مفتاح العمّاري
نسيج
العنكبوت
منذ القدم بدأت الحياة بحكاية صغيرة ..
حدث ذلك
قبل أن تختفي الحكايات من على وجه الأرض ..
فثمة أسطورة أفريقية تقول : بأنه في الماضي السحيق لم تكن هناك حكايات على
هذه الأرض .. لأن الملك الجبار الذي يعيش في
كوكب آخر .. هناك ،
حيث تلمع النجوم في السماء البعيدة
، قد أخفى جميع الحكايات في صندوق ذهبي لا يفتح أ بدا .. إلا بمعجزة السحر
، خبأه بجوار عرشه الملكي .
لكن الرجل العنكبوت كما تقول الأسطورة كان يبحث عن حكايته الخاصة
.. لهذا صنع سلما من نسيج خيوطه الرقيقة
، القوية وصعد الى السماء القصية ليسترد حكايته
الضائعة .. لأنه يعلم أن الحكاية مهما
اختفت بعيدا عن مشيئة السرد ، ستظل تنمو بهدوء خفيّ ، فهي أمّنا ، قال الرجل
العنكبوت فيما كان يصعد قويا ،
وهي لغتنا الأولى التي حلقنا في طفولتنا
بأجنحة خيالها في فضاء
الأساطير الغريبة ، وتعلّمنا مفرداتها
البهيجة ، وترانيمها المرحة من
أفواه جداتنا ، تحت فماشة ليلنا الحالم . لهذا
ستظل الحكاية تنمو كأنها ربة
معنى يتّسع رحمها لإيواء الكون بأسره . فالحكاية
وحدها هي المعرفة الأولى التي استدلّ بها
الكائن على تعلّم الأسماء ، ومعرفة العناوين
. لذا صنع كل منا حكايته الخاصة به داخل
هذا العالم المتقلّب الذي يتشكّل سياقه
من سلسلة من الحكايات . ونحن حين
نكتب قصائدنا إنما نحاول ، وببضع
كلمات متشابكة صناعة ذلك السلّم الأسطوريّ
، الذي نسجه من قبل الرجل العنكبوت
، ليوصل الأرض بالسماء .
هكذا سيبحث كل منا عن حكايته التائهة ، التي
خبأها الملك في غرف المتاهة ، وفي موضع مجهول
وغامض ، لا يعرف سرّ مغاليقه إلا من
كانت لديه الإشارة السحرية
التي تتألف من بضعة حروف مصقولة ،
لا تعبأ كثيرا بضراوة الزمن ...
لأنها على يقين بأنه سوف لن
يكون أمام الآلة الغبية التي قدّت من مادة
زائلة سوى الفناء ، ولن يبقى شيء
.. سوى الحكاية وحدها .