وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

السبت، 16 أغسطس 2025

في مديح الغائب . الى: عبد السلام العجيلي

 


 في مديح الغائب 

     لكم تبدو مؤلمة وحزينة اللحظة التي يفقد فيها الشعر أحد مريديه. مؤلمة وحزينة، وفي غاية العجز والضعف والتهدّم؛ حين تلفي نفسها إزاء هكذا حقيقة مخيبة، وغامضة لفناء القيمة؛ طالما لا يملك الشعر في آخر مطافه شيئًا، سوى بضع كلمات للنعي والتأبين. الكلمات المبتذلة نفسها، الغبية والبلهاء. حتمًا ستعوزه الحيلة لتسكين هكذا صنف من الوجع الميتافيزيقي الذي يتركه غياب الرائي. لأن موت شاعر من رهط "عبد السلام العجيلي" تحديدًا؛ ليس محض خسارة جسيمة وفادحة للجزء الأنقى والأكثر براءة من وجداننا وحسب. بل إشارة تحذير تنذر بموت الانسان. الذي تواطأ مع حمقه وبلاهته ووحشيته، لحظة تخليه عن آدميته، ليتحول من ثم الى بهيمة طائشة. فأي شعر أو شاعر سنبكي؟ ونحن من اعدمناه سلفًا، أعدمناه كمعنى، لمّا كان المعنى جميلا ومتاحًا، ثم جسدا، لمّا كان الجسد في أمسّ الحاجة للرحمة والتضامن.

     كان علينا الاعتراف والاحتفاء أولًا بحياة الشاعر عبد السلام العجيلي؛ لا موته.

    هل تساءل أحدكم يوما عن سيرة الغبن، ومعيشة القهر التي يكابدها عشاق الجمال ومريدو الشعر في بلد اسمه ليبيا؟ 

المفارقة الصعبة هنا، أعني في هكذا بيئة قاتلة للجمال، وطاردة لسدنة الوجدان، أن فاجعتنا أشدّ فداحة وتعقيدًا، لأننا كشعراء نعاني من عقاب النفي المتعدد، حسبا لقانون التفاهة، والجهل الجمعي المقدس. وذلك بدءًا من اللحظة الملعونة التي تخلت فيها العائلة الكبيرة عن أكثر مكتسباتها الروحية قيمة وقداسة؛ وقد آثرت طوعًا، الركض الى حدّ اللهاث (خلف الجسد لا الروح). فخسرت الظاهر والباطن، ولم تجن سوى تفاهة الرياء والزيف وعبادة المال وتقديس الطغاة.

      أجل، هذا ما يحدث عندما تتنكّر حياة الجماعة لأبلغ معانيها سموًا وعلوًا وطهارةً.   

      نسأل الله الرحمة لروح البهيّ، صديقنا الشاعر العفيف: عبد السلام العجيلي. "أنتم السابقون ونحن اللاحقون".