مفتاح
العمّاري
باب بن غشير *
لا تترك حلمك ينمو في الظل ، لأن الحياة َفي
(باب بِنْ غشّير ) شمسٌ صغيرةٌ ، في قصيدة أو نافذة أو لعبة طفل ، لذا لا تتألم علانية إمام الفراغ ، أو تقف
طويلا في المطر قبالة الريح .
في ( باب بن غشير ) سواء كانت شرفتك مشرعة ، أو
مغلقة على الدوام ، سواء ظلت ثيابك تجفف
بحرارة الود ،أو تنشر على حبال العتمة ، سواء كنت أكثر تصالحا أو أقلّ ، حين
تستيقظ على ضوضاء زبائن مطعم البيض المقلي، حيث لن تجسر على فتح نوافذك صباحا
لتجديد الهواء ، محتفظا بأنفاس الليل ،إلى
ما بعد الظهر ، خشية أن تغزو شقتك رائحة الزيت المحروق .. سواء كنت تفهم أو لا تفهم ، حين تهبط إلى الشارع ، لأي أمر تقرأ العيون
بفضول خارطةَ وجهك ، فقط ستجلب خبزا من أقرب فرن ، وأربع علب زبادي نسيم ، وعلبة
تن تايواني ، وقنينة ماء سعة 7
لتر ، ستجد كل شيء قريبا ومتاحا في ( باب بن غشير ) : الأفران ، والمساجد ، ومراكز الشرطة والمطافئ ، والعيادات العامة
والخاصة ، وباعة الخضر ، والقصابين، والمطاعم ، والمقاهي ، والحلاقين ، والصيدليات
، ومختبرات التحاليل الطبية ، ومحال البقالة ، والسجائر ،والهواتف ، وأقراص
الموسيقى ، والمواد المنزلية ،
والكهربائية، وقطع غيار السيارات ،
والألعاب ،والملابس ، والأحذية ، والزينة،
والخردوات ، والحلويات ، والسفنز ،
ومقاهي النت ،ومكاتب محرري العقود،
والخدمات العامة ، ومعارض السيارت ، وصالات الأعراس ، ومحطات البنزين ،
ومقار الشركات ، وورش الميكانيكا ، وباعة الورد . في( باب بن غشير ) ، ستصادف
المتسكعين ، ومشجعي كرة القدم ، والبنات المحجّبات ، والمتسولين ، والضوضاء
،والسيارات المسرعة ، وشرطة المرور ،
والشمس ، والريح ، والمطر ، و
الحدائق الكالحة ، والخط ولوّح ، والنفايات .. كل شي يخطر في بالك ستجده في ( باب
بن غشير ) ..إلاّ باعة الصحف ، فهم لا محلّ لهم من إعراب الشوارع ،التي لن تعبأ
بمرورك الخجول، وأنت تبحث عن جريدة أو كتاب ، أو قصيدة تائهة ، حيث يتعين عليك أن تستنفر ذاكرة جيوبك مفتّشا عن نصف دينار إضافي، أجرة (
الايفكو ) ، بعد أن قررت أخيرا أن تجلب
جريدتك من مكتبة شارع الوادي ، كذلك لن
يفهم الرصيف هنا أيما نثر ، سوى ما تغدقه
على ثيابك عجلات العربات المسرعة من نثر غدران المطر ، أو برك المجاري .. ولن تعبأ
بك أشارات المرور ، سواء كنت منتبها أو شاردا ، يقظا أو غافلا ، طفلا أو شيخا، وسوف تجد صعوبة أكثر على قطع
الشارع إذا كنت عليلا . في ( باب بن غشير
) ، لا أحد يعبأ بعبورك أو غيابك ، فدائما ثمة ظلّ كسول ، وبقعة شمس صغيرة تسترخي على ضفاف الذاكرة . في باب بن غشير ، ولأمر ما، ستتألم بأسى وأنت تمشي عائدا إلى شقتك بعد طواف عقيم
.. تتألم لأن ثمة ما تجهله ، يحدث في باب
بن غشير .
____
من اجياء طرابلس .