مفتاح العمّاري
رحلةُ الشّنْفَرَى
لأي شيء يا ارضَ الحواس
وأنتِ الكريمةُ ، أمُّ الينابيع ، وبلادُ القوافل
تتركين الذئبَ الذي علّمك مغزى العُواء
وحيداً ينهش أحشاءه
ويلوك عظامَ المخيلة .
تتركين الجوادَ الجامحَ يكبو بوقارٍ حزين
في حجارةِ نزوتك الغاشمة .
تأخذين صدرك
وتتركين شعبي يتسكّع شريداً بلا مأوى
تأخذين اللوامس والأسماء
وتتركين المتاهات لرحلةِ عاشقٍ أعمى .
**
لأي شيء
وأنت الجليلة صاحبة السمو
تخطفك فتنةُ الزهو
وتبتعدين خارج الغايات
بنوازع مسّ تملئين مخابئ غيرنا
تملئين البياضَ الآخر
وليلَ الخرائط .
قامتُكِ ألسنةُ نارٍ متروكة لشغف الهشيم ،
بعلو تقترف رياحها
كأنّها وعول هاربة من أبراح الرمل
ومآذن الزيت
نارٌ تحرقنا وتضيءُ نفسَها .
**
لأي شيء
يا ابنة الطيبين
تتركين الجواد الغافل
يكبو بلا أين
والذئب الخائف
يَرى فخاخاً لا تُرى
**
لأي شيء يا فقيدةَ فمي
يخطفك السّهوُ منّي
فتأخذين شعرَكِ الثريّ ،
مترعا بفضةِ البحر
وأنفاس الحدائق .
تأخذين البصر
وتتركين الجدران تنمو بحراسها
تتركين صوتي النظيفَ
يسقط ُمهموما في فراغ ثقيل
يتكاثر بذريتهِ الآبقة .
تتركين الأيامَ الغشيمةََ مشغولة بأسبابها
عن توقِ ركّابها الضائعين
تتركين الأطفالَ بلا أمّ
ترفو مزقَ الروحِ
وتطرّز للعيد أهلّة المباهج
وتخسفين خارج المرافئ
مفتونة برطانة المهرّجين
وعادات القراصنة .
محاطة بخدمٍ أوفياء
يطعمونك صيدَ المواسم
ويهشّون عنك ذباب المحطّات .
**
لماذا تأخذين يدَيك
وتتركين وجهي
وأنا من شدّة ولهي بك
صرت عن سواك أعمى .
أكتبك بعيون الحكمة الضالة
بلغة مكسورة المقابض
كلماتها سخية بألوان لم توجد
يطوقها حبل معلّق
تقرضه فئران الندامات .
ومن ضفةِ لغم أناديك
يا بلاد الولائم
التي واحاتها مسقط حلم
ومرمى خيال
من وراء نافذة ضيقة
غادرتها طيورها
أرنو بلا جدوى
إلى البواخر وهي من دونك ترسو .
بيدٍ مضاءةٍ أطيلُ النظرَ من بعيدٍ إليكِ ،
وأطلق سراح عبيدي ،
: يهيمون خلفك بمشيئتهم دون سياط .
أنت مرضعتهم الأولى
أوصافُك تُثقلُ أحلامهم الصغيرة
وأكوابُك تفيضُ بعصير التجارب
وشدو البساتين .
من تخومِ قريةٍ نائية
حيث لا شيء يؤنّث
لا شيء أسمه نساء
أو حدائق
مشفوعة برعشة الترقّب
ودهشة الحقائب الساخنة
مشغول أنا يا حبيبتي بالنظر
من بعيد إليك .
أحرسُ فمك الصغير
مأخوذا بطقس أمومته
أحرس خيالَكِ من عثرات المحبّين
وكتَابَكِ من تحريفِ الزنادقة .
مشغول بك
أشتهيك منزوعة من المسامير
ليتبدّد شعرك متروكا لمشط البراري
وحرّة من قضبان الدفاتر
ليغدو جسدك على فطرته
بريئا من وشاية الخدم
ونزق المراهقين
أريدك قريبة من لهفة كائناتي
من فتية شياطين
يتحدّون على هيئة فم واحد
وينتشرون عبر المسالك
يقطفون القصائد ناضجة من عناقيدها الصاخبة
ويدحرجون الثمار إلى المخازن
ويغرفون من سرتك ضوء الينابيع
فتية شياطين
ثملوا بخمور الجنّة قبل ذويهم
وتعلموا الأسماء قبل اختراع المدارس
دائما يستيقظون بسكر الحداثة
يحملون في رسائلهم المطر والشرفات
ويتيهون في حكايات بعيدة
بلا أبواب .
**
فهنيئا لبلادي التي تنأى ،
لصاحبة السمو ، التي وجهها
نزاع بين الرماد والزوبعة .
فأنا سأشرب الآن كأسي ،
وفي الصبح الذي يأتي
أكنس ما تراكم من روث القوافل
وضجيج الرحلة الغابرة .
¨
_____
الرملة صيف 1997
*من المجموعة الشعرية : رحلة الشنفرى .