وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الاثنين، 10 أغسطس 2015

ملك في المنفى

مفتاح العمّاري



ملكٌ في المنفى






في هذا  البيت الذي أحبُّ خموله الوادع ،
في هذا المنتجع من الكتب والألعاب والحكايات ،
في هذا الإقليم الحافل بالعطر والخوف والنسيان وشقاوة الأطفال ،
في طرابلس التي لست أدري كيف أحتفظ بحبّها دونما أن تصيبني رصاصة طائشة
هنا في شقتي المتصالبة بأسى /
في هذا السطح المتصدّع بالضوضاء من  باب بن غشير
مازلت أتلذذ بقهوة سميرة وفناجينها المرحة ..
كل شيء بين يدي أميرتي نصف الأمازيغية
يستسلم لغزوات قصيدةٍ ، رُبِّي خيالُها على مهل :
الكيك ، والحكايات ، والمشاوير ،  واللوز المحمّص ،  والدواء ،
 وضوضاء الشارع ..
لهذا مازلت أقترفُ المزيد من شبهات النثر
ربما أتألم أحيانا /  أعني : قد أتناول الألم طازجا و نشيطا ،
وأحيانا يطيب لي ، تداول الحديقة المجاورة
التي كانت سجن الحصان الأسود
والذهاب إلى فرن الحيّ،
أو رمي القمامة ، ومراجعة جمعية المحاربين القدامى  ......
لكنني أريد ما تبقّى من قصيدتي أن يظل متربّصا بالداخل
حيث الحياة ،  عليها أن تصمد ، كما يليق بسلحفاة  صبورة في غابة منبوذة  .
ففي البيت  ذاته ، وأنا أحدّث أميرتي 
عن صباي المهمل في حي سيدي عبد الجليل
اكتشف ببساطة ، حكمة التغاضي عن الموت ،
مستسلما لمشيئة أناملها الجريئة ، تداعب وشم يدي  ..
لأن الرحيم يرغب في ذلك ،
فبعد أن تركني أبي وأبناء أمّي وأصدقائي ،  متضوّرا ومنسيا...
ها أنا ذا /  مازلت أستمتع بالقراءة ، وتلميع أحذيتي ،
 والإصغاء لرسومات أطفالي .....
أنا أخيرا في هذا المنفى  من يجمع الكلمات الضالة ، ويصقل النار ،
لأن امرأتي المليئة بالنغمات
الباسمة والنظيفة كصبح في صحراء
النقية كفرح أعمى
الجميلة الخالدة - دائما أفكّر -  يلزمها مدينة آمنة
لكي تزهر  .
لأن هذه البقعة الخاملة ،  التي نختبئ داخلها كيرقات خائفة
أحيانا تنؤ  في التعب
أحيانا تزهو مثل آخر يوم في حياة عاصفة
وأحيانا ، هي حربٌ تتبختر بضحاياها
وكلّما تتفاقم /
تترك مخلفاتها النائمة في حقول اللغة .
لهذا نخشى كثيرا على القصيدة .
القصيدة التي سقفُ الغرفةِ وبابُها
التي قهوة تتململُ ، ووردة تتثاءب .
والتي كما يبدو هنا  ، ليس بالضرورة أن يُحتفي بها جهراً
ربما لأنها لا تشبه ديوك سيبويه ، ومطارق الفراهيدي
وربما ثمة الكثير مما تخفيه عن أشباه الشعراء الأشباه
لذا أيها الهاتك ،
ستصارع أكثر من ورم متربّص
ووحش مثقف في غابة ثائرة /
لاقتحام أنثى ببهاء نبيل
لا بد أن تدكّ عشرات القلاع من عظام الموسيقى الصلبة
ريثما يغدو البهاء بهاءً نازفاً عن كثب ،
ناعما وفاشيا ،
مصاغاً بأبّهة أربعة عقود
من فتنة دامية ....


أيها الهاتك /
عليك أن تتخندق خارج معتقلات العروض دونما هوادة
لتقارع القتام الملتحي بضراوة زاهد
قد تظل دهراً  مثل كنز في كلمة مهجورة
فما من أحد هنا سيحفل بنشيدك  .....
فلطالما شدوت ،
حيث على جميع الأسماء أن تُنسى
لكنك ستظل تاريخا منبوذا
ريثما يكتفي اللصوص والمتطفّلون ودهاقنةُ البغاء
ويغادر الخطباءُ آفة الحفظ
ويتمرد صغارُ الجنودِ  على ضبّاطهم السفلة
ليسوا كمجرمين أو شعراء
أو عشّاق مخمورين
بل كأطفال ضاقوا ذرعا بأحذيتهم الثقيلة وألعابهم النارية
.......
لأنك منذ أن صرت كلمة نازفة
تخلت عنك  المحافل والأعياد  .
منذ أن غدوت جنديا
صارت المخيلة أكثر من أنثى
في رسالة حبّ .
بهذه الرأفة الثرية بالألم ، ستمتلك ما تفكر فيه
البئر والحبل والكتاب والشجرة وشقاوة الظلّ ،
تمتلك العواصف والسحب ومكبرات الخيال ،
العزلة  والنار ونوم الغابة
حتى لا تسأم العيش وحيدا مثل فحل متضوّر في قصيدة نثر /
 " الجمالُ أنْ تُنْسَى
لتِبْقَى مَلكاً في المنفى ."
_________
باب بن غشير / طرابلس :  21 مارس 2013