مفتاح العمّاري
معطف بيرنار
ثمة وجهاتُ نظرٍ عديدة قيلت قصدَ الإحاطة
بقصيدة النثر التي ظلّت حتى الآن عصيّةً على القبض ، وكأن ما قيل لم يُدرج
في اعتباره جوهرَ الكتابة المتغيّر ، إضافة إلى الخصائص الفنّية المركّبة التي
تَسِمُ هذا الشكل الناشئ من الممارسة الشعرية . ولعلّ الفرنسية (سوزان بيرنار
) كانت محقّةً حين أقرّت بصعوبة قصيدة النثر / المعقّدة السهلة/ والغامضة المثيرة
،في آن واحد .. والتي تطمح منذ ظهورها - بالضرورة - إلى إخضاع اللغة الشعرية
لمتطلّبات واقع ثقافيّ دائم التبدّل .
ولأنّ هذا الشكل كان مشروطاً بتمرّده
وحتمية تغيّره ، تعسّرَ معه تحديدُ ملامحَ واضحةً يمكن توصيفها .. مما أوقعَ خطاب
الحداثة الشعرية في منزلقات نظرية لا تخلو من التشتت والارتباك ، عبَّرت عنه
بامتياز، معظمُ المقاربات الطموحة التي رافقت قصيدة النثر ، بدءاً من بيانات
الشاعر اللبناني (أنسى الحاج) إلى
آخر الشهادات الشعرية في أفق التحولات ،
مروراً بإعلانات الشاعر العراقي ، (عبدالقادر الجنابي)،ونظريات أدونيس،والتي
جاءت في معظمها كمستنسخات مشوهة ، لعبت وجهاتُ النظر فيها على تنويعات مجتزأة من تلك المفاهيم التي أرستها الفرنسية (
سوازن بيرنار ) . ولعل مأزق النقد هنا يكمنُ هو الآخر في بنيته المركّبة ..
مما ساهم في تعقيد هيئته وصعوبة أشكاله ، وكأنه قد أرادَ تطويع القصيدة لنزاوته
الشكلانية ضمن تمظهرات السطح اللغوي .. فصرنا نقرأُ نقداً مهووساً بزيّه وزينته،
مغرماً إلى حدّ التفكّه باستعراض مفاتنه ، يستعير مفردات القصيدة ليوطّن نفسه كنص
مجاور ، التبس بمقروئه وتماهى به .
إن هذه الضلالة التي مُني
بها النقدُ جعلت التأويلَ عالقاً بمناطق شديدة التيه والغرابة ، خلاصتها أن النقدَ
الشعريَّ قد فقد ملامحَه ، ولم يعد نقداً خالصاً ، بعد أن شرع كُتّابُه يبنون
قصوراً من وهم ، على رمال الشعر المتحرّكة
.
<>