وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

السبت، 25 يوليو 2015

تغيير العالم

مفتاح العمّاري
تغيير العالم  


   تقول الحكاية :

     ثمة شاعر سامق ،  حلم في برهة ما ، بضرورة تغيير العالم ، معتقدا في الوقت ذاته بأن  بضعة قصائد تائقة في مقدورها أن تقلب معايير الكون من التخلّف إلى التقدّم . لهذا شرع  يسعى دونما كلل أو ملل إلى تحقيق مأربه ، ودأب في كل حوار أو مقابلة صحفية أو إذاعية يكرر  -  وبإصرار عنيد -  تأكيد  انشغاله بضرورة هذا التبديل ،  لكي تغدو الحياة – حسب زعمه - أكثر  أمنا وطمأنينة وجمالا ، وكأنه قد أيقن ، وبقناعة  راسخة بأنه يحمل رؤى جديدة  لعالم بديل ،  لا قهر ولا اغماط فيه . وهكذا تنامي معه  هذا الهاجس ملاحقا إيّاه حتى في نومه . ولأن الأفكار والرؤى ، شأنها شأن الكائنات الحية  ما تلبث أن تنمو ، وجد الشاعر السامق نفسه مع مرور الأيام  قد تواطأ  مع هواجسه الجميلة إلى الحدّ الذي لا رجعة فيه  ، وظل لزمن طويل هذا شانه ، من دون أن يبلغ شأوا ما .. أو يحقق ما يصبو إليه من طموح التغيير الذي يحلم به ، لاسيما في عصر متعولم لم يعد فيه للمنتوج الأدبي -  سواء كان  شعر أو نثرا -  تلك الحظوة ، والمكانة اللائقة  . ونحن هنا إذ نسوق هذه الحكاية العجيبة لا يخالجنا أي ريب في  قضية تغيير العالم التي جعل منها الشاعر الفذّ ديدنه الدائم ، وشغله الشاغل ، وأنها تعد من القضايا الكبيرة ، والمهام الجسام التي يتعذر تحقيقها ببضعة قصائد  .. ذلك ، لأنّ الشاعر المهووس بالتغيير ، قد طفق في تكريس هذه القضية الكبيرة .. وأضحى يعدها من أولويات أجندته ذات القضايا المصيرية  . غير أن هذه المسالة المستعصية ،  قد تفاقم قلقها من دون أية جدوى، وهيمن طغيانها على أفكار شاعرنا ، إلى الحد الذي أهمل فيه رعاية أسرته الصغيرة ، وغض الطرف عن متطلبات أبنائه المعنوية  والصحية  ، ومتابعة تحصيلهم الدراسي ، غافلا أن العالم الكبير يبدأ من تلك التفاصيل الصغيرة التي تحدث داخل منزله البائس . وأن زوجته المسكينة ، قد استنفذت  حلمها وصبرها لطول ما حاولت  لفت انتباه الزوج – الشاعر الحالم -  إلى ضرورة الاعتناء بمشاكل أطفاله ،الذين كبروا كنبت شيطاني من دون أن تكون لأبوته أية التفاتة عطوفة ، يمكنها أن تكفل  الحد الأدنى من الاهتمام بمتطلباتهم , ولا سيما أن الشاعر الفحل كان في كل مرة يغضب ويستفزّ  ويثور ، مؤكدا لها في حنق  بأنه مشغول بقضايا كبيرة تهم مستقبل الإنسانية كافة ، وأنها ( أي الزوجة ) تتعمّد ازدرائه والحط من شأنه ، حين تستدرجه إلى مثل هذه التفاصيل التافهة . غير أنه قد أكتشف  بعد فوات الأوان حقيقته الخائبة ، ووقف على فداحة حمقه ، حين لاحظ أن أسرته الصغيرة قد ساءت أحوالها النفسية ، وتصدع بنيانها ، وتفرق شملها  .. وأن الصغار قد كبروا ، كمنحرفين جدد يضيفون إلى الحياة جريمة نكراء ،  ارتكبت باسم  تغيير العالم ، والذي  تغير فعلا ، ولكن إلى الأسوأ . حيث انتبه بعد زمن ضائع :  بأن الغابة الكبيرة كانت في البدء بحجم بذرة السمسم ، هذا كل شيء .