وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

السبت، 27 أغسطس 2016

أشير اليك وأحلم. الى روح: لطيفة صالج


مفتاح العماري






 __________ 


  كما يليق بي ..

          أشير إليك وأصف هذا النفير ،
          أشير إليك وأحلم .
                       إلى : روح  لطيفة صالح .
                     



                 

§  في هذا الخلاء المتوحّد  حيث لا أحد يصغي إليّ .. لا تحية للصباح  .لا فنجان قهوة ينتظرني كالعادة ... فقط تترعرع الأتربة والنفايات فوق أرض الغرفة .. وتذبل نبتة الصبار الصغيرة  التي كانت تروم العطش والرحيل . لا شيء غير أكداس من الصمت والكتب والأوهام في أرجاء الروح التي أضحت باردة وكئيبة / وحيدا أحاور ظلّي المهدم .. وصورتي الشاحبة في مرآة الحمام .. و أغضب لمجرد أنني  أمسيت رجلا متروكا للنسيان في هذا الصيف .. وأنت يا زوجتي الطيبة تعرفين كم أكره الصيف والفقر والبعوض والنفايات .. وتعرفين كم أشتاقك الآن .. وكم هي الحياة هشة وقاسية من دونك ، فلا أحد يصغي إليّ .. فأين أنت أيّتها النائمة بعيدا في المجاهل الغامضة .. أريد فقط أن نتحدّث في المساءات الخشنة كما كنا نفعل  .. أن أمنحك كتفي وأنت تصعدين سلّم العمارة .. أن أجلب إليك قدحا من النعناع المحلّى أو ملعقة من عسل .. أن أناولك حبة كربونات الكالسيوم أو كبسولة الون آلبا .. أن أخاف كلّما ارتفعت حرارة نومك وأنت تتململين بوجع لا يطاق .  لكن لا أحد الآن معي .. رئتي تغصّ بحشد من الحكايات .. فيما أعود خائبا وضعيفا إلى المنزل .. أعرف بأنّي لن أجدك في انتظاري .. قلقة أحيانا لأنني لم أهاتفك .... ثمة أرق يكبو .. فما جدوى أن أستسلم  لصوت الريح طالما لا أحد البتة يصغي إليّ .. أن أفكّر في إصلاح النافذة وطلاء الجدران  . أجلس مستوحشا  وكئيبا , أنظر ببلاهة إلى أوراقي الممزقة في أرجاء الحياة الباردة .. إلى النفايات والصمت والوحشة  . لست أدري كيف شاخت الأيام فجأة فيما قصائدي لم تزل يافعة وصغيرة ترفرف بمرح فوق الحكايات الطازجة . ولا أحد يصغي إليّ ../ في الليل حين يتلاشى العالم ، تستيقظ الكلمات .. فأختنق بالوقائع الصامتة . لأنه مامن أحد يصغي ..  صرت أحتاجك بقوة .. فتعالي أيّتها الرحيمة .. وليعد الغثيان الذي كنّا نمقته .. وهبوط السكّر ونقص الهمغلوبين .. ومشاوير المشافي،  وجداول الديلزة ، وحقن الهيبارين، والصداع ، وارتفاع ضغط الدم ، والوجع  ولغو الممرضات ، وأخطاء الأطباء .. وصراخ المرضى .. وضوضاء الزوّار ، وقرحة الفراش ، والأنيميا الحادة ..  فقط أن نتحدث من جديد . أعرف رجالا اختنقوا بالكلمات / لكنّهم ليسوا مثلي .. فأنا دائما أصف النفير ، ثم أشير إليك وأحلم ..  أبتكر سبعين طريقة لاستعادة النسيانات التي تحلّق بعيدا بأجنحة قوية في ظلام مهيمن ..  وسبعين طريقة لكي أرحل بحواس وضيئة إلى مجهولك .. مشيرا إلى براثن الضياع في صحراء أخرى ....... يوم تغدو الشمس غطاء النظر .. كنّا رتلا من الجياع ، لا عاصم لنا سوى ما قدّه البؤس من سراب يدور .. وعين الفاقة ترعى مستقبل قبورنا . بأجنحة من رماد . هكذا أشير إليك يا ابنة الريحين ، لكي أستعيد بعض صوتي وأستردّ  ما ضاع من حراك : .....   من ألف الأسى إلى ياء الحنين .. يوم ذوّبت الكلام وعصرت الصدى . لمّا لم  يبق غير ما يقترحه الصديد من حديد لكي ندين البكتيريا ، بكل ما اقترفته تعاليمها من جرائم في حق المنصتين ، أبناء الخفة وسدنة النار .. الذين لا ناقة لهم أو بعير .. فلماذا استهلوا النفير  بالنفير وضاعو ا في مفازات  الفراغ وحقول الزمهرير . ثم أشير إلى فخاخ كانت تطبق أسنان فولاذها على أجنحة لغتنا التائقة .. متهما الثكنات الشبيهة بعقوبة مؤبّدة لما جرته عليّ من فقد وغياب .. وأنا أشير إلى زنازين التأديب في معسكرات السعير ، وحرمانات العطل ، وحراسة البوابات والمخازن والكوابيس. من سيردّ إلي ما ضاع منّي.. أو ما نهبته جحافل المتاه من خيال نافر ../ أشير إلى قطط البهو  وجرذان المجارير .. وكيف كنت أعلّق ما ترتق من كلام على حبال الغبن القديمة  .  أشير إلى  فتى رقّشه ربيع المزابل .. فتى من قشطة  الكلام المرّ  يذوب بعيدا في لجة الصيف .. وأنت تعرفين يا عزيزتي كم أكره الصيف واللصوص والكلاب، غير أنك كنت تطلعين من  قصائدي المتوحشة .. كلّما أومئ إلى  الشوق المقمّط  بكآبة سخية .. إلى أسرّة مضمّخة بعطن العنابر .. إلى أسئلة ثقيلة تنتعل أحذية ضيقة  .. ثم إلى الألم .. أعني الأبواب المقفلة .. والمدارس التي لم أنعم  بلمس طبشورها و مقاعدها وعصي معلميها .. / كما أعني  نظرات المتسولين وهي تشرئب خلف صلابة التاريخ الأرعن ..  رجال البوليس الأكثر أناقة من كرسي الحلاق / رجال المآتم وشيوخ العشائر وقد التحفوا بعباءات الرياء ../ فتية النوم العاطلين عن لغة الأمعاء الفارغة .. رجال النحاس بثياب مسروقة عندما يطرقون أظلاف السماوات ويطلقون البخور في أرجاء الفاقة .  رجال الطين حفّاري  الوقت المجترّ بأدوات خبب مصقولة بوهج الأكاذيب الجميلة ../  سماسرة السوق حين يهتفون فيتطاير القمل  من ثنايا أيامهم  الرثة ../  أشير  إلى رواد السكر العربيدين والشكّائين البكّائين وقد خمشوا حياء الشوارع ../ رجال اللعب بضحكاتهم الصدئة وتبغهم الثرثار  ../ رجال الحكمة العرجاء الملتحفين ببياض الشهوة الماكرة .. / إلى سيرة العطب  وقوافل النثر التي تصف حروب العشائر وخراب الرؤى ...... إلى خنادق الفزع وعقارب البهجة وهي تلدغ الرغبات الغافية .. إلى الموت  الطفل : الصحراء/ أوجنقا / أبشا / آتيا / الدكتور زيفاكو / العصفور الأحدب / طريق التاو / والذي يعول عليه. فكم مضى من علامات البؤس والعويل  وأنا أشير إلى جثث بأوصاف تائهة .. إلى تاريخ بغاء مستبدّ .. إلى عقاب مقدّس يمزّ ق النور في زنازين العواء .. والى كلام كثير مقتلع من حجارة المعنى / يا ......  يا زوجتي الطيبة وأم ّصغاري الحالمين .  مرة أخرى أشير إلى ما يقف خلف هذه المفازة المسنّة من :  ربيع مختل../ ضحك رمادي / أسواق جراد مقدّد / بنادق صيد /  ونداء القتلى عندما يتسلّقون مآذن السرد  / حليب الغواية الأسمر / ذهب الصبا  .. أنصاف مواسم لهبوب الجنون  وصعود الخطيئة / إلى ما أنزفه في عزلتي من صمت وأنا أشير إلى دهر ثقيل يتبوأ  عرش العتمة .  فما الضرر يا ترى في أن نحلم قليلا .. لكنهم - وأنا   أعني من درسوا في عواصم العجم على حساب قوتنا.. وملكوا القصور والحور ،  والحقول والبقول ،  وجمعوا بين الحكمة والفجور  -  قد طفقوا يشطبون أوصافي ويقصون صوتي عن منابر الشعر .. لمجرد أنني  أشير إليك وأحلم .. ألست كائنا سعيدا في هذه البرهة وأنا أقف جنوب الفقر ،  مشيرا بهدوء إلى مالا  يتاح  : إلى سلّة صغيرة من فاكهة الخيال .. إلى غرفة منتزعة من ألف ليلة وليلة .. إلى تلك الشجرة المطلّة على نهر اللهفة، والتي لم نقطف غناء عصافيرها . إلى حجر النور في شرفة تحلّق  . إلى أمسية أخرى غير هذه الكلمات الواجفة والمدينة التي تخسر في كل لحظة دهرا من الطمأنينة . إلى : كيف أركض بك محمولة فوق نشيدي  صوب جنة عتيقة لم يكتشفها الأنبياء بعد .؟  إلى خوفي من هبوط نيزك ثمل . إلى جزيرة تقع دائما غرب الماء وشرق الذاكرة ، عندما كانت بنغازي تتسكّع خجولة وحارة في شوارع الألفة .. عندما لم يأت أحد غيرنا إلى قيلولة الشعر الملعون .. إلى ضفاف بعيدة لم تزل بعد أكثر جدارة من منجل متصدع علّقته الأيديولوجيا على جدار الوهم  . إلى انتظار ثقيل له رائحة محطّات مخادعة /.. إلى أمي بعد كل هذا الهلاك . / وأيضا أشير ببكاء أشدّ صلابة إلى عكّاز جدّي الأعمى  ، الطويل ، الأحدب ، الأبيض الملتحي .. جدي أبريق نحاس بعنق معقوفة/ أبريق صلاة يلمع تحت الحائط .. إبريق عسل يتبدّد على ساق نخلة مقطوعة .. غيمة ظل تسبح فوق خرائط القيظ . ثم المّح بخفّة تعرفينها إلى عاصفة تزوجت نصفها ../ هكذا يا ابنة النارين..  حين تتعرّى الأيام وتصهل قوية بهشاشتها الفادحة .. لتنشر الفوضى بين سكان الخيال .. وكأني هنا أستعير  ملح بنغازي  .. و حمامات المسك غنيمة اللذة  ..  بنغازي بأسمائها الخارجة من عرق المهاجرين .. لكي أهدي إليك يا زوجتي الحنونة هذا العالم الزاخر بالخطى الدامية  ..  مشيرا بالضرورة إلى براءة يدي من سقوط بغداد . فلا مطر اليوم .. لا رسائل.. لا تذاكر سفر .. لا كتب .. لا موسيقى  ,, لا مدن جديدة .. لا حقائب .. لا محطّات  .. لا جمعة ولا أحد ../   فقط أشير  أخيرا إلى :  ضرورة الهذيان .. وأن كل حبل أو جبل أو خبل  محض نقطة اضافة .. وعلامة هدم للمعنى .. وارتجاج بالغ  الأبّهة والقساوة في خيال المعدن  . كما يليق بي أن أجرّب تقنية الرحيل عبر النوم .. لعلّني أكفل تنظيف حنجرتي من أشواك العزلة .. وحسك الخواء .. غير أن الغبار المتصالب ينمو بضراوة في أركان روحي ..  ولا أحد يصغي إلي /.. هنا حيث لامكان لحرف يؤنث .  طارت الأرض إلى سقف الجنون .. ونشرت العواصف عناوين هبوبها .. وأنا كما يليق بي /
مرة أخرى  : أشير إليك و أصف هذا النفير ../  أشير إليك وأحلم .
          _____ 

*   من نصوص كتاب " نثر الغائب"