وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الجمعة، 21 أغسطس 2015

رئة


مفتاح العمّاري

رئة .. 





       النافذة اكتشاف جميل لتجديد هواء الغرف  وإضافة  الكثير أو  القليل من الضوء لتذويب  فتامة العتمة . النافذة أيضا إطلالة مريحة على الخارج تتيح قدرا من العلاقة مع المحيط  وعبرها يمكن التعرف على ما يحدث في الشارع  أو الفضاء الخارجي  حيث  يمكن إذا شئنا أن نجعل إطلالتها تفضي إلى حديقة أو بستان  أو نهر .. وأن تطلّ على كل  ما هو جميل ومبهج لكي نتيح للنظر فسحة للصلاة  والتأمل في تجليات لا حصر  لها تجعل الحياة أكثر  أمنا وطمأنينة .بغض النظر عن الجهات الأربع حيث يمكن لصاحب المنزل إذا شاء ابتكار جهة خامسة أو سادسة من دون الإخلال بشروط التصالح مع ضوء الشمس .  لهذا وذاك لا نجد أية غرابة في أن تحتل النافذة حيزا مهما من شغف مهندسي العمارة ، فوهبوا لها  أشكالا متنوعة وتخطيطات مختلفة ، وزينوا جنباتها وحوافها بالرخام والنقوش والزخارف ، كما  أنشعل بها المبدعون من شعراء ورسامين ، واختزلوها في إشارات اتخذت مجازات شتى من بلاغة اللون وأعجاز الصور التي ابتكرتها المخيلة .  ولأن النافذة هي رئة المنزل اكتسبت هيئتها ملامح غاية في البهاء عندما اخترعت لها ربة البيت الستائر والشراشف المزينة  بالأزاهير و فسيفساء الألوان القزحية . وعلى الرغم من أن تاريخية النافذة بدأت فقيرة  وساذجة من حيت  خصائصها الجمالية  غير أن فن العمارة وعبر مسيرة تطوره  التي راكمت العديد من الخبرات والتجارب  قد  أضاف للنافذة طابعا فنيا بالغ الخصوبة والثراء ..  باعتبارها جزءا حيويا من فضاء حميم ومكان أثير ..  ويتعذّر أن تجد بناية من دون نوافذ أو شرفات ..  فحتى السجون قد  حرص مصمموها على ترك كوى صغيرة بحجم الكفّ الآدمية لكي تتنفس زنازينها . ونحن إذا لزم الأمر  قد نتفق دونما قيد أو شرط على إقفال نوافذنا بإحكام بالغ القساوة  عندما تكون عرضة لغزو الغبار والحشرات والهواء الملوث ..   وقد نتفق أيضا على  حمايتها بقضبان من الحديد الصلب .. كذلك بأن نضيف إلى أبوابها المزيد من الأقفال عندما نرتاب في نوايا اللصوص  ومخططات القراصنة ...  قد نتفق أيضا حين نستشعر خطورة ما تهدد أمننا على إلغاء النوافذ من خرائط بيوتنا وقصائدنا ومخيلاتنا . 
لكن بالقدر الذي يترك لنا حدا  أدنى من الهواء النقي  ..  حتى لا نختنق .
¨