وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الخميس، 2 يوليو 2015

الغزّاوي


مفتاح العمّاري

جميل حمادة




      يذكّرني صديقي الشاعر جميل حمادة بقصيدة لم تكتب ، ببحر بعيد لم نذهب إليه بعد ، مثلما يحيلني لترقّب ما قد تحمله شباك صيد ، قدّر لها أن تظلّ دائما  خفيّة ومدهشة وثرية وغامضة ونابهة ومشاكسة وذكية ، ولا سيما عندما تُرمي  في لجة الليل . كذلك يذكّرني بأسئلة وكلمات وباقات ورد وبلدان بمذاق الخيال ، ومآثر بعيدة ، نخاف أن تضيع في زحمة العالم . يذكّرني دائما بضرورة أن يكون لك صديقا طيبا وصاخبا وطفلا ، كي تستأنف أحلامك كل يوم وأنت أكثر ركضا ومرحا باتجاه المستقبل ، يذكّرني أيضا  هذا الصياد الماكر ، والرحّالة  العارف  بتواريخ الغربة وجغرافيا الشتات ، بمدينة شبيهة ، لها مالها من شوارع ونوافذ ونساء وحدائق وحمّامات ، مدينة مستبدّة تكتسح الشعر والنوم والعطر والسينما  والتسكّع والحكايات .. هي دائما حاضرة في  حواس الحزن والفرح والموسيقى وعربدة الذاكرة . مدينة حالمة وبهية وشاسعة ، لا تريد مهما كبرت أو كابدت أن تبرح ضفاف طفولتها . لهذا يذكّرني جميل كلّما تمعّنت في صوره وقصائده وحكاياته وظلاله وفوضاه بأشياء أحيانا يتعذّر العيش من دون سطوة بهائها ، كالشغف بالقطارات ، وتعلّم الرماية  والبحر وركوب الخيال  ، وأن الحياة ستكون حتما فارغة وموحشة وبليدة إذا خلت محطاتها من أصدقاء : صنو الندرة بصفاء هذا الطفل الذي لا يملّ اللعب ، على الرغم  من فداحة النار التي تلتهم الألوان لكي  يعبر حريقها .. يذكّرني بعد مرور ثلاثين سنة ، هذا الغزّاوي المكابر ، هذا الصياد البارع ، هذا الكبير كطفل ، اسمه جميل حمادة  ، يذكّرني الآن  دونما تكلّف أو مراوغة بصديقي الحميم  الشاعر : جميل حمادة ، أيام باب البحر ،  عندما فتحنا سماء قلوبنا للغة الماء والطير  والشجر  والموسيقى ،وأيضا  لمريدين  ومنصتين وجلاّس عربيدين ، ظنناهم في أول الدرب ،  من سلالة الشنفرى أو رهط المتنبي  ، وإذ بهم محض كائنات دعية ، تنطوي خاماتها على مسروقات شتى ، فقط   مجرد متسولين بهيئة من لا يعوّل عليه . فأين هم الآن يا جميل حمادة  ،  أولئك الذين شاركناهم ثريدنا وأوقات  خيالنا وسخاء بيوتنا ، أين هم  فتية النفير الكاذب ، الذين لم يكونوا بعد قليل غير لصوص ظرفاء . لكن لا بأس يا صديقي ،  فعلى الرغم من هذه الهشاشات العابرة ، ستظل الحياة في غاية البهاء ، مغوية ومثيرة وساحرة ولذيذة ، عندما يتكفّل الشاعرُ بتضميد جراحها ، حيث  يكفي أن يُجاور بين تفاحة وقصيدة ، لتبدو مغامرة السفر أكثر  ضرورة وتطلبا ، لكي نلتقي من جديد ،  لنثير ضحكاً لا يُمل ّ .