وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الأحد، 26 يوليو 2015

حلقة مفاتيح



مفتاح العمّاري


حلقة مفاتيح




      ما يجمعنا أيّتها الشقيقة ، أكبر من أن يلخّّص في بضع كلمات . فمنذ ربع قرن عندما لم يبق على رصيف الوطن سوى الشعراء وحدهم ، ينثرون أحلامهم في حقول الريح  ..  التقينا  بمشيئة الخيال البهيّ ،  يومها ،  كنا نقترف الحياة  بشفاه المستقبل .  فهل يحتاج نمو القصائد إلى مبرر لحظة أن تترعرع في رحمها المدن والحدائق والموسيقى  وباقات الفرح   ،  هل يحتاج الشاعر إلى براهين  سوى أن يكون كما هو وكفى، خجولا وعفويا وتائقا ووفيا بهدوء . هل ثمة داع لاختلاق ضجة ما ، لكي نعبر عن إخلاصنا . فهل بالضرورة أن أعتذر  عن كسل وراثي ، تغريني مفاتن تأمله ،أو خطفة خمول جميل ، يظلّ دائما  أكبر من أن يوصف حين أتواطأ مع كائناته مأخوذا بتلك النشوة التي تمحو ملامح الأرقام  ، وتنسيني تكتكات الوقت وهو يركض حثيثا – لست أدري إلى أين -. اعترف دائما ، واكرر الاعتراف – دونما غضاضة -  في حضرة قصائدي وبناتي وحبيباتي  وجلاّسي الخلّص ،  بأنك قبل ربع قرن قد سلمتني حلقة مفاتيح لأبواب طرابلس  ، التي وطأتها  ذات صباح شتوي مطير ،  بهيئة جندي سعيد الحظ ، منتعلا حذائي الثقيل المعفر بطمي الفاقة ، مرتبكا في بدلة الشغل الخضراء ،  ضاجا بالخجل وعطن الثكنات  وزعتر الجبل الأخضر ، وغبار الصحراء البعيدة  ودخان الحروب . لم أفكر لحظتها بأن ذلك اليوم سيكون الإشارة التي ستفتح لي نوافذ لم أحلم بها ،  وعتبات مباركة للتعرف على  الأسماء الأولى ، والرؤية  عن كثب لشرفات السحر وهي تهطل بالنور والمواعيد الحميمة  ،وأن أتذوّق ثمرة اللوتس تلك التي تجبّ ما قبلها من  مفاوز  ومحطات .  منذ تلك الإشارة عشقت طرابلس ، هذه الفتية الأمّارة بالخيال .  فهل يلزمنا الخلان الأوفياء ، أن نعتذر عن أخطاء لم نقترفها ؟ ثم ما ضرّ أن عدت قليلا  الى الصبا ، واستمتعت للحظات بطعم الزهو ، بعد تلك الحشود الهائلة  من المكابدات التي تصرّمت نصف أسرارها . ما ضرّ أن سهوت ، أو تأجل الوعد قليلا .. ؟  سيما وأن عروس البحر قد وهبتني قبل هنيهة  ، وبإصرار سخيّ لا يقاوم : الرنيم الذي يختزل المسافة بين الحلم وبيني . الرنيم ذاته الذي كان طرفا مسئولا عن إيقاظ الأحلام من سباتها الغشيم  . فهل ثمة ما يقصم الوعد ، حين أعود إلى ديار الصوت المبارك  ، محيارا ، لا مهيافا  .. صادقا لا أفّاكا ، أترصّد شغاف  الطريق إلى ذاكرة الشعر ،  مقتفيا العناوين نفسها  ، التي قد تطفئ أبواب مودتها  ، وربّما تبتسم هواتفها أو تلوي بوزها ، أو يتعذر حدس مزاجها الحراري ( كأن يتقمص دفئها  دواميس من زمهرير ) .. فأنصرف في آخر المطاف  خائبا ، وغافلا  كالعادة عن ما يؤجل المواعيد  .   


¨