مفتاح العمّاري
لا أحد
يصدق أنني طائر
عندما كانت المعاجم خصبة بالجنرالات
كنّا جنودا في معسكرات الريح
نتعلّمُُ برعونةٍ كيف نقتلع أشجار الغابات
ونزرع جثثا طازجة /
نتعلّمُُ لؤمَ الجوع وفضيلة الموت الأصمّ ....
في المعسكرات النائية ذات الأسوار الصفراء
والأبواب الكبيرة الجافة /
أعلم لن يبقى
الاّ الغبار ، لهذا
في مخزن المهملات : غرفة نومي الآمنة ،
استضفت خفية مولانا جلال الدين ،
وغنّيت دونما ضجة /
مبتكرا العديد من الحيل لاصطياد الفئران،
لتظل الكلمات نضرة وصديقة على الدوام ....
وحتى لا يقف الظلام عائقا أمام ضراوة العطر
استجبت مزهوا لحكمة الروائح ....
هازما سلطان العفونة .
ربما لكي لا أنقرض ،كنت أقرأ صفحة من
مولانا قبل الجمع الصباحي ....
لان السعادةَ سَفَر
**
في فايا لارجو *، تعرفتُ على المزيد من
الجثث والذباب الأزرق
غير ملتفت للحيوانات الجائعة ، لنظراتها
المتوحشة /
لكن هذه الحياة الكلبة لا تصغي .
لهذا دعوني أخبركم ..........
عن أكوام القتلى من الجنود الذين تُركُوا
في العراء على الرمال البليدة
في صحراء فايا لارجو ....
عندما ساقونا إلى هناك في
ذلك الخريف الكالح من سنة 1980
أحكي لكم عن عربدة العجاج الغاضب
وفطوم ، تلك السوداء الناهدة وعطرها الجامح
عن عيسى راعي الماعز ، الذي سرق طحيننا وزيتنا ليختفي فجأة
عن رفاقي في دورية الاستطلاع الذين احترقوا
داخل عربة البي تي آر
عن أشياء كثيرة لم أعد أفهمها
لأنني الآن ،
أنا هنا كما أظن .
هنا ، حيث لا احد يا حبيبتي يصدق أنني طائر
فما الضير إن تركت للكلمة حرية الصمت ،
لتحط على شجرة أو حبل غسيل أو غيمة
يكفي أن تومئ وهي تغادر العش
فيما هؤلاء العابسون الذين يكرهون الموسيقى
يرونني محض ظلّ أعوج سقط من حكاية مُعاقة
ليس ذلك خطأي إن لم أملك من متاع الدنيا
غير عكّازين وسماء
قاحلة تحملني على نقالات
مهدّما من الداخل مثل أحلام مهجورة .
أجل ، ليس خطأي يا حبيبتي
إن عدت من الحرب أغنية مبتورة الأطراف
سقطت من جراب متسول أعمى
أو تركها سكير، تنسكب على أرضية بلاد قذرة .
___
*فايا لارجو : مدينة في
الشمال التشادي .