وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الخميس، 6 أغسطس 2015

عبد الكاتب *

مفتاح العمّاري

_____________ عبد الكاتب




اللوحة للتشكيلي السوداني أحمد عبدالعال



أنَا عبدُ الكاتب،
 لا الكاتب .
هجرتني الأسماءُ،
وأضحت  لُغتي تعتعةَ  مجاز
 يُشبه نشازَ هذا المتن السكران .
أنا عبدُ الكاتب :
الكلامُ الذي يهجرني أهمله ردحاً ،
 حتى يعودَ أقلَّ ، فأقلّ .
ما يهجرني أضعُه على رفّ بين بكائين ضدّين ..
أمحوهُ كي لا أذكر شيئاً  فيه يُغويني ،
أحقنه بسهو ماكر يصعبُ كشفَ نباهته
ثم أمحقهُ بهدوء
دون أن تتألمَ رؤوسُ عناويني .
**
لست الكاتب
أنا عبدٌ خطّاط ..
بل محض ظلّ يتبلّلُ بأورام تستيقظُ وقتَ النوم
لا حيلةَ لي ،
سوى أن أحلُمَ مثل كل المرضى الفقراء التبّاعين
وأكون هزيلاً يَتَحامَقُ
 حتى لا يُلفت حقدَ الجلادين فَيُجلد .
**
لست أنا
 من يكتب مثل هذا اللغو الأعجف
أنا متني أبلغُ عنفاً من كل ما ساقته مخيلةُ العرافين
 أنا فقط / كما قلت / أنا عبدُ الكاتب
و إن دونت الآن ما يُملَى
ورسمت  ما تهمسُه شفاهُ المتوحّد
 وما ظنته أذني كلاماً صاغتُه الرعشةُ فوقَ الريح
أو تحت جدار قاتم حين تتململ بعضً الأشياء وتطير
حيث يتحرّش حرفي الباسلُ بما يثير فتنتَه
 فأمهله حينا
حتى يصحو مولاي من غفوة سلطان  الوحي،
 فَيُوحَى الشيءُ عندي
 لا عند شيخي الأهبل /
فأصوغ من معدنه السريّ نقشاً لا أفهمه
أو اعرف كيف أُفشيه ..
فقد ظل ليلي دهراً حبيسَ قوافيه .
**
أنا  عبدُ الكاتب .
 حين يُؤذَّن للمغرب ..
أقومُ مثلي مثل مُضاف ، كي أتبعَ
 نظامَ سيدنا ..
أقفُ وراءَ فخامة ضمّته حين يكون مرفوع الرأس ..
وانتظرُ أن يسجدَ فأنكسرُ معقوفاً
 وأنا على حذر من قافية كوعيه
خشية أن تفضحني العابُ وسواسي
  فأكتبُ خارج عتمته
في الليل
وأتلو في الصبح كلامَ الليل يقيناً  :
أنا الخطاطُ لا عبد الكاتب ،
قد بدا خطي الآن أجمل ، فأجمل ،
لأن شيخي كعادته  ظلّ يتخرأ  .
وأنا لا أُخفي شماتة شغفي برؤيته منقوعاً في أعنف حالات تفسّخه ،
 لمّا يتفوّق بهاءُ خطوطي على قبح معانيه ....
 وأكون حيناً قد عتقتُ رئتي قليلاً  لتتنفس نسائمَ حبري
  لا غائط سيدنا الكاتب
فأكتبُ ما يُضمره الخطّ بين
 مسارب أحرفه الثمانية والعشرين ، حرفا ، حرفا ..
وأعرفُ كيف أتدبّرُ أخفاءَ مخلوقاتي بحنكة خطاط  نكرة ،
 يتوارى حين تظهرُ أسنانُ الشيخ من بين  سحب الأرقيلة ..
وأعرف أيضاً أنّ ما من شيء يَبقى غير المخفيّ الخافي .
 لهذا تحملّتُ كثيراً ضيمَ رئيسي الأخرق وهو ما برحَ يظنُّ
أني رهين غرور فخامته الهشّة .
**
 الآن أنا الكاتبُ ،
 يلزمني خطاط أعمى يتبعني ..
 يجيدُ فنَّ الإصغاء لا وهمَ الخطّاطين .
______
كاتنزارو
24/ 5/2008  
* من قصائد المجموعة الشعرية ( مدونة النثر الليبي )