مفتاح العمّاري
هنا فضاء بأسره ينفتح على الشعر ، لكأن
الشعر هو الطاقة الخفية لهكذا عالم متخيل ، الى الحد الذي يذهب فيه السؤال - على لسان : ساعي البريد ، في احدى تجااذباته
، مع بابلو نيرودا – ما اذا كانت كل موجودات هذا الكون محض مجازات . أو هي بالأحرى
، استعارات لشيء ما ، السؤال الذي حيّر الشاعر ,
إن ( انطونيو سكارميتا) ، في باكورته الروائية ( ساعي بريد نيرودا ) ، لن
يدعك تلتقط أنفاسك . رواية جامحة ومتقدة وقلقة ، تنهمر أحيانا بسذاجة ، وأخرى
بشهوانية عارمة ، فقط لأن الشعر أراد لهذا الجزء الآدمي من الحيوان أن يكون حالما
بعنف .
في بساطة فادحة زجّ ( سكارميتا ) بكل شيء في هذا
الحيز الحي ، والذي يدين بنبضه للقصيدة وحدها : الحب ، والسياسة ، والعنف ،
والخراب ، والحياة ، والموت : خلطات عجيبة تُطبخ بشعرية بارعة ، ومسرودات لها ما
لها من سحر اللغة وتحليق مخيلتها ، إلى حدّ يتعذر معه الفصل بين الشعر
والواقع .
لن
أمجّد مشيئة الصدف التي ربطت قدر ساعي البريد ، الفتى البائس والكسول والحالم ،
بشاعر تشيلي العظيم ( بابلو نيرودا ) ،
وبالمثل سلطان الحب الذي جمعه بالجميلة
بياثريت .. كما لن أسهب في إعادة أيما
سرد لوقائع وأحداث تتعلق بتاريخ تشيلي السياسي
في مطلع عشرية السبعينات من القرن الماضي ، وتلك المؤامرة التي أطاحت
بسلفادور ألنيدي، لأن كل هذه الثيمات -
بما فيها لغات النوم والجسد والطبيعة – ما هي إلا ظلال رحيمة للكلمة الشاعرة التي
بثها الشاعر في روح العالم . فقط أردت هنا
- كما هي عادتي دائما مع الكتب الأثيرة – توثيق لحظة قراءتي لهذه الرواية
الآسرة .