مفتاح العمّاري
المليونير
عثر
رجلٌ على كنزٍ في قاع البحر .كان مجرد حارس ليليّ لمنارة ميناء بلدة جبلية صغيرة ،
تقع على ضفاف المتوسط . كان ليلتها مفتونا بشيء يجهله ، فخضع لنشوة السكْر، وزهاء
القمر بدرا وغطس بشغف في قاع البحر . حينئذ لمح بريقا ذهبيا ينعكس على ضوء القمر ،
فأمعن النظر لهنيهة مخطوفا بلمعان ذلك الشيء الذي
لم يكن غير سبيكة ذهبية ، ما كاد
ينتزعها من مكانها حتى كشفت عن صندوقٍ معدني مخلّع امتلأ لحافته بسبائك شبيهة.
لهذا لم يعد الحارس الليلي حارسا ، فقد
تضافر الذهبُ والخيالُ وشغفُ الحياةِ في صناعةِ الأسطورة ، ليجتمع الثراءُ وأبهةُ القصرِ ، وفن البذخ في لحظة
واحدة. ولأن الخيال هنا قد فرض مشيئته
فتحول إلى واقع مدهش غدا على أثره الرجلُ المليونير هو رجل عصره ، بعد أن استقطب
الأضواء كلها ليصبح محطّ أنظار الناس ،
ومحور حديثهم . فهو وحده من يحتكر
صناعة الأحداث الغريبة والوقائع المثيرة ، فبعد أن امتلك القصر والزوجات الأربع
إضافة إلى أسطول من السيارات الفخمة والخدم والسائقين ، بادر بإنشاء أكبر مطبخ في
تاريخ المملكة ليولم كل أسبوع المدينة بأسرها ناهيك عن ملا ذات شاسعة لإيواء
المشردين والأيتام والأرامل وعابري السبيل ، ولم يبق من طموح أمامه سوى الاستجابة
لمحرضات رهطه المشجعة على ترشيح نفسه في مجلس نواب المملكة . ولأن للمال سحره
وسلطته ، جمع الرجل بعد نجاحه المبهر في الانتخابات بين الثراء والوجاهة . لكن
المال ظَلّ يتناقص يوما بعد يوم ، والمليونير لم يشأ تغيير عاداته ، ولا سيما
وليمة الأسبوع الباذخة التي كان يقيمها كل مساء خميس لسكان البلدة . لذا وجد نفسه
مضطرا في أول الأمر للاستغناء عن مزارعه
وعقاراته ، ثم سعى لتقليص أسطول سياراته ،
كما صرف اكبر عدد من الخدم ، لينسحب الأمر من ثم
على زوجاته الأربع ، إلى أن فقد كل شيء ولم يبق في حيازته غير قصر فارغ ،
كان الاستغناء عنه هو الآخر أمرا محتما ، ليلوذ في نهاية المطاف بمنزله القديم ، وما
من شيء في حوزته غير أكداس من الصور والذكريات . وهكذا عاد الرجلُ الوحيدُ وحيداً
، ولكن ليس كما كان ، لأنه قد تعذّر عليه العودة للعمل كحارس ليلي لمنارة الميناء ، فقط كان يقبل في صمت وعلى مضض أخذ الإعانات من
سكان البلدة كالطعام والثياب وعلب السجائر . اقترح صديقي الشاعر أن يجري حديثا مع
المليونير وتحويل حكايته إلى رواية أو عمل
سينمائي ، فاخذ مسجلته وأوراقه وذهب إلى بلدة المليونير . بعد سنة مات المليونير ،
لكن الشاعر بعد أن أجرى سلسلة من الأحاديث
مع المليونير، قد اختفى . يقال بأنه قد عبر البحر بحثا عن الكنز . هذه الحكاية
يمكن العثور في مدينة سوسة الليبية ، على بعض من نسيجها ، فثمة هناك من يتذكر أمر
المليونير، ومأساة الشاعر الذي اختفي في ظروف غامضة . يحكى أن بعض أغراض المليونير
مخبوءة في مكان ما . كذلك ما تزال أم
الشاعر وحدها تنتظر اللحظة التي يطرق فيها الباب .