وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الخميس، 6 أغسطس 2015

النثر الليبي ( 7 )

مفتاح العمّاري 


النثر الليبي





*عندما  تنتشر الأورامُ في أحشاءِ الجندي، ويفقد نصف غبطته
بين (فايا  لارجو )  و ( أبشا )؛
أي برهان ينتظره العطشُ في قبضةِ التيه.
فما الغربان تلك إلاّ بوصلة جثثٍ لم تحظ بكرامة الدفن.
أعني قبل أن تنتشر الكلاشنكوف والثكنات والسجون،
 وتتعسكر البراهين،
قبل (هيلوكست الديمو كراسي)
وشيوع هرطقات الفاسية
 وشعوذات الشيخ زبير
             ""    ""     ""
* هكذا فكّّرت بما يكفي أثناء حرب التحرير،
غير مصدّق أن يحدث كل هذا الدمار
لمجرد علاقة مشبوهة بين جنرال مخبول وفكرة داعرة.
 في الرجفة تلك،
 تختلجُ قصيدةٌ أملكها وأخرى خسرتها في حرب تشاد.

لهذا أضيفُ أحذيتي الثقيلة لنفايات الخيبة وأنا أتساءل  
:هل خضتُ كلّ حروبي لكي أنظرإلى  حبال الغسيل وقد تقوست من ثقل الأسى، 
وفتاتي الأولى، حيث الدماء والأناشيد  بركة ضوءٍ في ربيعِ التكبير،
حيث لا مفرّ من (فجرِ أوديسا) ليبزغ (فجر عروس البحر).
 
كنا نصلّي تحت القصفِ  من دون أن يرفّ لنا جفن
كان دمنا حاراً، وقيمنا العظيمة ترفضُ التزلّف
فمن الكفرِ أن نركعَ لغير الله .

             ""      ""     ""
*هكذا يُحيرني سردُ الآلام  أيّها الآسر،
 عندما يكون العالمُ خائناً لآدميته
هكذا أو أبشع مما في هذه الخاطرةِ  من ترّهات
قبل 17 فبراير باثنتين وأربعين سنة،
حيث يتعذّر على المخيلةِ التنعّم  بهبةِ السفرِ و الغناءِ،
 والحفرِ على خشبِ الطمأنينة.

كأن ليبيا لم توجد إلا بهوسِ الجنرال، كما يدّعي الجنرال.
 أكثر من أربعين سنة، انتظرنا سماءً نتدثرُ بغيومِها،
 أربعين سنة، والحريةُ تُعدّ ضالةً ومجنونة،
 لكن ما هو ضال  يعودُ أخيراً لمنزل العائلة /

لأنّ الكلمةُ مهما جُمّدت، ستحتفظُ ببذرةِ النور.
 صباحُ الوردِ  يا ليبيا، ستومضُ البروقُ لتقود السحبَ الجافلةَ
 خارج منفاها . 
             ""     ""     ""

*نعم يا بنيّ، كانت لدينا رحى
وأرغفة وكلمات ومرايا  نظيفة 
كل صورةٍ لحلمٍ أو طائرٍ أو حديقةٍ  بعد اثنتين و أربعين سنة،
 ستضيفُ المزيدَ من الحطبِ  حتى لا تذوب ظلالُها في عناصر الليل،
فمن أي  جبّ للخديعةِ طلع(جنرالُ  الجيشِ الميت) لكي
يطفئ النوافذَ والأغاني ويمزّق أوصالَ الحكايات ويحطّم
 الكواكب المشعة.
  
ما من شجرة غشيمة إلا وطالتها فأسٌ غاشمةٌ،
ما من مسجد آمن إلاّ ودكّته الصواريخ 
ما من عصفور أو طفل خضّته فرقعاتُ القنابل إلاّ وَبَكي
حتى فقدت الحكمةُ عروتها الوثقى.

خمسون ألف حياة أو أكثر، لم تنتظر حفلة إعدامِ الطاغية
خمسون ألف حكاية أخرى صارت أرقاماً وصوراً في المزارات
خمسون ألف ليبي ينضمون إلى التاريخ  بشفاهٍ باسمة
لكن من أين لك أيّها الشاعرُ،أعني كيف ستجرؤ أيها العليلُ
 على سرد أسطورة شعبك؛من دون إشارةٍ لسيرِ اللصوصِ، وتجارِ الأيديولوجيات المريضةِ،
ودهاقنة الفتنة؟
                         ""      ""     "" 

*يا الله،
 ما الذي يجعل هذا الكائن أكثر إيغالاً في تنضيد ذخيرته،
بينما لا أحد في هذا الحفل السكران مازال يتذكر من هو الشاعر 
لأن الخمسين ألف كلمة مهما تعاظم نثرُها لن تُحدث خدشاً في أسوارِ
 باب العزيزية
حيث لا خندق للشعرِ في ثقافةِ الجياع
فكيف سيجمع الشاعرُ بين رغيفٍ وقصيدة 
 بين جناحٍ  وزوبعة
وقد أمسى الجنرالُ وحشاً  وحيداً يتربّص بنجم عاشقٍ
 أو وردةٍ شاردة.
فلا مصير غير الذبح أو المنفى
ولا شيء غير ظلامٍ مستبد يمجّدُ لونَه الواحد.
إذاً، كيف لا  تنعي النخلةُ  تاريخَها  الدامي،
وهي أمٌّ الشجرِ وسيدةُ البساتين 
كيف لا  تبكي وتخاف 
وقد ضاقت الحريةُ بما رحبت، وفرضت النيرانُ براهينها
الحريةُ، وهي تدرك جيداً فداحة غيابها،
 لم تكن منصفة  في توزيع كنوز حكمتها على الليبيين
أبدًا ليست منصفة في يومٍ ما. 

______________________________________    
طرابلس
أكتوبر 2011