسدي ونفسي . غير أن ليسكانو هنا يلجأ
بين الحين والآخر إلى تلك المقاطع ذات الطابع التنظيري ، مستعينا بها لشرح وتحليل
السبل الكفيلة بمقاومة مؤسسة السجن ، مشيرا في الوقت ذاته إلى عديد الوسائل
المعنوية والبدنية التي تجعل السجين أكثر صمودا ، حفاظا على نفسه من الانهيار
النفسي والجسدي . وإزاء لحظة القراءة
تدخلت هذه التحليلات بطريقة اعتراضية أخلّت بفن السرد ، ولكم وددت حينها لو اكتفى
المؤلف بترك المعايشة اليومية للوقائع كانخراط درامي لتعبر وحدها عن قساوة التجربة
ومكابدة العزلة والتعذيب ، دونما حاجة لأية نظريات من خارج موقع الرواية ، تحتكم غالبا الى خطابات أخرى تنتمي لحقول معرفية
مغايرة كالفلسفة وعلمي النفس والاجتماع .
وفي الأثناء قد استحضرت العديد من التجارب السردية المماثلة ، من بينها مساهمات
سردية متفوقة لكتاب عرب ولا سيما المغاربة
، وهنا أخص بالذكر على سبيل المثال لا الحصر ، رواية ( العتمة الباهرة ) للطاهر بن جلون ، وأيضا،
رواية ( طائر أزرق نادر يحلق معي ) ، ليوسف فاضل . حيث كانت المعايشة الدرامية
لأكثر المشاهد ضراوة ووحشية هي من تترجم عالمها وتشي بفداحة المعاناة لحظة أن يبلغ
التغول أقصى مداه في تجسيد ذلك الحيوان
الكامن فينا . بحيث كان السرد ، أبعد أثراً ، وفي الآن نفسه أكثر وفاء لنوعه . هذا
فضلا عن جماليات الكتابة وحمولاتها الشعرية .
لكن ، وعلى الرغم من ذلك يظل لكارلوس ليسكانو
، كروائي اعترافي ، موقعه الخاص ، لما يتميز به من عفوية عالية في صياغته
الأسلوبية ، إضافة إلى تلك الخصيصة التي
تجاور بين الرواية والسيرة والسيناريو السينمائي وكتابة اليوميات . وبذا سيحتفظ
ليسكانو لنصه بذلك السحر الخفي ، الكفيل بجذب
القراءة واستدراجها إلى أكثر المناطق فتنة وإغواء ،وهذا ما يكسب قراءة أعماله
الأدبية متعة خاصة .