وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الاثنين، 27 يوليو 2015

مدونة الطير



مفتاح العمّاري


مدونة الطير




" أوقفني وقال إن لم ترني لم تكن بي.
وقال لي أن رأيت غيري لم ترني. "
< النفري ، من موقف قد جاء وقتي >



 (1)
في التيه ..
ولدَ الشاعرُ والذئب  .
سلخَ الهدهدُ ثلاثةَ فصول ،
ليصل إلى تخوم الصيف الخفيّة  :
أيها الحكيم  ،  رأيتُ السّالكَ  يخرج من وحلِ الغافل  ،
له بلاغة السيف وحدّ المعنى .
رأيتُ الأشجارَ  أجنحةً  تنتظر البرق .
والبحرَ خمسَ ضفافٍ للملح .
رأيت الكوخ الصغير الذي رسمته يد طفلة ناعسة
يسبح في سماء صفراء .
في التيه ..
قطعوا سرّة الشاعر بِكْر أمِّه وذراعَ أبيه،
وتركوا الذئب يعوي .
فتحوا بريدَ الغابات والأساطير ،
وتركوا الذئبَ يعوي .
جابوا الأسواقَ والبساتين ، لكي يظفروا برمّانٍ في غير موسمه ،
وتركوا الذئبَ يعوي .
سلخوا معرفة الجبال ، وحصدوا حكمة البراري ،
ناموا في عراء الفاقة فخورين بالضحك
والذئبُ يعوي .

(2)
في التيه ..
برجُ ريح ،
يستدرجُ المواقدَ لخبزه .
طابورٌ خامسٌ يعمل في سلك الزوابع خاطفة العطرِ وبذورِ الموسيقى .
كل وتر تنقرهُ الخفةُ يتقطّع على ضفافِ الوجع .

(3)
في التيه ..
ليس الشاعر حدثا يُحْتفى به  .
لكن يوم ختانه  صادف  ذكرى  المولد النبويّ ،
نحروا جملاً عند ضريح  سيدي عبد الجليل،
جلبوا جرارَ الماء من العيونِ النائمة ،
وتركوا الذئبَ يعوي .
طافتْ فرقُ الحضرةِ عبر الشوارع الكالحة ،
تَقْرعُ الدفوفَ وترفعُ المدائحَ والأعلام ،
محفوفة بالصبيانِ والعيّارين والدراويش وحملةِ المباخر .
يُرشّ المنشدون بماء الزهرِ كلّما مروا بمحاذاةِ  الدكاكين .
لم أذهب طويلاً  يا مولاي وراء مواكب المديحِ والبخور ،
لأن إخوةَ الطيرِ هبطوا راقصين وقد أغراهم السمر ،
فالنوم يُعدّ مروقا ، لأن القمرَ يُزهر على ذرى الأحلامِ الفقيرة .
وُلدت النجومُ توائم ، وظلّ الحلمُ اخضر .
وزّعوا اللحمَ وفطائر الزيت ،
وسكبوا شاي النعناع في طاسات صغيرة .

(4)
في التيه ..
كَبُر الشاعرُ والجنديُ يا مولاي ، والذئبُ يعوي ،
لم يهدأ ، حتى أضرموا معاجمَ العشقِ، واحترقتْ أًصابعُ الخيال .
كل عذراء اشرأبتْ خلف الكتانِ حلمةُ نشيدِها .
فيما الثكناتُ ترسمُ خرائطَ النفير  .
خفقت الراياتُ الفتيةُ وتدحرج صوتُ البوق .
جنديّ زاحفٌ إلى الموتِ في جيبهِ كلمةٌ ،
شاعرٌ عليلٌ في قلبه طفلٌ ينتزعُ لعبته من فوضى الألوان،
في حلقه امرأةٌ تغرز جثةَ الشعر بالدبابيس ،
في نسيانه خديعةٌ تكحّل سوءتها بحبرٍ مغشوش ،
في عينيه سكبت الشمسُ قارةً من اليقين ،
تركت أرضاً محروقةً ونملاً يتعرّشُ بالأهداب .
شاعرٌ أعمى ...............

(5)
في التيه  يا مولاي : حلّقت فوق منازل العنكبوت،
رأيت ابنة الرماد ،
التي خالط دخانها لسان الشعر ، وسقف العشير  ،
 واسم الكتاب.

 (6)
في التيه ..
تستيقظ توتةُ فمها هذي الفاتنةُ ،
حين تنده يا مولاي :
هي حديقةُ نزوات ،
مطرٌ برتقالي ،
شَعْرٌ من نارٍ  تتلون ،
شفقُ وردٍ ، في صحنِ قمرٍ  مغسول ،
تفاحٌ ماكرٌ  يحتلّّ حديقةَ خديها ،
غيبوبةُ حمّى ،
موجةٌ وضفةٌ من خلطةِ عشقٍ مخمور .
تَنْدهُ :
خُذني من أعلى ذروةٍ ترتعشُ بين أصابع فخامتك ،
خذني ولا تعبأ بعواء المعلولِ ،
دعه لوجاره  يتلوّى بين خرابين ، وأغثني
أنا طريدتُك وكنزُ رحيلِكَ ....
أغثني أيها الباشقُ
ولا تختلط عليّ كثيراً فتضيع  بعيدا عن صدري ،
أو  تخمد فحولتك في غزو أوديتي ،
لا أفهمك ، سبحان هديرك يا رعد،
يا إبرةَ ثوبي و برقَ جبيني
يا غايةَ وطري ، ومنقذَ جرفي من لغوِ السيل
لا أفهم  :
 تصعدُ في أرجائي ضراوةُ نبيذ ك،
رحلةُ شفقٍ أحمر  تغمرني .
أنت عنترة  : أنا   غمدُ سيفك ..
أنت المتنبي: أنا مدارُ قصيدك  ،
قوافيك بعيدا عني ،
شتاتٌ من حجّاج  يُطوفون  بلا كعبة .
سبحانك يا هذا البارق ،
سبحان  قضي ّ وقضيضك، كمّلني أوكُلْني
اقبّل سماءَ نعليكَ خذني بأسنانكَ قوياً ، ولا تعبأ بعواء الذئب .
أربعون زمهريراً في بئري ،
أنا الشتاءُ ، البردُ نشيجُ سُكّاني
فخذني قوياً أني أريدُك ،
أريدُ أن ينصهرَ صقيعي في كانونِ جحيمك يا بيتَ النار
أن تتوهّجَ شهقةُ كهفي في عسلِ بركانك
يا جسرَ ماءٍ وجمرٍ بين قبّتين
أين بعثرت فضّتكَ يا سلطانَ الضوء
أنا سلّةُ ليلٍ ،
وفاكهةُ  سرّ ،
أنا فمُكَ
يا كأسَ العابرِ 
فلا تنبذ صدري ،فيذبل فستاني ،
لا تثمل أيها المخرّبُ  هندسةَ النهدِ
خارجَ حانتنا أو تعبث بغمّازة خيالكَ
 سكران  في شرفةِ ملهمةٍ أخرى
ثم تأتيني تعتعةً  ،
لا تفقه عطري من عرقي .
خذني ، ولا تلتفت لعواء  الخلّب .
(7)
بعد قليل يا مولاي
 قال الذئبُ  ،
وهو يقودُ القطيعَ إلى مخيلةِ الفناء
 : قفْ يا اسمَ التيه ،
مزقتني المساربُ .
وهذا ما رأيت .

___ 

*برلين شتاء 2009