وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الأربعاء، 22 نوفمبر 2017

بروفايل

مفتاح العماري





منذ أن دفنا أبي، وتركنا أخطاءه تلعب حرّة خارج القبر،
منذ أن تدبرت أمنا زوجا آخر، ولم نعد نراها إلا في المآتم،
منذ أن تخلت عنّي الأبواب؛ 
تحوّل اسمي إلى خمسة أرقام هزيلة،
وأمست الثكنات ملاذي غير الآمن.
منذ أن عثرت على  جبران متروكا بإهمال على طاولة عامل بدالة في معسكر الكتيبة 23
كان النبي مهانًا، شوهت ملامحه أرقام وخربشات عابثة، وبقع الشاي.

منذ ذلك الحين
وأنا أكتب الشعر لجمهور مغرور، يتجاهل الموسيقى

ويفسح الطريق للجنرالات.

الاثنين، 13 نوفمبر 2017

حطّااب الأرض الوعرة . ترجمة : غازي القبلاوي

الكاتب والمترجم: د. غازي القبلاوي





Because I am from the sap of the rough land
My father a logger of dreams
My mother a weaver of promise 
That gives birth to meaning
I won’t migrate
To another language
Flying like deceived ashes
Snatched between the wind mills
Above towers of smoke
Overwhelmed with delusional joys
And the chatter of reckless whims

And where ever my language might wander
My song won’t fade
Over the skies of our homes
And the farms of our intimacy

And whatever mistakes my mother makes
I won’t hang out the washing of my days 
On our neighbour’s clothesline
And my mother will remain despite my bleeding wounds
Mounting the throne of my imagination
As if she is a queen

And despite the sting of the vile time
I will be drinking every morning her bitter coffee 
And no matter what
I will stay here
On this rough land
Hitting strongly my axe of imagination 
Extracting the poems from its stony roots
Granting her my soul’s flare
And my heart’s wings of usefulness

Over here I will mature my intuition wine
Drinking my goblet
The moon will be drunk
And the shadows of my companions dance
And when the ear of the night sleeps
I explore the depths of my walls
And overtake my guards
Hammering my pegs deeply
In the heart of the meaning
Thus the thrones of the planets will rumble
And the hats of the stars will fall,
The sun releases in the fields of my poems
Herds of its gleeful horses

And because I am a soldier
Carried with the lightness of eyes
Darkened with the scenes and colours of thirsty deserts
With the colour of sand watches 
Broken by many defeats
With the colour of rain of crows
And echoes of carcasses eaten by the grace of negligence
With the colour of mass cheers from the forests of killers
Despite all this
I won’t abandon the nest of my children
And the poor shadow’s retreat 
And the vine of dew

I will remain over here  
Beneath the shady tree, like a fountain of wise hoopoes 
Chanting with the call of dates 
The twin of the genuine copper 
Braiding praise to the female
Princess of the trees 
Stirring my knowledge to take bunches of revelation
And sweep the dirt of the wizards
And the spider’s webs 
To expose the genitals
And mulberry leaves fall

O, how beautiful is this death
When the fist is victorious with birds
And the juice of mysteries
And the galleries of poetry becomes
Rich with visions and mines of salt and wells 
When my hands ember 
Fades in the dough of clay
And I die over here
While my glass remains brimful with the hymn
And my words, flocks of clouds 
Pasturing on my rough land


_______
* From the collection Janaza Bathekha (A Lavish Funeral) 2002.

** Moftah Al Ammari: born in 1956, a renowned Libyan poet. Began writing short stories in the late 1970’s and by the mid 1980’s he emerged as one of the leading new poets in Libya. He has twelve published books.
_________________________



من أرشيف مدونة امتداد. الرابط: file:///D:/%D8%A3%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D9%81%20%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%81%D9%88%D8%B8%D8%A7%D8%AA%20%202016/%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86%202017/%D8%A7%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D9%81%20%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86/%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9%20%D8%AD%D8%B7%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B9%D8%B1%D8%A9%20%D9%84%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%AC%D9%84%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A9.htm

شَاعرٌ بأسرِهِ يمشي على القلبِ


                                                                              بقلم الشاعر : جمعة الفاخري

الكاتب والشاعر : جمعة الفاخري

إلى مفتاح العَمَّاري ..
 شاعرٍ يفرِّقُ بأصابِعِه غيومَ الكآبَةِ 
ويرسمُ بحبرِ قلبِهِ بيتًا للفرحِ



       أَيُّهَا الشَّاعِرُ الطَّاعِنُ في غَيَابَاتِ الوجِعِ لحنًا ظامئًا .. الغائبُ في الحضورِ البليدِ ملاكًا .. المسافرُ في كلِّ اتجاهٍ ولا اتِّجاهٍ .. أَيُّهَا المنبثُّ في ليلِ النُّكرانِ البذيءِ قمرًا ريفيًّا لا يسألُ الغرباءَ عن أحلامِهِم المخبَّأةِ .. ولا يحرجُ العاشقينَ بسؤالِهِم عن تأشيراتٍ لنبضِهِم المهرَّبِ .. أَيُّهَا المنبثقُ من صَحْوِ الأمنيَاتِ فجرًا ذهبيًّا .. المنشقُّ عن صمتِ السَّادِرِيْنَ في عجزِهِم بصخبِ القصَائدِ ، وثوراتِ البراكينِ ..

     هل تسمحُ لإدَّعائِنَا الصَّفيقِ أنْ يقفَ لحضورِكَ الجميلِ إِكبارًا .. وأن نصفِّقَ للقصيدَةِ الحسناءِ حينَ تهبُكَ بحرًا ذلولاً تخطرُ عليهِ دونَ زحافٍ .. دونَ نشازٍ .. دونَ عناءٍ .. للمعاني الموقَّرَةِ حينَ تزوِّجُكَ بنتَهَا البكرَ .. وللمحبَّةِ حينَ تهبكَ وطنًا من ضوءٍ ، وأكوانًا من عطرٍ وشعرٍ ونوارسَ ..!؟
لا أحدَ سيسألُكَ لماذا تأخَّرْتَ عن موعدِ الفرحِ .. ولا لماذا أجَّلت عرسَ القصيدةِ الكبيرَ .. ولا أحدَ سيزعمُ أنَّهُ نَازَعَكَ حبَّ الوطنِ .. لا أحدَ سيسألُكَ لماذا تلطمُ خَدَّ بلاهَتِنَا ونحنُ نُصَدِّقُ دعاوى المرضِ بالغيابِ الكذوبِ .. ونؤمنُ أنَّ بإمكانِ الشَّاعِرِ أن يتقاعدَ .. ونزعمُ ببجاحَةِ الظنِّ الأثيمِ أنَّ قلبَهُ يمكنُ أن يشيخَ ..!؟

     أَيُّهَا الشَّاعِرُ ، أَيُّهَا المتسكِّعُ في باحةِ القلبِ رسولاً .. ووجهَ حبيبٍ .. وداعيةَ محبَّةِ .. أَيُّهَا المسَافِرُ في خَاصِرَةِ القصيدَةِ لحنًا .. ومعنًى ذهبيًّا .. وبيتًا عصيًّا نافِرًا ..
أَيُّهَا المنحوتُ في رائعةِ العشقِ وشمًا مقدَّسًا .. وترتيلَةَ عشقٍ مُهرَّبةً .. وأيقونَةً سحريَّةً نستدني بها فرحًا كذوبًا لا يجيءُ..!
بأيِّ شيءٍ سُنغرِي قلبَكَ الجرئَ ليعودَ إلى غيِّهِ الطهورِ .. بذكرى أصدقاءٍ لم يعودوا .. أم بحبَّةِ شعرٍ .. أم بنفثةِ عطرٍ ، أم بوجْهِ قصيدةٍ ..!؟

     لا شيءَ هنا بإمكانِهِ أن يُغرِي قلبَكَ العزيزَ بالمجيءِ .. ويجرَّ أَنَفَتَهُ البتولَ للذُّوْبَانِ على مصاطبِ البرودِ .. لا شيءَ هنا ، والشِّعْرُ يُغْلِقُ مدائنَ الدَّهْشَةِ على فرحٍ مُصادرٍ ، وَيُلْغِي آخرَ مراسِمِ اللَّهْفَةِ في قلوبِ العاشقينَ ..!؟
كانَ بإمكانِنَا أن نلبسَ للعيدِ أثوابَ اللَّهْفَةِ .. وأن نوهمَ قلوبَنَا الغبيَّةَ بأنَّ ثمَّةَ فرحًا مُرَاودًا ينتظرُ على مداخِلِهَا إذنًا بالوصولِ..

    كان بإمكانِنَا أَنْ نرشَّ عطرًا مزيَّفًا على أجسادٍ مهترئةٍ .. وُنَلْصِقَ ابتساماتٍ باهتةً على شَفَاهِ جفَّفَهَا كَذِبُ الأمنياتِ .. وكمَّمَهَا وَجَعُ الحقيقَةِ السَّافِرَةِ .. وأوصدَ أبوابَ حدائقِهَا زيفُ الكلامِ …
كان بإمكانِنَا أنْ نلوِّنَ بالبياضِ المرَاوِغِ بهاتةَ ابتسَامَاتٍ سوَّسَهَا النِّفَاقُ المقيمُ ، ونخرَ أرواحَها سُوْسُ الخداعِ ..

    أَيُّهَا الوالجُ إلى تاريخِ الهوى قمرًا وعصفورًا وشاطئَ أحلامٍ .. سندَّعي أننا اشتقْنَا إليكَ .. وأننا منحنَاكَ قلوبَنَا لتحتملَ بها وجعَكَ الجبَّارَ .. وأننا وَقَفْنَا حَياتَنَا الفارِغَةَ على عمرِكَ المباركِ فَوَهَبْنَا لكَ تلكمُ الأعمارَ الخاويَةَ الآيلَةَ أبدًا للانكفاءِ والانطفاءِ .. وَهَبْنَا لكَ هذهِ الأعمارَ الهشَّةَ الجانحةَ أبدًا للخيانةِ لترتِّقَ بها عمرًا يَلِيْقُ بكَ .. عمرًا يستحقُّهُ شَاعِرٌ بحجمِكَ .. وبمزايا قلبِكَ الأمينِ الحزينِ..
سنزعمُ أَنَّنَا قد وهبناكَ أصابِعَنَا المرتعشَةَ ، وأقلامَنَا الكسلى .. وأوراقَنَا التي أقحطَهَا جدبُ الفراغِ لترصُفَ بها دَربًا آمنًا نحوَ السَّماءِ .. وطريقًا مزهرًا إلى الرَّبيعِ .. ومسلكًا سِرِّيَّا إلى قلوبِ العاشقينَ .. ومسربًا مونقًا إلى قلوبِنَا الجوعى للحبِّ والعطرِ والشعرِ والسلامِ..

    سنزعمُ أننا رفضْنَا قُبلاتِ حبيباتِنَا .. وأضرْبَنَا عنِ العشقِ المباحِ.. وأحلْنَا أعيادَنَا السَّمِجَةَ المكرَّرَةَ على التَّقَاعِدِ الإِجبارِيِّ المبكِّرِ.. فقد تأخَّرْنا بِقدرِ مليونِ نبضةِ عشقٍ عن رَكبِ الحبِّ المبجَّلِ .. وَسَقَطْنَا لوحدِنَا في هُوَّةِ عَمَى الجمالِ ..!!
سنتوَّهمُ أننا أمسكْنَا عن تعاطي الفرحِ المغشوشِ لمجرِّدِ أنَّةِ شاعرٍ .. وأننا حَبَسْنَا أنفاسَنَا المجَّانيَّةَ تَضَامُنًا معَ قلبِ شاعرٍ عفيفٍ يتوجَّعُ ..

    سنزعمُ أننا أطعَمْنَا الحمَامَاتِ النَّائِحَةَ على شبَّاكِنَا قمحَ قلوبِنا .. وأذكينا غناءَهَا بموسيقا أرواحِنَا الدَّافِقَةِ .. فيما كانت تناشدُنا قلبًا شاعرًا بإمكانِهِ أن يترجمَ نواحَهَا إلى هديلٍ..
سندَّعي أَنَّنَا كلُّنَا أصدقاؤكَ الأوفياءُ الأنقياءُ .. وأننا قرأناكَ ونقرؤكَ بذاتِ الحبِّ الذي تكتبُ بِهِ قصائدَكَ الضوئيَّةَ .. ونتلقَّفُهَا بنفسِ الدِّفْءِ الذي تشحنُ بِهِ تفاصيلَهَا .. وبنفسِ العطرِ الذي يزكمُ أرواحَنَا حينَ نتنفَّسُهَا بهِ فجرَ اللَّهَفِ الجميلِ ..

    بأن قلوبَنَا تستوعِبُ موسيقَاكَ الفارِهَةَ .. تغويها موسيقا روحِكَ .. وأنَّ كلماتِكَ المبصرَةَ قد أثَّثتْ جدبَ قلوبِنَا بنجوى بوحِهَا المعطَّرِ .. وأننا استوعبنا وجعَكَ .. وخلعْنَا سرابيلَ فرحِنَا عطفًا على قلبِكَ المحبِّ الكبيرِ ..
   
    من يرتِّبُ وجهَ الحلمِ .. ويلقِّنُ صبواتِنا طَرَائِقَ اليقينِ .. ويشفعُ صلواتِنا بنورِ القبولِ .. وسكينةِ القنوتِ.. ورجاحةِ الدعاءِ المقبولِ..
من يدرِّبُ أذواقَنَا الأميَّةَ على فنِّ التلقِّي .. ويُبَلْسِمُ الجراحَ الصَّارِخَةَ الوجعُ .. وَيُهَدِّئُ من رَوْعِ آلامِنَا المستعرَةِ .. من يستعمرُ قلوبَنَا المتوَاطِئَةَ مَعَ الضَّجَرِ الجسوْرِ .. من يرسمُ للوعدِ المتمنِّعِ وَجهَ التحقِّقِ السَّعِيْدِ .. وَيُنْصِتُ لِنَهْنَهَةِ أعمَاقِنَا تتمارى فيها مَوَاجدُ الأسى العميقِ ..!؟
من يُرَبِّتُ على طفلِ أرواحِنَا حينَ يفزعُ ضَجَرًا من وسوسَةِ القنوطِ الكفورِ .. !؟
من يُهَيِّئُ المساءَ الصَّدِيقَ لجلسَةِ سمرٍ بريئةٍ ، وَيُشْعِلُ لِلْمَوَاعِدِ الزَّاهِيَةِ أَصَابِعَ الدَّهْشَةِ الرؤومِ ..
من يَعِدُ ذَاكِرَةَ النَّهَارِ بِشَمْسٍ مُسَالَمَةٍ تغطِّي سَوْءَةَ اللَّيْلِ الفاجرِ بتوتِ أشعتِهَا الذَّهبيَّةِ .. من غيرُكَ أَيُّهَا الشَّاعِرٌ يتسلَّلُ إلى قلوبِنَا شَاعرًا بأسرِهِ يحبو على القلبِ .. يسري إلى القلوبِ كنسمةِ فرحٍ .. كسهم شوقٍ مخاتلٍ فيُسْدِي إليها قَصَائِدَ النَّهَارِ.. يُعيدُ لقوسِ قزحٍ وَجْهَهُ الملوَّنَ ، وللفراشاتِ رفيفَ أجنحَتِهَا السَّاحِرَ .. وْلِلْمَدَى الباهِتِ لونَهُ القرمزيَّ .. وينسبُ الرَّبِيْعَ الصبيَّ إلى أَحبَّائِهِ العاشقينَ .. يُؤبِّنُ قوافلَ الأسى الدَّاهِمِ بنثارِ حنينٍ عسجديٍّ ، وينعى لِلجراحِ أوجاعَهَا الكَافِرَةَ بأغنيَةٍ جهورٍ .. وللنكرانِ وَجْهَ خَيبتِهِ الآبقَةِ .. ويلطمُ خدَّ الكفرِ السَّادِرِ بغشَاوَةِ الْغِوَايَةِ .. وَيَنْسِفُ ليلَ الغيابِ القمئِ بيقينِ الحضورِ المبجَّلِ.. ويعلنُ بيانَ الفرحِ المستديمِ .. يُعِيْدُ منطقةَ الأَشْيَاءِ .. وَيَسْمَحُ للسَّمَاءِ الصَّدِيقةِ أن تتزنَّرَ كلَّ نبضٍ بحزامِ فتنتِهَا القزحيِّ .. وترذِّذُ الأرضَ بريقِ شهوتِها المقدِّسِ .. ويزوِّجُ المواسِمَ المطيرةَ قلوبَ الشُّعَرَاءِ .. ونزواتِ العاشقين.. وأحلامِ الفراشاتِ ..!

    ما أحوجَنَا .. ما أحوجَ الحياةَ والقصائدَ لشاعِرٍ مهيبٍ ينسفُ برؤاهُ غشامَةَ الوجعِ .. ويزجرُ بقلبِهِ الكبيرِ دعاياتِ الذهابِ المضبَّبِ ..
شاعرٍ ينبضُ في قلبهِ ألفُ ربيعٍ .. ويتمرجحُ فيهِ موجٌ جسورٌ وشموسٌ وشطآنٌ .. ينصِّبُ في ساريةِ القلبِ وطنًا من حبٍّ .. من ضوءٍ وعطرٍ وأمنياتٍ ، ويرتدي أسماءَنا جميعًا حينَ ندَّعي أننا نحبُّهُ .. ويصدَّقنا على حينِ كذبةٍ من نيَّاتِنَا المراوغَةِ .. وينسى أن يوشوَشَ نفاقَنَا ببعضِ عتابٍ خجولٍ .. وأن يرشَّ على قلوبِنَا المعطَّلةَ قبسًا من روحِ الياسمينِ .. وجدولاً من ضوءِ الأناشيدِ المقدَّسَةِ ..
   
    شاعرٌ يأتي بفرَاهةِ الحلمِ .. وشساعةِ الوطنِ .. وطراوةِ الأحلامِ الورديَّةِ .. في انتظارِهِ سَنُعِيدُ تأهيلَ قلوبِنَا لتليقَ بفرحَةِ عودَتِهِ .. وسنعدِّلُ ساعاتِنَا المتوقِّفةَ على توقيتِ قلبِهِ الدقيقِ  .. قبلَ موعدٍ جِدِّيٍّ للخياناتٍ .. قبل مدَّخرٍ مُؤَجَّلٍ للفوَاجِعِ .. قبلَ قيامةِ الرَّمْلِ .. قِيَامَةِ الحيَاةِ .. قِيَامَةِ القصيدَةِ.
_________ 
                                                                                  عن موقع الأجدابي 22 ديسمبر 2008


الاثنين، 30 أكتوبر 2017

أسماء



                       


                           أسماء         
مفتاح العمّاري



"  عندما ينقسم الواحد ، فأن الأجزاء تكون محتاجة إلى أسماء
وفي الدنيا ما يكفي من أسماء ..
وعلى المرء أن يعرف متى يتوقّف 
بهذا يتجنّب الإنسان المتاعب "
                          ( لوتسو / من كتاب التاو )


    إن إضافة اسم للأشياء، هو بداهة ، ممارسة نشطة وفاعلة للغة التي تمثل في جوهرها سيمياء حقيقية للحياة. ومن ثم فأن إلحاق اسم للكائنات والجهات والأمكنة، يعد دلالة للمسمّى، يستدلّ به علي الحي والجامد .. حيث يتعذر علينا أن نتخيل معرفة كائن لا اسم له. لأن اضافة الأسماء،اقلّ تعقيدا من أن تظلّ الأصوات والصور نكرة بلا ظل أو أثر يقتفى؛ ففي الصحراء كان البدوي رغم صلابته أكثر بساطة وعفوية وهو يقترح أسماء مفازته ويسبر غور الأشياء، عبر علامتها الخفية التي تتركها فوق الثري ..حيث استطاع أن يروض التيه ويفتح مغاليق المجاهل الغامضة لصالح الحدس والفراسة التي لا تخطيء في ترجمة وجهة الريح ، وتأويل رحلة الطير واقتفاء اثر البعير ومعرفة أسراره عبر قراءة الأثر، ليكتشف بغرابة طريفة:أن البعير الذي مر (اعور وابتر وأعرج) في لحظة خاطفة تكتفي باللمح العابر.. بينما يتعذر علينا نحن سكان المدن قراءة الأثر على أرصفة مبلطة وطرقات معبدة ، يحيطها الصخب وتحفها الضوضاء. ولعل الأمر يبدو أكثر حيرة وصلابة أيضا حين ترتفع بسخاء ثلاثة آلاف عام من التاريخ الحضاري مدينة بالغة العتاقة مثل طرابلس ، الثرية بعديد من المآثر والحفريات .. حيث مر الرحالة والقراصنة والغزاة والتجار والمستكشفون والشعراء العشاق ، لتقف في نهاية المطاف علي عتبات الألفية الثالثة وهي تجسد المتاهة الأكثر غموضا من صحراء البدوي.


     في الوقت الذي تختزل فيه تقنية الاتصالات الزمن والمسافة يرتبك الزائر بطرابلس وهو يبحث عن مقصده في مدينة تداخلت شوارعها بلا أسماء أ و عناوين .. وتكدست منازلها في خرائط عشواء دون أرقام تشير إليها وكأن إلحاق اسم أو رقم أحجية معقدة ، و صناعة بالغة الضخامة والتكاليف ، تضاهي في استراتيجيتها وتعقيدها مشروع إنشاء سكة الحديد ، أو هي من سلالة فنطازيا الخيال العلمي ، لكي ننتظر ثلاثة آلاف سنة أخرى حتى نحصل علي عناوين واضحة تدل عليها .