وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الخميس، 18 يونيو 2015

لاو تسو



                            مفتاح العمّاري  
  

                                      لاو تسو 

                                    



        منذ أكثر من ألفين وخمسمائة سنة ، حدث في قرية -كيوه -  بإقليم تشو ، احد أقاليم إمبراطورية الصين القديمة ، أن رزق رجل فقير من زوجته الفقيرة بولد سمّياه ( لي بيه يانج ) .وتبعا لكتب التاريخ لم يُعرف عن حياته سوى القليل ، أهمها  أنه في شبابه المبكّر قد عمل أمينا للمحفوظات في المكتبة الإمبراطورية . هذا العمل كان منسجما مع شغفه في المطالعة والتعلّم والبحث والتحصيل ، لأنه عندما بدأ يجهر بآرائه في الفلسفة والدين والتاريخ والشعر والموسيقى ، قد حظي بإعجاب الكثيرين فأطلقوا عليه الاسم الذي سيعرف به ،وهو : لاو  تسو ، ومعناها في الصينية – الفيلسوف العجوز - . لكن ما لبث في الأثناء أن تعرّض لشيء من السفه والذل ، فشعر بأنه من المهين أن يعيش في ظل السفهاء , وقد ضاق ذرعا بمحيطه ، وصمّم على مغادرة  المكتبة الإمبراطورية . لكن الحكمة تقتضي  إذا أردت أن تهجر منزل العائلة دونما رجعة  ،بأنه يتحتّم عليك أن تترك خبرتك  لأهل البيت الذي ترعرعت في كنفه وتربيت على حكمته واحتميت بسقفه  . هذا ما حدث للحكيم (لاو  - تسو ) عندما قرر فجأة ، وهو في التسعين من عمره ، مغادرة الإقليم الذي يعيش فيه ، مقترحا على نفسه العزلة ليقضي ما تبقى من حياته في البراري  البعيدة  ، بمنأى عن الناس  . لكنه عندما بلغ حدود الإقليم ، قد تعرّف عليه حارس الحدود ، ولم يسمح له بالمرور . الأمر الذي أثار استغراب الحكيم العجوز  متسائلا عن أسباب المنع ، فأجابه الحارس بهدوء : أيها المعلم  أنت فيلسوف عظيم ،شهرتك بلغت الجهات البعيدة ، ومعرفتك لا تضاهى ، فكيف سأسمح لك بعبور حدود إقليمنا وأنت لم تسجل بعد تعاليمك في كتاب يحفظها كإرث يضاف لخزائن معرفتنا  . وأنّي أخشى إذا بارحتنا الآن ، فلن تكون لدينا مدونة تضمّ خلاصة حكمتك .   وحين تأكد للحكيم بأنه لن يبرح حدود الإقليم ما لم يسجل تعاليمه، دوّن في كتاب صغير من خمسة وعشرين صفحة ، خلاصة الحكمة التي انطوت عليها خبرته ومعرفته وتجاربه خلال تسعين سنة قضى معظمها بين الكتب , وما أن سلّم هذا المتن الصغير لحارس الحدود ، حتى سمح له بالعبور ، ليهيم  في البراري البعيدة .  ومنذ اللحظة تلك لا يعلم أحد شيئا من أمر مؤسس عقيد التاوية الحكيم العجوز ( لاو – تسو ) .  لكن ذلك الكتاب الصغير  الذي تضمن أهم التعاليم الخاصة ،  بما يعرف بالعقيدة التاوية ، ظل فيما بعد هو الدليل الوحيد على  وجوده ، سيما وأن عقيدته قد وجدت العديد من الأنصار والمريدين ، وعدّت من ثم كواحدة من أشهر المعتقدات في الديانات الصينية التي لها أتباعها حتى يومنا هذا .