وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الخميس، 24 أغسطس 2017

قصائد ديوان " جنازة باذخة "

مفتاح العمّاري



           جنازة باذخة

                                            شعر


جنازة باذخة
المؤلف : مفتاح العمّاري
الطبعة الأولى / 3000 نسخة
منشورات مجلة المؤتمر
رقم الإيداع 14282 / 2002
حقوق الطبعة الأولى محفوظة لمجلة المؤتمر

________

تصميم الغلاف  حامد العويضي
لوحة الغلاف  : تفصيل
من لوحة " استحضار "
للفنان بابلو بيكاسو





الشتاء يحمل معاطفه ويغادر بلا جدوى
أصابعك باردة وزرقاء
عيناك تخبئان الوجع الذي يمزّق أحشاء القصيدة  ..
وتقترحان ألعابا ل " أحمد "
كأن الشرفة لم تعد صالحة لقهوتنا
وعصافير المطر
علب الدواء وحدها تنمو حول سريرك
بأسماء أليفة
فصرنا نحفظ موعيد ال
One alba  
و calcium carbonate 

الشتاء يغادر بلا جدوى
وأقمار ضحكتك تذبل
أنت الخفة التي تحمل ثقلنا
يداك ربيع الضيف
وقلبك وطن  الشاعر ورحلته الآمنة .

كنت قبل أن يجفّ ضوء اللغات
تغيرين وجهة الزوابع
وتبدّلين صوت المساء الذي
يزحف على حقولنا البريئة
بكائنات ثرثارة وزوّار تائهين
تحملين حقائب الوجد
الى مدن لم توجد
وتقترحين لكل منعطف بريد مطر
وشجرة عاشقة  .

أحيانا تجلسين وحيدة
تحت شجرة الزيتون
التي نسميها ربّة ظلّ
وتنتظرين عودة الصغار
وهم يحملون الحدائق
في حقائبهم المدرسية  .

إيه يا زوجتي
يا بلادي الطيبة
التي وجهها فاكهة طرية
تستدرج بلاغة الموسيقى

كأن الخرائط
لم تعد تسع ايواء المعنى
تقف خجولة أمام رغبتك
وهي تعود خائبة بلا مفاتيح
أو عناوين سخية لزراعة الضحك
لكن لا باس
طالما الكلمة الوحيدة
التي يبحث عنها الأنبياء
تستيقظ هنا
في هذه القرية
التي تسمّى الرملة مجازا
في هذا المنزل الريفي الخجول
في هذه الغرفة الصغيرة
ثمة سماء تنمو  . 


حكاية من هذه السادرة في نهبها
القوافي دوائر ياقوت
وهي الجسد
فكيف أزيح الغبار
وأرفو اليقين شقيق الكذب
وصخبك يحجب الشمس
أيها المتنبي
كأنك الأبد
وما تبقّى زبد .

**

حكاية من هذه التائهة موشومة بالأجراس
تخسر السفر والمواعيد
والقمر الوحيد يؤبّد النظر
بقبضة مفتوحة على غدر الأمهات
واثقا أن البلاغة غربال الريح .
**
إذن سأنتظر القطار الكهل
وهو يطحن بصفيره زجاج العابنا
والكائنات البريئة تهتف عبر نوافذ
راكضة ترشق المسارب بالأحلام .
وان يكن وقفي بلا ظل وماء
ولا شيء الآن باسمي يسمّى
سيظل كل ذئب تاه في لغتي
كنز عواء .
**
لست شيئا
غير أني أرى الرمل يعتلي ظهر المشيئة
ويغتصب الجهات
وأرى الشوارع
حفلة صيد
أنا العديد في جسدي
ترتعد عناصر الجارات تحت أغطيتي
ويقرع الشتاء أبوابي
ولا أحد يأتي ..
وأنا البعيد في لغتي
حين بدأت الحرب أخطأتني حظوظ الصبايا
يقينا أني جربت الحمام
وطيّرت الرسائل والحدائق والقبل
لكنهم صنعوا الأسوار
وجلبوا البنادق والنياشين
وصور النساء الغمّازات
ونحن الصغار لم نشتر بعد
لوازم الرحيل إلى البلد
لكي نطوي الرمل الكفيف خلفنا
حكاية من هذه الضالة
تبحث عن صبي ضيعته الأمهات
جميعهنّ حفرن وشمه
أمّهات من سلالة القطط
تجمعهنّ فم باذخة بالمواء
أمهات بلا أحد
سوى أن الحروب الصغيرة
تقود الخيال إلى مهب جامح
ولا أحد يأتي

**
ستعلو فوق صوتي قال الغراب :
أبواق النفير
ويحبسني لوني في العلو
بعيدا عن أبي أمحو جلالة الألم
وأضع فراخي
أنا الغراب المستجير
تقف الجيوش بأعلامها لدامية تحت أجنحتي
ويحتدم السعير
محتفلا بسمائي والقوانين التي يسهل خرقها
أحرس الولائم بأقفال لا يعبرها الضوء
متأهبا لإيقاظ المعادن
أخطف النساء من معاقل النثر
وأطير

**

لماذا أيها الحفاة تتبعون سنّة الوهم
تحزمون الصحراء الشائخة تحت ظلالكم الجريحة
صوب المحطات البعيدة
وتنتظرون هبة الحواس
وهي تصعد الوسائد
التي يفلت ريش أحلامها عبر الشرفات
ليهب الحبّ للتائهين
والنوافير قبعات تهطل بالألوان
والعشاق دوائر يسيجون مهابة النظر
ويحيطون اللغات
بصمت اللغات .

**

حكاية من هذه الدائخة بتواريخها الخاسرة
والجندي التائه ، تائها يقطّر بلاغته النازفة
- أعطوني اللغة السمراء الهابطة بالغنائم
يحرسها الإعجاز الأصيل
أعطوني صفة الضوء وكلام الرسل
لأحلّق بفخامة
غير ملتفت لقميصي
وقد فخخته النجوم
ساعتق السفن وأخلط الأسماء والعناوين
ليتوه الخلق في معرفة المفاتيح والساعات وأشكال الكواكب
والخيول .
دعوني أسمّي الوطن الثقيل طفلا قتيلا
يجاور التيه ، واسمّي الأحلام بنوافذها المأهولة بالغرقى
أعطوني الذئبة شقيقة اللعب
معلّمتي الضحك ونحن نعبر الغايات ملتبسة
بظلال الأمهات والأبناء
الملدوغين بهزائم النظر
واعدين المستحيل بجنازة باذخة
أعطوني الأميرة حامية المباهج
التي قصائدي حصانها إلى
طروادة الروح
وبلاغة الجسد 
وان يكن وقفي بلا ظل وماء
ولا شيء الآن باسمي يسمّى
سيظلّ كلّ ذئب تاه في لغتي
كنز عواء .

______ 





______ مشيئة الوعل

منذ زمن قديم
عندما لم يكن هناك شيء بعد
أسمه وطن
كنت المرأة الوحيدة
التي تهب الشاعر
الكلمة النادرة
وتمنحه الحجر الغريب
الذي توّه الفلاسفة
والقمر الجدير بالأعياد والسفر
كنت المرأة الوحيدة التي يقال
رحلة العاشق في كهولته
فأعطيت أجنحتك بلاغة العلو
والحلم السخي الذي يوصف  :
حظ القبائل الثرية  وغنائم الصيد
وهبة اللون الضائع
ومشيئة الوعل

لكن نظرتك قد أنكرت طقسها
ولم تعد تحفل
بسمو الطائر  .
كل شيء فيك  صار يبدّد نفسه
حتى أصابعك الطيبة
التي كانت منذ قليل  تحرّك الضوء والألوان
وتعقد العطر والعسل
صارت شقيقة حجر
ووجهك الطفل تغيّر ماؤه
ولم يعد بيننا رسائل أو مواعيد
أو مطر لكي نأخذ المدينة في حقائبنا
ونطرد الكبار من ألعابنا
هكذا مضى كل شيء
دونما حكايات خجولة
كأننا خسرنا بعضنا
ولم يعد بيننا ما ينتظر  .



في هذا الظلام
الذي يطرد النساء  والعصافير
والأصدقاء ضفاف تنأى
تذكرتك  أيتها المهاجرة بنوافذها
وألوانها الصاخبة  .
الكلمات تنسحب  إلى خنادق النثر
والمشاعل  أقواس  تهطل
بالكائنات  النشيطة
من حشرات الصيف
وأصابعي رسائل لاتصل .
ها أنّي أدفن رفات اللغة العاطلة
وأقتفي أجراسك الذكية
وهي تتكسر في عذوبة السفر
لتأخذ  الحدائق والشوارع والظلال
كأن الطريق إليك معجزة الأنبياء
أنت التي وجهها حلم يتناسل
وعناوينها هاربة بأشرعة تلبس الأفق
وشعرها يستعير هيئة مطر بعيد
لذا يا أمي الكبيرة
ساقرا الآيات الحارسة
وأجمع زيتون الموسم
وما يكفي  من اللجوء الى بيتي
ومن الهدوء  ما يصلح لتكفين  صخب الموتى
واكوم الأيام برتابتها الجارحة
وأضع السماء
فوق صهيل خيولها الطائرة
سأروض المخلوقات الخمسة
داخل خرم الابرة
حيث تمرّ قوافل الصوف
وقطعان الرعاة التائهين  فعبر ثقب  صغير كهذا
أمرّر الشمس
نحو صباحات لا ترى .




______  جزيرة ضائعة 

المرأة الكبيرة 
عادت من بعيد
وجهها الذي يقال
ربيع طازج
بدا تائها بلا نجوم
رايناها وهي تقبل مثل جزيرة ضائعة
وسمعنا استغاثتها الدامية
تمزّق الحواس
عند الصباح
وجدنا مدينة أخرى
نصفها غابة
ونصفها الآخر لا يرى
عادت بصنف جديد من الموسيقى
والسجائروالرؤى
فلم نعرف صوتها المحطّم
وعطرها الذي كان متوحشا
وشعرها الملون بالمرافئ الغريبة
فوقفنا مرتبكين نتنفّس خوفنا
لا ندري كيف ندخل الشوارع
التي تقلّنا بلا رافة
الى ضفاف عجيبة
لأن المرأة الكبير
أطلقت صوب فخاخنا
أسراب طيورها الدائخة
طيورها التي يقال
رغبة السفر
لكن لا ماء يبلل صفة الرمل
التي كما نرى
صفة امرأة لا تكتمل
صفة الليل
وبهاء القمر
ودم الحكايات الغريبة .




لأنّي من نسغ الأرض الوعرة
أبي حطاب أحلام
وامّي نسّاجة وعد 
وولادة مغزى
لن انوي الهجرة
الى لغة أخرى
لأطير مثل رماد مخدوع
تتخاطفه طواحين هواء
فوق بروج من دخان
مغمورا بمباج وهم
وثرثرة نزوات نزقة
ومهما تشرّدت لغتي
لن تأفل أغنيتي
عن سماء منازلنا
ومزارع الفتنا
ومهما أخطأت امّي
لن أنشر غسيل أيامي
على حبل جارتنا
وستظلّ أمّي رغم جراحي النازفة
تتربّع على عرش مخيلتي
كما لو أنّها ملكة

ورغم لدغة لزمان الوضيع
سأظلّ كل صباح
أشرب من قهوتها المرة ..
ومهما يكن
سابقى هنا
فوق هذه الأرض الوعرة
أضرب  فأسي قويا 
أقتلع الأشعار من عروق حجارتها
أمنحها من روحي  وهج الروح
ومن قلبي
أهبها أجنحة الجدوى

هنا سأعتق خمرة حدسي
وأشرب كأسي
فيسكر قمري
ويرقص ظلّ جلاسي
وحين تسهو أذن الليل 
أسبر غور جدراني
وأغافل غفوة حراسي
وأدق أوتادي عميقا
في كبد المعنى
فتهتزّ عروش الكواكب
وتسقط قبعات النجوم
وتطلق الشمس في حقول قصائدي
قطعان خيولها المرحة  ..

ولأنّي جندي
تحمله خفّة عيون
كحلتها التجارب  بلون مفازات عطشى
بلون ساعات رمل
مكسورة بهزائم شتّى
بلون مطر من غربان
وأصداء  جيف  تأكلها هبة السهو
بلون هتاف جماعي لغابات القتلة
مهما يكن
لن اهجر  عشّ أطفالي 
وخلوة الظلّ الفقير
وكرمة الندى 

سابقى هنا
حدّ الوارفة  مثل نافورة من هداهد حكمة
تصدح بنداء التمر 
توأم النحاس الأصيل 
أظفر المديح للأنثى
أميرة الشجر
محرّضا معرفتي  أن تأخذ  عراجين الكشف
وتكنس أوساخ الحواة
وشباك العنكبوت
لتتعرّى العورات
وتسقط اوراق التوت
أواه ما أجمل هذا الموت
حين تكون القبضة ظافرة بالطير
وعصير الأسرار
وتصبح أروقة الشعر
ثرية بالرؤى
ومناجم الملح والآبار
حين تخمد في عجينة الطين
جمرة يدي
وأموت هنا
وتبقى كأسي مترعة بالنشيد
وكلماتي أسرار غيوم
ترعى فوق الأرض الوعرة .




______   مسافة العطر

* كأس لكي نتّقي البياض الغبي
كأس والشفاه معاقل صيد
هي حمالة أختام ومجاز ورؤى
بتجارها نعيم الناسك
وقبلتها مسافة التائهين
* كأس لكي نتقي البياض الغبي
كأس للفتى الذي يقترف سماء الغرف.
وللكهل البهي, صديق المنجنيق

وكأس للجندي
الذي عاد بلاد النهب والغزوات
كأس نعلمها الطواف بين اللغات
أصابعنا محطاتها الساهرة.
وللشيخ صاحب المسارب التي تستدرج
الخائبين
كأس والشفاه معاقل صيد
هكذا
للأمهات نطيّر النجوم
ونسرد جهاتنا الضائعة


*كأس تدور بيننا
كوكب خيال نحملها القصائد
والأنهار والمدن
ونهبها ثلجا إذا شئنا
وإذا تهنا يدلنا الساقي علينا
بدورة أخرى
وأخرى تجاور التيه  
لكي نتقي البياض الغبي 

* فأقترب أيها الرائي
وخد خيطا من الماء
وخيطا من قلبك  الدامي
فهي قمر سقطت فضته عليك

خدها أيها الرائي
وأطلق أسماءنا في زرقة الليل
حرة مثل وحوش تقتحم بساتين خالقها
خذها
فأنت نبي.  

                     <>     <>




______  نام الشاعر هنا

مختلف أنت أيها النظيف
الذي عيناه خجل مقذوف في سماء القرى
المكابد العفيف
الذي يحزم  أوراق شعره قبل حقيبته
مختلف أنت حتى في رحيلك
أيها الرائي
وحدك تباغث  الموت في عقر داره
مهملا السفر الى كاركاس
لتفتح ممرات أخرى للسرّ
وتخصب قامة العلو ّ
تاركا القصيدة التي تختزل الحياة
في كلمة واحدة .

أي عنف هذا الذي تصنعه القصيدة
لكي يقترح الشاعر قبره وطنا أخيرا 
وبهدوء غامض لا يرى
يكشف البرزخ الذي حيّر الفلاسفة
وتوّه الشعراء
ثم وحيدا
ينتخب الموت الذي يشاء

أخيرا يا أمّه
نام الشاعر هنا
وحيدا في صخب الصيف
والشمس تدمي
على سهوب   ( الرجبان )  *
بهدوء لا يرى
نام الشاعر في حضن قصيدته
ففقد النمل صلابة حكمته
والظلّ بكى
مات الصوفيّ
العاشق الرائي
والكهل المشّاء
الذي يطوي المدن في دفاتره
ويغيّر الأسماء
لكنّه ماذا رأى
حتى منح للموت صفة الشعر
وضوّع القبر بمسك براءته
ووهب لمهابة نومه
كل هذا البهاء  .


* . ( الرجبان ) من بلدات الجبل الغربي في ليبيا .



______ وصيّة

مشغول بك   يا طرابلس
أعطيك الكلمة الفتية
التي تتمزق وتنحرف عن مدارات المعاجم
التي عين الشك
وفم شجرة تقطع
وقبضة العاصفة.
**
مشغول بك
أترك  لك  اللمعان قويا كالصراخ
بين صمت الصحراء الأبيض..
الأبيض الكثيف.
والماء عرشك الدائم
والكتاب سيف.
أترك القصيدة مأهولة بك
بأحلامك  وهي تنمو بصلابة الحليب
بأصابعك: نساجة ألفة
وخزافة متع
**


لك يا هبة الله
أضيف فمي حارا
وغائبا أضيف ملحا للشوارع
وأعطيك الملامح السخية التي يرسمها طفل
ظله ماء يطوق نظر المسافات
ويمشي بين البساتين خجولا
**
مشغول بك
أترك خرائط   رئتي
وشبابيك هذا الصهيل الأخير
أترك أطفالي
الذين ولدوا على بلاطك البارد, أمانة في عنقك
أترك أصدقائي.. يمارسون الضلالة بين
الكتب.
اترك القمر يدمي
بالحكايات
وأذهب.




______  ليلة القدر

في ليلة كهذه
مقيمة أنت بلا زمن
ما من أحد يجرؤ على ايقاظك
وحيدة ترشقين السماء
بالامنيات الجارحة
وتصرخين : خذ صدري أيها الشاعر
في ليلة كهذه
وحيدة تهطل نجومك
مسارب كحل
تنحدر على كتف عاشق غامض
يكدس في حقولك نساء أخريات
أقل منك جمالا
وأصغر من أطفالك الأنبياء
في ليلة كهذه
يبعث الخيال لأجلك
ولأجلك يستيقظ الطائر الكهل
من عش القصيدة  ..
ويهبك رئة أخرى
ولأجلك يبتكر الأرض الجديدة
والمطر والخيول .



______  الرجال السود


الرجال السود
يصفرون أثناء العمل
ويغنون أحيانا في الليل
تحت الضؤ الملوث
بدخان السجائر
والحشرات الطائرة
عيونهم حمراء وجريئة
ونحن الصغار
آذننا قبل النوم
تحدث ضجة قرب الباب
وخلف النوافذ المظلمة
حيث تصعد الأحذية القاسية
وتعوي أغصان الزيتون
وينهمر المطر
وشيء ما يسقط قريبا
قالت أمي
التي لم تكن أرملة بعد
لكنها كانت وحيدة
دائما تترقب صيفا مجهولا
كأنها محطة ضائعة
والرجال السود
يشربون الشاي اثنا العمل
أصابعهم القاسية داخل عجينة الاسمنت
يتحركون مثل فكرة غامضة
ونحن لا نفهم حين نمر عبر الفناء الممزق
تطاردنا أصواتهم حارة وقوية
كأنها هبوب الغبار
تحفر آذننا مثل نقار الخشب
وأختنا الكبيرة فقدت نصف كنوزها
حين اختفت وجوههم
عبر أشجار شائكة
وبلدان مرة الطعم
ورغم ذلك
لا شيء يحدث بعد النوم
سوى الرجال السود
الذين تركوا على واجهة منزلنا الريفي
رسما لا يمحى
لجسد نحيف
يرقص كنملة مرحة
أحيانا
ويغني في الليل
مثل ميت قديم .



______ الميراث



لماذا أيها الميت
أعطيتني الأرملة الخؤون
مرضعة الفواحش وراعية النزوات
أعطيتني  الشقيقة الخنساء
مربّية الثأر  ، النائحة في مضارب البدو
أعطيتني التوأم الذي خطفته تجارة الكتّان وتماثيل
البنات الثرثارات
أعطيتني خزائن العثّ وجرار العطن
أعطيتني الريح بلا أشجار أو نوافذ
والسماء بلا وطن
وذهبت مبكّرا أيها الباسل
غافلا عن صرير الخيانات
ورائحة الثعالب وصمت النياشين

أعطيتني عائلة من وحل وقبيلة من كرناف
أعطيتني  مسارب السياط المسعورة فوق جلدي
وتركت خيالي النازف وحيدا يدمي

أعطيتني اللسان المعتقل بفصاحة العيّ وتأتأة الغرقى
كأنني من هدر اللحظة الفاسقة
ونطفة الخلاعة رهينة السرّ
وأن فيضي هوس الصعاليك ولوثة العيارين
أعطيتني اسمال العسس وأحذية القتلة
ودشنتني المجاز للمتاهات
أنا الناحل من قسوة الخبز ولغة الزمهرير  .
أعطيتني كنيتك التي لا تزن رغيفا
وتركت ضجيجك يثقل الأذن
ويمزّق الستائر
تركت كلابك النزقة
تعبث بالكتب والشباشب والنجوم
وتمشّط شعر الغوايات
فكيف سانام
وأنت لم تمنحني عشّا آمنا
أو لحافا أو حقيبة
ولم يبق منك أيّها الغابر
الاّ خلّب الصخب
وأصداء حروب العشائر
فها هي نجومك الجريحة
ضالة بين القرى
مثل ذنوب لا تغتفر

أعطيتني مناجم الجهل
وأوصاف الخطيئة
أعطيتني زئير السّبع
وقامة الجندب
أعطيتني نسب الشياطين
وسلالة النّار
أعطيتني ضراوة البؤس
وفخامة الأسى
أعطيتني ثروة الجعل
وميراث العقارب
وتركت السّماء قاحلة
بلا عناوين واضحة ومنارات
تركت الدروب في عيوننا المبللة بالهوان
عمياء بلا ظلال أو حدائق
فأين هم صحبك
الذين قاسمتهم الكأس والليل
وأقمت الولائم والمسرّات .
أعطيتني قرحة القمر
وشيخوخته المبكّرة
أعطيتني ثراء الأسرى
وأحلام المساجين
أعطيتني وحشة الروح
وفراغ البدن

أعطيتني بلاغة العطش
وإعجاز المنافي
أعطيتني مدافن التّوق
وأكفان المباهج والمرّات
أعطيتني مآثر الطحلب
وعبقرية العطب
فأين  اختفى أشقاؤك الذين وهبتهم الأرض
والفضة ونحرت الذبائح
أين هم السادة بعد موتك ، الذين
روّضت لهم الخيل وأطعمت الجراء
وجلبت الكمأة  وزيت الجبل 
أعطيتني اللعنات وقذائف البصاق
أعطيتني يقين التشرّد وهياج الزّوابع
وورثني أطلال الخيبة وعتبات البكاء
ورثّني الخفّة التي أهملتها نباهة النمل
وتركتني يتيما بين المخالب 
يتيما أهشّ الذباب عن مخيلتي
لا بيت لي أو طريق أو حبيبة
شريدا في كنف العراء
ومشيئة الصدف .

أعطيتني القواقع الباردة
والنساء الرماد
وسلمتني لبراري العوسج
ورحلة الحفاة
لغة هامدة تنهشها البراثن  . 
وغمرتني برعبك أيها السخيّ
برعبك عقلت كائناتي
وجعلتني وقودا لحروبك
وملاعب لعصيّك الهائجة ..
ذهبت يا سيدي
ولم تترك لي اسما واحدا أستغيث به
أو كلمة  أتشبّث بثيابها ..
هكذا قتلتني أيها الميت .






* كتبت قصائد هذه المجموعة _ 1999 – 2001