وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الثلاثاء، 23 يونيو 2015

المليونير


مفتاح العمّاري

المليونير 



      عثر رجلٌ على كنزٍ في قاع البحر .كان مجرد حارس ليليّ لمنارة ميناء بلدة جبلية صغيرة ، تقع على ضفاف المتوسط . كان ليلتها مفتونا بشيء يجهله ، فخضع لنشوة السكْر، وزهاء القمر بدرا  وغطس بشغف  في قاع البحر .  حينئذ لمح بريقا ذهبيا ينعكس على ضوء القمر ، فأمعن النظر لهنيهة مخطوفا بلمعان ذلك الشيء الذي  لم يكن  غير سبيكة ذهبية ، ما كاد ينتزعها من مكانها حتى كشفت عن صندوقٍ معدني مخلّع امتلأ لحافته بسبائك شبيهة. لهذا لم يعد الحارس الليلي حارسا  ، فقد تضافر الذهبُ والخيالُ وشغفُ الحياةِ في صناعةِ الأسطورة ، ليجتمع  الثراءُ وأبهةُ القصرِ ، وفن البذخ في لحظة واحدة.  ولأن الخيال هنا قد فرض مشيئته فتحول إلى واقع مدهش غدا على أثره الرجلُ المليونير هو رجل عصره ، بعد أن استقطب الأضواء كلها ليصبح محطّ أنظار الناس ،  ومحور حديثهم .  فهو وحده من يحتكر صناعة الأحداث الغريبة والوقائع المثيرة ، فبعد أن امتلك القصر والزوجات الأربع إضافة إلى أسطول من السيارات الفخمة والخدم والسائقين ، بادر بإنشاء أكبر مطبخ في تاريخ المملكة ليولم كل أسبوع المدينة بأسرها ناهيك عن ملا ذات شاسعة لإيواء المشردين والأيتام والأرامل وعابري السبيل ، ولم يبق من طموح أمامه سوى الاستجابة لمحرضات رهطه المشجعة على ترشيح نفسه في مجلس نواب المملكة . ولأن للمال سحره وسلطته ، جمع الرجل بعد نجاحه المبهر في الانتخابات بين الثراء والوجاهة . لكن المال ظَلّ يتناقص يوما بعد يوم ، والمليونير لم يشأ تغيير عاداته ، ولا سيما وليمة الأسبوع الباذخة التي كان يقيمها كل مساء خميس لسكان البلدة . لذا وجد نفسه مضطرا في أول الأمر للاستغناء عن   مزارعه وعقاراته ، ثم سعى لتقليص  أسطول سياراته ، كما صرف اكبر عدد من الخدم ، لينسحب الأمر من ثم  على زوجاته الأربع ، إلى أن فقد كل شيء ولم يبق في حيازته غير قصر فارغ ، كان الاستغناء عنه هو الآخر أمرا محتما ، ليلوذ في نهاية المطاف بمنزله القديم ، وما من شيء في حوزته غير أكداس من الصور والذكريات . وهكذا عاد الرجلُ الوحيدُ وحيداً ، ولكن ليس كما كان ، لأنه قد تعذّر عليه العودة للعمل كحارس ليلي لمنارة الميناء  ، فقط كان يقبل في صمت وعلى مضض أخذ الإعانات من سكان البلدة كالطعام والثياب وعلب السجائر . اقترح صديقي الشاعر أن يجري حديثا مع المليونير وتحويل حكايته إلى  رواية أو عمل سينمائي ، فاخذ مسجلته وأوراقه وذهب إلى بلدة المليونير . بعد سنة مات المليونير ،  لكن الشاعر بعد أن أجرى سلسلة من الأحاديث مع المليونير، قد اختفى . يقال بأنه قد عبر البحر بحثا عن الكنز . هذه الحكاية يمكن العثور في مدينة سوسة الليبية ، على بعض من نسيجها ، فثمة هناك من يتذكر أمر المليونير، ومأساة الشاعر الذي اختفي في ظروف غامضة . يحكى أن بعض أغراض المليونير مخبوءة في مكان ما .  كذلك ما تزال أم الشاعر وحدها تنتظر اللحظة التي يطرق فيها الباب .