مفتاح العمّاري
الميراث
لماذا أيها الميت
أعطيتني الأرملة الخؤون
مرضعة الفواحش وراعية النزوات
أعطيتني
الشقيقة الخنساء
مربّية الثأر ، النائحة في مضارب البدو
أعطيتني التوأم الذي خطفته تجارة الكتّان
وتماثيل
البنات الثرثارات
أعطيتني خزائن العثّ وجرار العطن
أعطيتني الريح بلا أشجار أو نوافذ
والسماء بلا وطن
وذهبت مبكّرا أيها الباسل
غافلا عن صرير الخيانات
ورائحة الثعالب وصمت النياشين
أعطيتني عائلة من وحل وقبيلة من كرناف
أعطيتني
مسارب السياط المسعورة فوق جلدي
وتركت خيالي النازف وحيدا يدمي
أعطيتني اللسان المعتقل بفصاحة العيّ
وتأتأة الغرقى
كأنني من هدر اللحظة الفاسقة
ونطفة الخلاعة رهينة السرّ
وأن فيضي هوس الصعاليك ولوثة العيارين
أعطيتني أسمال العسس وأحذية القتلة
ودشنتني المجاز للمتاهات
أنا الناحل من قسوة الخبز ولغة
الزمهرير .
أعطيتني كنيتك التي لا تزن رغيفا
وتركت ضجيجك يثقل الأذن
ويمزّق الستائر
تركت كلابك النزقة
تعبث بالكتب والشباشب والنجوم
وتمشّط شعر الغوايات
فكيف سأنام
وأنت لم تمنحني عشّا آمنا
أو لحافا أو حقيبة
ولم يبق منك أيّها الغابر
إلا خلّب الصخب
وأصداء حروب العشائر
فها هي نجومك الجريحة
ضالة بين القرى
مثل ذنوب لا تغتفر
أعطيتني مناجم الجهل
وأوصاف الخطيئة
أعطيتني زئير السّبع
وقامة الجندب
أعطيتني نسب الشياطين
وسلالة النّار
أعطيتني ضراوة البؤس
وفخامة الأسى
أعطيتني ثروة الجعل
وميراث العقارب
وتركت السّماء قاحلة
بلا عناوين واضحة ومنارات
تركت الدروب في عيوننا المبللة بالهوان
عمياء بلا ظلال أو حدائق
فأين هم صحبك
الذين قاسمتهم الكأس والليل
وأقمت الولائم والمسرّات .
أعطيتني قرحة القمر
وشيخوخته المبكّرة
أعطيتني ثراء الأسرى
وأحلام المساجين
أعطيتني وحشة الروح
وفراغ البدن
أعطيتني بلاغة العطش
وإعجاز المنافي
أعطيتني مدافن التّوق
وأكفان المباهج والمسرّات
أعطيتني مآثر الطحلب
وعبقرية العطب
فأين
اختفى أشقاؤك الذين وهبتهم الأرض
والفضة ونحرت الذبائح
أين هم السادة بعد موتك ، الذين
روّضت لهم الخيل وأطعمت الجراء
وجلبت الكمأة وزيت الجبل
أعطيتني اللعنات وقذائف البصاق
أعطيتني يقين التشرّد وهياج الزّوابع
وورثني أطلال الخيبة وعتبات البكاء
ورثّني الخفّة التي أهملتها نباهةُ النمل
وتركتني يتيما بين المخالب
يتيما أهشّ الذباب عن مخيلتي
لا بيت لي أو طريق أو حبيبة
شريدا في كنف العراء
ومشيئة الصدف .
أعطيتني القواقع الباردة
والنساء الرماد
وسلمتني لبراري العوسج
ورحلة الحفاة
لغة هامدة تنهشها البراثن .
وغمرتني برعبك أيها السخيّ
برعبك عقلت كائناتي
وجعلتني وقودا لحروبك
وملاعب لعصيّك الهائجة ..
ذهبت يا سيدي
ولم تترك لي اسما واحدا أستغيث به
أو كلمة
أتشبّث بأهدابها ..
هكذا قتلتني أيها الميت .
____
الزهراء : يناير 1999
*من قصائد المجموعة الشعرية : جنازة باذخة .