وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الجمعة، 3 يوليو 2015

الصورة ..


                                                           مفتاح العمّاري

كنزُ العين



     الصورةُ كنزُ العين ، كلاهما صنّو  الآخر: الفريسةُ والأسيرُ والطريدُ والعاشقُ ، لاسيما وأن العالمَ الآن  قد أضحى بقضّه وقضيضه  يخضعُ رغماً عنه لأنساق الصورةِ ، كمنظومةٍ جديدةٍ لا تعتمد على دورِ النخبةِ في تأثيثِ قيمَها بعد أن وصلت من خلال سحر البصر إلى مَشاع ، تَشي تمظهراتُه بترويج ثقافة مجتمعية تنحو لتبسيط رسالتها ، بحيث لا يتعذّر فهمها طالما هي تتيحُ التنوّعَ والتعدّدَ وحريةَ التأويل . ومن ثَم انزاحت الصورة ُلتحتلّ بؤرةَ الإشعاع الثقافي كمصدر محوريّ لبثّ وتكريس نموذجَ ثقافتها السهلة والمحيّرة في آن واحد .
  الصورةُ على الرغم من بساطة شكلها ، تظلُّ في عمقها أكثر  تعقيداً ، بحيث كثرت حولها المفاهيمُ والنظرياتُ ،وتشعبت التأويلاتُ والدلالاتُ التي أسهبَ في طرح أسئلتها عديدُ  المفكرين والمثقفين، من تشومسكي ، إلى ادوارد سعيد  ،  مرورا ببودريار وريجيس دوبريه . عالمُ الصورةِ أو ثقافةُ الصورةِ - سواء شئنا أم أبينا  - علينا كجزء من هذا العالم  أن  نخضعَ  - وعن طيب خاطر -  لما تُمليه  سلطتُها من نمذجة لتنميط سلوكنا و(سَكْلَجَة) أذواقنا وخيارتنا ، ومن ثم  برمجتنا تبعاً لذاكرتها وأرقامها وحساسيتها ، إلى الحدّ الذي  لا خيار أمامنا ، سوى الاحتكام إلى مرجعياتها  واللجوء إلى قوانينها واستقاء معرفتنا وتوجيه حساسيتنا من خلالها .

    يبدو أن التسليمَ بهيمنة الصورة، ضربٌ من الاعتراف بجوهرها كأُسٍ معرفيٍّ يشكّلُ علامةً ثقافيةً تَسمُ ما وصلتْ إليه تكويناتُ العقلِ البشريّ في لحظتنا الراهنة ، وأيضاً التسليم بظاهرها أو سطحها من جهة أخرى ، بما يمثله من علامة تجارية ترمزُ إلى هيكلةِ سلطةِ السوق كأهمّ عنوان من عناوين سياسات العولمة ..  ومن ثم قد انعكس هذا المعيارُ بما يُضمره ويخفيه ، على فرضية وجود سياقات جديدة في إنتاج المعرفة بشتى أجناسها  وأنواعها ، حيث لا فكاكَ من أن تندرجَ الفنونُ والآدابُ كشقّ من هذا المتن الواسع ضمن آليات وأنظمة ثقافة الصورة ، وبخاصة تلك الأنواع الأدبية التي تمسّ الهويات ، بحيث صارت هي الأخرى لا مفرّ من أن تحذو حذو  هذا الزحف البصري الكاسح ، وهي مسألةٌ طبيعيةٌ جداً إذا سلمنا نحن العرب الذين نحاذر من مغبّة الغزو الثقافي على هويتنا ،  بأن الأدبَ بصورة عامة ، والشّعرَ بصورة خاصة من الأجناس الأكثر حساسية في استجابتها  . فما من شيء سيكون خارج هذا التأثير . لكن يبدو أن شططَ الإزاحة باتجاه تكريس  نموذج الصورة  قد خلخل  ما نعتقد رسوخه من جماليات في شعر العربية ، الذي تنازل عن هبة الصوت إكراماً لشغف الصورة ، ففقد الاثنين معا  . بحيث صرنا أمام أشلاء لكائن مسخ  لا صوت،  ولا صورة له .