وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

السبت، 20 يونيو 2015

رواية جوّنتنامو




مفتاح العمّاري
تعليق على هامش رواية جوّنتنامو




    صاحب ( عزازيل ) ، الرواية الانعطافة في أقاليم السرد العربي والتي حازت باقتدار على بوكر العربية في نسختها الثانية : يوسف زيدان ، يقترح في ( جوّنتنامو ) إضافة جديدة لا تقل فذاذة ورصانة وحفرا عن عزازيل . رواية مغوية وأسرة لا تنفك عن إثارة تفانين السرد وكشف شهواته باقتدار يعيد للغة مهابتها بتلطّف وذكاء لا تعوزهما حنكة الكيميائي ، وحكمة العارف بأسرار العربية وخباياها وزينتها . ولعلّ هذه الخاصية من أهمّ مآثر وميّزات ( زيدان ) . ولأنه مفتون بالمضمر ، تحايل وبمكر الصيرفي ودهائه على صهر عبارته بخامات هي اخلاط من كائنات تنمو برسوخ متعدد ، فيها شطحٌ صوفيٌّ ، وسفرٌ رائي ، وريبة مؤمنة آمنة ، وقلق شكّاك ،  ، وضراوة هاتكة ، ليسكّها من ثم  بتلك الآلة العجيبة التي تعجن الشعر نثراً خالصاً لا شائبة تطال أصالة نسبه غير نكهة  خجولة تدحرج السرد من مفازة ( ابن المقفّع ) إلى معقل ( جوّنتنامو)  وحديقة ال ( هايد بارك ) . وقد احتال زيدان لتمرير هكذا لغة عبر استدراج تلك الخلفية الدينية : الصوفية لبطل روايته ( أبو بلال ، أو برس أو 717 ) : رهين محبس غونتنامو . والذي من خلال مكابداته التي تواصلت قرابة ست سنوات من العزلة والتعذيب والترويع والإذلال ، حيث تتداعى صور مريعة ، ومشاهد ضارية ، انطوت على تفاصيل شتى من الألم والانسحاق والصبر الأسطوري . نتعرف على ( أبو بلال ) بدءا من لحظة اعتقاله ، وترحيله من قندهار ، الى غونتنامو . صور عنيفة يتوطّن في حيزها المظلم والوضيء حشدٌ هائل من المفارقات . ولكم تبدو الحياة هنا وهي تستيقظ محفوفة بأضدادها ، الموت ، الجريمة ، الحب ، الزهد ، الشهوة ، الشذوذ ، القوة ، الهشاشة .. حيث نتعرّف على غثاثة سلالة بن لادن ، وهشاشة عرب قندهار ، وقنابل النابلم التي هي محض غائط يتقاذف عبر زنازين الجماعة حين تختلف في توصيف الجن ، وترهات أخرى ، لا حصر لقيئها ، تفنّن ( زيدان ) في جعلها مادة ثرية للتهكّم القادح بذكاء يغبط عليه . فضلا عن ذلك ، فأن الرواية بقدر ما توصّف عالمها ، وتسرد وقائع  تراجيديته الدامية وأحداثه الوحشية ، تقدّم في الوقت نفسه تشخيصا ذكيا ، يشي بقراءة واعية لأهم توترات لحظتنا الراهنة ، لاسيما فيما يتعلّق بمظاهر التطرف والعنف ، واللعبة الغامضة للمخابرات الدولية خلف هذا الخراب . استمرأ زيدان أيضا في جونتنامو  حيلة أخرى لا تقل مكرا ومجازا عن فتنة لغته وسحرها حين حاول عبر السرد تمرير العديد من الأفكار والتأويلات التي تتعلق بالعبادات والعقائد والتشريعات  ، كالوضوء والصلوات الخمس ، وتعدد الزوجات في الإسلام ، ومقارنة الأديان ، وغيرها من التلميحات التي افترضها السرد عبر سياقه .