مفتاح العمّاري
لاو تسو
منذ أكثر من ألفين وخمسمائة سنة ، حدث في
قرية -كيوه - بإقليم تشو ، احد أقاليم
إمبراطورية الصين القديمة ، أن رزق رجل فقير من زوجته الفقيرة بولد سمّياه ( لي
بيه يانج ) .وتبعا لكتب التاريخ لم يُعرف عن حياته سوى القليل ، أهمها أنه في شبابه المبكّر قد عمل أمينا للمحفوظات
في المكتبة الإمبراطورية . هذا العمل كان منسجما مع شغفه في المطالعة والتعلّم
والبحث والتحصيل ، لأنه عندما بدأ يجهر بآرائه في الفلسفة والدين والتاريخ والشعر
والموسيقى ، قد حظي بإعجاب الكثيرين فأطلقوا عليه الاسم الذي سيعرف به ،وهو : لاو تسو ، ومعناها في الصينية – الفيلسوف العجوز -
. لكن ما لبث في الأثناء أن تعرّض لشيء من السفه والذل ، فشعر بأنه من المهين أن
يعيش في ظل السفهاء , وقد ضاق ذرعا بمحيطه ، وصمّم على مغادرة المكتبة الإمبراطورية . لكن الحكمة تقتضي إذا أردت أن تهجر منزل العائلة دونما رجعة ،بأنه يتحتّم عليك أن تترك خبرتك لأهل البيت الذي ترعرعت في كنفه وتربيت على
حكمته واحتميت بسقفه . هذا ما حدث للحكيم
(لاو - تسو ) عندما قرر فجأة ، وهو في
التسعين من عمره ، مغادرة الإقليم الذي يعيش فيه ، مقترحا على نفسه العزلة ليقضي
ما تبقى من حياته في البراري البعيدة ، بمنأى عن الناس . لكنه عندما بلغ حدود الإقليم ، قد تعرّف عليه
حارس الحدود ، ولم يسمح له بالمرور . الأمر الذي أثار استغراب الحكيم العجوز متسائلا عن أسباب المنع ، فأجابه الحارس بهدوء
: أيها المعلم أنت فيلسوف عظيم ،شهرتك
بلغت الجهات البعيدة ، ومعرفتك لا تضاهى ، فكيف سأسمح لك بعبور حدود إقليمنا وأنت
لم تسجل بعد تعاليمك في كتاب يحفظها كإرث يضاف لخزائن معرفتنا . وأنّي أخشى إذا بارحتنا الآن ، فلن تكون
لدينا مدونة تضمّ خلاصة حكمتك . وحين
تأكد للحكيم بأنه لن يبرح حدود الإقليم ما لم يسجل تعاليمه، دوّن في كتاب صغير من
خمسة وعشرين صفحة ، خلاصة الحكمة التي انطوت عليها خبرته ومعرفته وتجاربه خلال
تسعين سنة قضى معظمها بين الكتب , وما أن سلّم هذا المتن الصغير لحارس الحدود ،
حتى سمح له بالعبور ، ليهيم في البراري
البعيدة . ومنذ اللحظة تلك لا يعلم أحد
شيئا من أمر مؤسس عقيد التاوية الحكيم العجوز ( لاو – تسو ) . لكن ذلك الكتاب الصغير الذي تضمن أهم التعاليم الخاصة ، بما يعرف بالعقيدة التاوية ، ظل فيما بعد هو
الدليل الوحيد على وجوده ، سيما وأن
عقيدته قد وجدت العديد من الأنصار والمريدين ، وعدّت من ثم كواحدة من أشهر المعتقدات
في الديانات الصينية التي لها أتباعها حتى يومنا هذا .