مفتاح العمّاري
السلطانة
وجهُكِ رائحةُ نار
سفرُ أغنيةٍ تتنفّسُ وحيدة .
كل تلك الحروب كانت
لأن وجهكِ غنيمةُ نظر
لأن الله ألقي سماءه في
عينيكِ
ووطَّنَ ياقوتَ حكمته في
فمكِ .
فيا لفمك وأنتِ تصنعين معجزةَ السيفِ
من
بضع كلمات .
ليظلّ وجهُكِ الوحيد
من ينتظره التائهون في نومهم
ويصنع الأطفالُ من ضحكاته
مراكب لعب ، يتسرّبُ البخارُ
من مسام بهجتها اللامعة
وجهكِ :
وجهُ شاعرٍ فتيّ يجلس خلف قصيدته
يفقأ صورَ الأيامِ وهي تعبر ساكنيها ...
يا له جدائل من ظلام مقدّس
يا له قساوة ظلّ ،
هذا الواحد الذي وجهكِ
لمّا يكبو بين اللغات
لكي يعيدَ المطرَ إلى النوافذ
ويعتق الغابة من وحشة أسمائها الجائعة .
**
وجهك
أكبر من أن تحبسه حديقةُ
الدلالات
في قارورةِ عطرها .
وجهك لا يسمّى ،
ولا يمس .
وكلّما هتف الشعراءُ
كان سراباً يسابقُ برقَ
الحضارات ،
كان طوفانا من الحمّى ،
يتدفّق من فجاج الملاحم ،
كان جيشاً ضائعاً يقتفي أثر الصهيل ،
كان تاريخاً يصعدُ جبالاً عظيمةً من الخرائط ،
كان وجها آخر
يختفي وراء أكمّة المعاجم ،
متربصا ذئابَ الريحِ وهي تعوي فوق الذرى
يا له حنين كاسر وجهك
وهو يخطف الألوان والإشارات
والصور .
يا له جدار من مهابة جموع خجولة
حين يزهو
ساحباً المحيطاتِ من خياشيمها
النازفة
**
وجهُ أُمّ
تلدُ المستقبلَ تحت نخلة الواهب
وجهُ موسيقى تغسلُ وحشةَ الليل ..
وجهُ صلاة في زنزانة تشظّت بين فولاذها أوصافُ الشمسِ
وجهُ طفلٍ يبحثُ عن أمّه في صور التلفاز
وجهُ ربيع مبلل برذاذ حكاية
ممزقة
وجه نبيّ يتشبث بأطراف عزلته
.
لهذا ، حيثما أذهب
أسمع وجهَكِ يخفق خلف زجاج
الخيال
وعطرَكِ يتفتّح قوياً
من المجازات الحارة .
أرى تلاميذ المدارس
يحملون حقائب الغيم
فوق ظهورهم النحيفة
**
لكن من أين لي تلك الفصاحة
لكي أوطّن ما تمرد من كلام
وأقول وجهك كعبة الحلم
وأمجّد أصابعي معتذرا
بخشوع العابد عن ملامسة السديم
وهو يهطل من سماء شعرك أيتها
التي لا تُرَى .
يا أشارة ليل
لها ألفٌ يقفلُ الاسمَ الذي لا يُثنََّى ...
طارَ السقفُ
طار الحيُّ ولَمْ يعد قبرٌ
هُنا /
طارت الستائرُ
والمخدّاتُ والمرايا
وظل وجهكِ يخمش برودةَ الهواتف ،
ويذوّبُ ملحَ براءته .
طارَ الألفُ من برجِ عقربه ،
وضاقت طرابلس بوزرِ أنوثتها .
**
يا وجه ليل تخفّى في حليبِ نزوته ..
أين أنا ؟.
طارتْ الخوذُ والنجومُ والدفاترُ
ولم يبق من بريقِ الحُلم سوى
ظلٍّ يخبو لوجهها .
____
طرابلس خريف 2002
* من المجموعة الشعرية ( السلطانة ) .