مفتاح العمّاري
تغيير
العالم
تقول الحكاية :
ثمة شاعر سامق ، حلم في برهة ما ، بضرورة تغيير العالم ، معتقدا
في الوقت ذاته بأن بضعة قصائد تائقة في
مقدورها أن تقلب معايير الكون من التخلّف إلى التقدّم . لهذا شرع يسعى دونما كلل أو ملل إلى تحقيق مأربه ، ودأب
في كل حوار أو مقابلة صحفية أو إذاعية يكرر -
وبإصرار عنيد - تأكيد انشغاله بضرورة هذا التبديل ، لكي تغدو الحياة – حسب زعمه - أكثر أمنا وطمأنينة وجمالا ، وكأنه قد أيقن ،
وبقناعة راسخة بأنه يحمل رؤى جديدة لعالم بديل ،
لا قهر ولا اغماط فيه . وهكذا تنامي معه
هذا الهاجس ملاحقا إيّاه حتى في نومه . ولأن الأفكار والرؤى ، شأنها شأن الكائنات
الحية ما تلبث أن تنمو ، وجد الشاعر
السامق نفسه مع مرور الأيام قد تواطأ مع هواجسه الجميلة إلى الحدّ الذي لا رجعة فيه ، وظل لزمن طويل هذا شانه ، من دون أن يبلغ
شأوا ما .. أو يحقق ما يصبو إليه من طموح التغيير الذي يحلم به ، لاسيما في عصر
متعولم لم يعد فيه للمنتوج الأدبي - سواء
كان شعر أو نثرا - تلك الحظوة ، والمكانة اللائقة . ونحن هنا إذ نسوق هذه الحكاية العجيبة لا
يخالجنا أي ريب في قضية تغيير العالم التي
جعل منها الشاعر الفذّ ديدنه الدائم ، وشغله الشاغل ، وأنها تعد من القضايا
الكبيرة ، والمهام الجسام التي يتعذر تحقيقها ببضعة قصائد .. ذلك ، لأنّ الشاعر المهووس بالتغيير ، قد
طفق في تكريس هذه القضية الكبيرة .. وأضحى يعدها من أولويات أجندته ذات القضايا المصيرية . غير أن هذه المسالة المستعصية ، قد تفاقم قلقها من دون أية جدوى، وهيمن طغيانها
على أفكار شاعرنا ، إلى الحد الذي أهمل فيه رعاية أسرته الصغيرة ، وغض الطرف عن
متطلبات أبنائه المعنوية والصحية ، ومتابعة تحصيلهم الدراسي ، غافلا أن العالم
الكبير يبدأ من تلك التفاصيل الصغيرة التي تحدث داخل منزله البائس . وأن زوجته
المسكينة ، قد استنفذت حلمها وصبرها لطول
ما حاولت لفت انتباه الزوج – الشاعر
الحالم - إلى ضرورة الاعتناء بمشاكل
أطفاله ،الذين كبروا كنبت شيطاني من دون أن تكون لأبوته أية التفاتة عطوفة ،
يمكنها أن تكفل الحد الأدنى من الاهتمام
بمتطلباتهم , ولا سيما أن الشاعر الفحل كان في كل مرة يغضب ويستفزّ ويثور ، مؤكدا لها في حنق بأنه مشغول بقضايا كبيرة تهم مستقبل الإنسانية
كافة ، وأنها ( أي الزوجة ) تتعمّد ازدرائه والحط من شأنه ، حين تستدرجه إلى مثل
هذه التفاصيل التافهة . غير أنه قد أكتشف
بعد فوات الأوان حقيقته الخائبة ، ووقف على فداحة حمقه ، حين لاحظ أن أسرته
الصغيرة قد ساءت أحوالها النفسية ، وتصدع بنيانها ، وتفرق شملها .. وأن الصغار قد كبروا ، كمنحرفين جدد يضيفون
إلى الحياة جريمة نكراء ، ارتكبت باسم تغيير العالم ، والذي تغير فعلا ، ولكن إلى الأسوأ . حيث انتبه بعد
زمن ضائع : بأن الغابة الكبيرة كانت في
البدء بحجم بذرة السمسم ، هذا كل شيء .