وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الثلاثاء، 19 أبريل 2016

الدفتر الكبير *

مفتاح العمّاري


  

_____________  سردٌ مبتكر  

         أول شيء تبادر إلى ذهني  بعد انتهائي  من قراءة  رواية الدفتر الكبير لأغوتا كريستوف . ترجمة : محمد آيت حنّا . بأنني كنت صحبة رواية مبتكرة . عمل لا مرجعية له ، وإن ثمة أجواء ، وفقرات ذكرتني بتفاصيل صغيرة ، أحالتني إلى إغراب "الصخب والعنف " لوليم فوكنر ، وأحيانا أخرى إلى  ماركيز في " ارنديرا الطيبة وجدتها الشريرة "  .  لكن تظل ثلاثية أغوتا كريستوف ، ولاسيما في جزئها الأول : الدفتر الكبيير ، عملا مؤسسا لنمط جديد من أساليب الكتابة السردية . سواء من حيث صكّ تلك الجمل القصيرة ، المقتصدة إلى ابعد حد ، والتي استخدم فيها ضمير الجمع المتكلم ( نحن ) ، على لسان بطلي الرواية الرئيسيين : الطفلين التوأم  . مما جعل من المنطقي اللجوء إلى تقشف اللغة ، لتنسجم معطيات الحكي فيها ، مع المتكلم : الراوي . غير أن الأمر يُعزى أيضا لقدرات الكاتبة نفسها باعتبارها قدّت مشروعها الروائي باللغة الفرنسية ، في فترة نزوحها من وطنها الأصلي المجر ، ولجوئها إلى سويسرا 1956 ، بعد قمع النظام الشيوعي للثورة المجرية . وهو ما يبرر من جهة أخرى استخدام ذلك التقشف، حيث كانت الكاتبة حديثة العهد بلغتها الجديدة ، مما حثها على الاستعانة بالقواميس لمراجعة وتدقيق قوانين الجملة بصرامة عجيبة .
     تبدأ الرواية التمهيد لأحداثها المروّعة ، منذ تلك اللحظة التي يقف خلالها الطفلان خارج بيت الجدة بعد وصولهما بمعية الأم ، ولأول مرة إلى البلدة كنازحين فروا من هول الحرب التي اجتاحت المدينة الكبيرة . وفي لحظة الترقب لما يسفر عنه تفاوض أمهما مع الجدة ، نفهم - بعد قليل - بأنهما سيمكثان في كنف الجدة ، لضرورات تتعلق بأن البلدة أكثر أمنا من المدينة .  " وأمام حديقة  بيت الجدة ، قالت أمنا : - انتظراني هنا . انتظرنا قليلا ، ثم دخلنا الحديقة . درنا حول المنزل  ، جثمنا أسفل النافذة حيث تنبعث الأصوات . قال صوت أمي : - ما عاد لدينا شيءٌ نأكله ؛ لا خبز ، ولا لحم ، ولا خضر ،ولا حليب . لا شيء  . ما عاد بوسعي إطعامهما . ردّ صوتٌ آخر : - إذاً ، تذكّرتني . منذ عشر سنوات لم تتذكّري . عشر سنوات ، لا زيارة ولا رسائل . قالت أمّي : - تعرفين لماذا . فأنا ، كنتُ أحبّ أبي .الصوت الآخر : - نعم ، والآن تذكرت أن لديك أيضا أما .جئت تطلبين مساعدتي . قالت أمّنا : - لا أطلب شيئا لأجلي . ما أريده فقط هو أن يعيش طفلاي .
     بعد نهاية المحادثة بين أم الطفلين والجدّة  ، تغادر الأم  وقد نجحت كما يظهر  في إقناع العجوز ، حيث سيُترك الطفلان لمواجهة مصيرهما الغامض . في البلدة الحدودية التي تدور فيها أحداث الدفتر الكبير ، نجد العالم بقضه وقضيضه يخضع لتنقيب واكتشاف ومهارة استثنائية ، في الحفر داخل تلك الغرابة المذهلة لكائنات هذا الفضاء .  وعلى الرغم من أن هذه قراءتي الرابعة  للدفتر الكبير إلا أنني  ومع كل نهاية قراءة أشعر بأنه ما من شيء يليق بإنصاف الحياة المجنونة هنا ، سوى الصمت . لعل مبعث ذلك يكمن في إعجازٍ لا متناهي ، قبضت عليه ( أغوتا كريستوف ) ، خلل هذا العالم المتفسخ الذي عكسته الحرب ، حيث كل شيء يخضع للتحلل والفساد والخيانة ، بما في ذلك الطفولة ذاتها . وما الشقيقان التوأم - السارد بضمير المتكلم - سوى الاختزال الأشدّ أثراً لهكذا جنون يتعاظم .  لحظة أن تتواطأ البراءةُ نفسها مع أضدادها . جراء ما تكتظ به  من عنفٍ معنوي وجسدي ، نتيجة لتأثيرات الحرب وما تحمله  من متناقضات ، عندما يضطر الطفلان إجبار نفسيهما لعمليات تمرين شديدة القسوة ، كالتدرب على خبرات الجوع ، والصمت ، وتلقي التعذيب ، لإخضاع الجسد لكل ما هو محتمل داخل الجحيم .
  إنها  - بكل المعايير - رواية استثناء ، يتعذر الخروج من معقلها . كما أنها - وباقتدار-  تعد عملا مؤسسا ورياديا في تحولات السرد ، تتجاوز تلك العلامات التي أرساها خوان رولفو في رواية أميركا اللاتينية .
    أظن أن أهم إكرام لهذا العمل هو الاستجابة للإغواء المستمر لتكرار القراءة ، لنكتشف في كل مرة شغفا جديدا ، وحياة أخرى تنمو في السر . لعلنا من خلال هذه المثابرة نتمكن من كسر الدهشة وهي تتفاقم ، تحت تأثير تلك البراعة السردية التي تجسدها اللغةُ الخاضعة - كما سبق الإشارة - لعملية اختزال وضغط شديدين ، من خلال تلك الضربات المباشرة للجملة التي تستمد طاقتها من فطرة اللغة ذاتها ، لتبدو كما لو أنها طلقات نارية بالغة الدقة في اصطياد المعنى ، دونما حاجة ، للجوء إلى أية مجازات ، أو استعارات . كأن صلابة المفردة تستمد قوتها من تقشف هذه اللغة ذاتها . ليس لفقرها ، أنما مردّ هذه الخاصية يُعزى بالدرجة الأولى لمنطق الريبة والتشكك ، في مدى إمكانية التعبير بلغة غريبة. لهذا كان على اللغة وهي تركض أن تكتفي بأقل قدر من الألفاظ ، حيث لا حاجة لتكديس أربعين اسما للكلب ، طالما سينبح في كل الأحوال ، وهو يحمل اسما واحدا .
    أظن أنني سأعود لإنماء هذه الملاحظات بما يلزم . فقط سطرتها كيفما اتفق الحال بعد إلانتها من قراءة الدفتر الكبير . ولعلني في مناسبة أخرى - إذا تلطّفت السانحة - سأعود لتوثيق ما ينصف المقروء ، سواء حول هذا الجزء أو الجزأين الآخرين ، من ثلاثية أغوتا كريستوف .
___ 

منشورات دار الجمل . 

الخميس، 14 أبريل 2016

بؤس السرد في روايات البوكر

مفتاح العمّاري 





ثلاث روايات منتخبة
من القائمة القصيرة للبوكر العربية
    
      خلال أيام الأسبوع الماضي انجذبت بضراوة لغويات السرد . قرأت أربع روايات من بينهما ثلاث روايات منتخبة ضمن قائمة الجائزة العالمية للرواية العربية ، أو جائزة ( البوكر ) ، حسب الاصطلاح الشائع إعلاميا . ولأنه من طبعي حين أعجز عن تحقيق أية شراكة مع المقروء والوصول إلى حدٍّ أدنى من التفاعل في تأثيث فضائه ، والتشابك مع نسيجه بالقدر الذي يجعلني كقارئ جزءا من تلك الطاقة الحية والفاعلة ، الكفيلة بضخ المزيد من الحياة داخل العالم المتخيل  . ينطبق هذا بصورة خاصة  وفي الأغلب على المنتوج الإبداعي ، وبدرجة أكثر خصوصية مع السرديات . فالحقل الروائي يستأثر باهتمامي ، ويحتل المرتبة الأولى في مقترحاتي القرائية . حيث أعول دائما - وبالضرورة - على توفر نسبة من حظوظ الإمتاع كمحفز لمواصلة وتكريس القراءة . فثمة عناوين لمشاريع روائية اقتضت مني تكرار القراءة ، بحيث وصل بعضها إلى أكثر من عشر مرات ، صحبة عمل روائي واحد . ولعلّ رواية " مائة عام من العزلة " هي العمل الوحيد الذي تجاوز هذا الرقم خلال عشريتي الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي . لهذا عندما أفشل في تحقيق تلك القرابة ، أو الصلة الكفيلة بالتجاوب مع حساسيتي وذائقتي ، فأنني سأُبتلى بخيبة يتعذر فهمها ، يختلط فيها الشعور بالخذلان مع درجة عالية من الاستياء ، سيما وأنني غالبا ما أقترح وجبات القراءة بعناية صارمة تخضع لاختيارات شديدة الدقة والاحتراز ، باستثناء تلك اللحظات التي أتواطأ خلالها قصد إشباع فضولي تبعا للإعلانات المتعلقة بالجوائز  وما شابه . 


    ثلاث روايات من القائمة القصيرة للبوكر العربية أقبلت عليها بحماسة عالية ، مردّه ذلك بالدرجة أنها ( أي الروايات المقترحة ) تخضع لصناعة شابة . لكن الأولى لم تصمد ، أعني رواية  " نوميديا " ، للمغربي : طارق بكاري .  فبالكاد استطعت الوصول إلى ثلثي المتن حتى توقفت عاجزا عن استئناف الرحلة ومكابدة مشاق السفر دونما جدوى . فما أن يظهر الأفق حتى يمحو نفسه ، لكأنني إزاء خديعة متسترة بما هو سرد  . بالطبع منذ أن تجاوزت الصفحات الأولى كان حدسي غير مشجع ، لكنني كنت أعول وبطريقة ما على إنصاف هذه التجربة ، لهذا لم استجب لحدسي ، وواصلت القراءة مكرها ، لعلي أعثر على ما يفاجئني فيما هو متخف ، خلال الصفحات القادمة . لكن دونما جدوى . الخيبة نفسها وان بدرجة أقلّ تكررت مع رواية " عطارد " ، للمصري : محمد ربيع  . الروايتان  كانتا دون المستوى المرجو من أعمال منتخبة ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية . وأقلّ ما ينبغي قوله : أنهما وعلى الرغم من طموحهما ، قد خضعتا في جزء كبير لمجانية السرد ، أي لتلك الفتنة السادرة دونما أية ضوابط  فنية تحدّ من انفلات التفاصيل . بحيث غاب عنهما الانشغال بتكثيف الجملة الروائية ، فضلا عن اختزال التوصيف ، عوضا عن التورط في اجترار المشهد ذاته بتنويعات نافلة ، لا تضيف جديدا ، سوى تحميل كاهل النص بأثقال لا تُحتمل . هكذا ، كنت أحاول ترتيق خيبتي مع " نوميديا "  طارق بكاري ، بغية العثور على شيء من من كرامة السرد ، في "عطارد "  محمد ربيع  ، والتي على الرغم من أن المقاطع الأولى فيها كانت تكتنز بإشارات مغوية ، وجمل سردية في غاية التكثيف والسلاسة ، إلا أنها ما لبثت أن تورطت في تكديس اللقطات نفسها ، كمتوالية لمشهديات العنف .


      الرواية الثالثة ، كانت " حارس الموتى " للكاتب والصحفي اللبناني : جورج يرق . والتي بدت أكثر حرفية وتفوقا من الروايتين السابقتين . برع  الكاتب إلى حد ما في إنقاذ سرده  من مجانية الحشو ، ومراكمة تلك التفاصيل التي لا تخدم الحدث إلا في كونها مجرد تنويعات إضافية . كما اتكأ جورج على تطعيم جملته بتلك النكهة الشعرية دونما إيغال . وبالمثل أضفى على أجواء العنف ما يليق بها من الموضوعية ،  من دون أن يتخلى عن حيثيات الواقع الاجتماعي للنص ، ليتوغل بعيدا في الفانتازي ، والأسطوري كما هو الحال في " عطارد " . فقط ، يظل المأخذ الذي استنتجته خلال قراءتي أن حارس الموتى بعد أن تجاوزت نصف المسافة ، قد ارتبكت في القبض على عالمها ، كذلك في تطويع شخصياتها لمسار درامي يحتفظ بشيء من الحبكة المفترضة فنيا . وبدت الشخصية المحوري في الرواية كما لو أنها تنصاع لمشيئة الراوي تبعا لخطاطة جاهزة ، مما أفقدها عفوية نموها وتطورها داخل نسيجها الافتراضي . كما أن الخاتمة التي حاولت أن تستعيد البداية . تلك التي تجاور بين البشر والنفايات ، كمحاولة ساخرة لتأويل العنف . بدت هي الأخرى تقليدية ، ومبتذلة لاقتراح هكذا نهايات ، تحاول ترجمة نفسها عبر هذا الدوران من نقطة ثابتة ، لحظة أن تلجأ إلى استعادة صورها ، لتذكيرنا بأول مشهد اقترحته الرواية على نفسها .

     هذه المستويات السردية في الروايات الثلاث ، المنتحبة للقائمة القصيرة ، بقدر ما تشي بمجانية السرد ، تشي في الحقيقة ببؤس لجان التقييم بالدرجة الأولى ، كذلك بإجحاف بعض الشروط المعلن عنها في الترشيح للجائزة ، ولا سيما تلك التي تحصر طلبات الترشّح بدور النشر وحدها ، والتي من خلالها ننصح مؤسسة الجائزة بإعادة النظر في صياغة لوائحها ، إذا كان انشغالها حقا ، يهدف لتنمية مشروع السرديات العربية . 

صورة شمسية

مفتاح العمّاري



__  صورة شمسية


هذا وجهي ، خبر عاجل 
لوحةُ صحراء تخلو من سحرِ المخيّلة 
على خلفية موسيقى سائبة في مقهى بحري مهجور
أسيرُ حربٍ  بيدين عاطلتين عن هبة الحب .
 هي حرب ضالة نشبت بين حطّابٍ أعْمى وغابةٍ لئيمة
بين جنديٍّ مغفَّلٍ وحبيبةٍ تنتظر
بين حبيبة تنتظر ونافذة حالمة
بين نافذة حالمة  وقذيفة مجهولة  
بين جيشين منتصرين كلاهما يتقدّمُ ظافرا بتوابيت مرحة
 وأبطال بأطراف صناعية ، ومدن مهدّمة
بين قبائل طيبة الذكر تجيد النهب والقتال،
 وقبائل أخرى طيبة الذكر  تجيد النهب والقتال
بين ثوار شرفاء يحبون ليبيا
وثوار شرفاء هم أيضا يحبون ليبيا
 هكذا  هو الآن  وجهي  : 
 مثل شيءٍ لا يحدث إلا مُكرها كأبغض الحلال عند الله 
والمشي ليلا في حديقة  ملغّمة
كالعزوف عن الحلم وانتظار الأعياد وقدوم الأحبّة 
كمقاطعة الأصدقاء والشوارع والإضراب عن الكلام
وربما  ذاويا يشبه قصيدة ميتة لشاعرٍ سيءِ الحظّ .
هذا  الجدار الذي يتداعى ظِلُّ وجهي  
لذا صرت متعذرا عن كرامة العطر
وغواية رباعيات الخيام
ومولانا جلال الدين الرومي  
بحيث لا وجود لباقة ورد كهدية مضادة لكآبة الطقس
أو ترتيب جنازة باذخة تليق بمهابة شهيد العزلة .
قبل ثلاثين بدرا  ، أو ثلاثة وثلاثين بزمن القصيدة
عندما فاضت المعاجمُ الرحيمةُ بمديحها 
وغمرت ترانيمُها  المعتقلات النضرةَ والصحفَ والمقاهي
كنتُ فتيا لا أشبه هذا العليل الذي يتذكرني 
وربما جندياً شجاعاً ،
أو عاشقاً طائشاً بعض الشيء
 صعلوكَ بهاءٍ  وانهارٍ سخيّة
جوابَ ليل وقفاءَ  طرائد 
 عندي ما يكفي من منجنيقات الخيال والأسماء والنجوم
لكي اعبر واثقا دونما ريب
من قصيدة جميلة إلى امرأة أجمل
إذن : هل ثمة شبه بين  وجهي ووطن لم أعد أفهمه ويفهمني
 كما يليق بعاشقين بريئين من شبهات الرجم
بين وجهي
وسماء ضائعة في متاهة  الكتب .
كتب هي الأخرى قد ضيعتنا حين ضاعت .
هل هذا وجهي
غرفة عمليات بثلاثة أرجل مشبوهة 
محاكم تفتيش من ذوات  براثن الديجتال 
نازحون يتضورون  بأصوات عجاف
مثقفون رحّل يتبادلون جثث الضحايا عبر  الآي فون 
محافلُ ذبحٍ ، وشيوخ ٌيرطنون بلهجات أممية 
سياسيون من فصيلة الكلاشنكوف يخططون لمستقبل ناعم
عسكريون متجهمون بأربطة عنق يُنَظِّرون لصناعةِ  دولةِ الحريات 
أمراءُ حربٍ هائجون يؤثثون مخازن جحيم وسلخانات وحرائق .
فيما القذائف تتساقط على قلعة رأسي
وحبيبتي تنصحني بمحلول القرفة
 ومزاولة الضحك  والنوم مبكرا
لأن وجهي  بعد ربيع الثورات
نفايةُ وطن  ومكبُّ فوضى 
أنا ضائع .
____
اللوحة لكايل طومسون .  



الأربعاء، 13 أبريل 2016

رحلة الشنفرى . قصائد زمان ( 4 )

مفتاح العماري




____________رحلة الشنفرى (4)  




أريدك قريبة من لهفة كائناتي
من فتية شياطين
يتحدون على هيئة فم واحد
وينتشرون عبر المسالك
يقطفون القصائد ناضجة من عناقيدها الصاخبة
ويدحرجون الثمار إلى المخازن
ويغرفون من سرتك ضوء الينابيع
فتية شياطين
ثملوا بخمور الجنّة قبل ذويهم
وتعلموا الأسماء قبل اختراع المدارس
دائما يستيقظون بسكر الحداثة
يحملون في رسائلهم المطر والشرفات
ويتيهون في حكايات بعيدة
بلا أبواب .
**
فهنيئا لبلادي التي تنأى
لصاحبة السمو التي وجهها
نزاع بين الرماد والزوبعة
فأنا سأشرب الآن كأسي
وفي الصبح الذي يأتي
أكنس ما تراكم من روث القوافل
وضجيج الرحلة الغابرة .
 __  
الرملة شتاء 1996






الثلاثاء، 12 أبريل 2016

رحلة الشنفرى . قصائد زمان ( 3 )

مفتاح العمّاري 







___________  رحلة الشّنْفَرى ( 3 )


لماذا تأخذين يديك
وتتركين وجهي
وأنا من شدّة ولهي بك
صرت عن سواك أعمى
أكتبك بعيون الحكمة الضالة
بلغة مكسورة المقابض
كلماتها سخية بألوان لم توجد
يطوقها حبل معلّق
تقرضه فئران الندامات .
من ضفة لغم أناديك
يا بلاد الولائم
التي واحاتها مسقط حلم
ومرمى خيال
من وراء نافذة ضيقة
غادرتها طيورها
أرنو بلا جدوى
إلى البواخر وهي من دونك ترسو
بيد مضاءة أطيل النظر من بعيد إليك
وأطلق سراح عبيدي
يهيمون خلفك بمشيئتهم دون سياط
أنت مرضعتهم الأولى
أوصافك تثقل أحلامهم الصغيرة
وأكوابك تفيض بعصير التجارب
وشدو البساتين
من تخوم قرية نائية
حيث لا شيء يؤنّث
لا شيء أسمه نساء أو حدائق
مشفوعة برعشة الترقّب
ودهشة الحقائب الساخنة
مشغول أنا يا حبيبتي بالنظر
من بعيد إليك 
أحرس فمك الصغير
مأخوذا بطقس أمومته
أحرس خيالك من عثرات المحبّين
وكتابك من تحريف الزنادقة
مشغول بك
أشتهيك منزوعة من المسامير
ليتبدّد شعرك متروكا لمشط البراري
وحرّة من قضبان الدفاتر
ليغدو جسدك على فطرته
بريئا من وشاية الخدم

ونزق المراهقين .
__ 
الرملة . شتاء 1996. 

الاثنين، 11 أبريل 2016

قصائدزمان . رحلة الشّنْفَرى (2)

مفتاح العمّاري  




__________  رحلةُ الشّنْفَرى (2)

لأي شيء
يا ابنة الطيبين
تتركين الجواد الغافل
يكبو بلا أين
والذئب الخائف
يرى فخاخا لا ترى
**
لأي شيء يا فقيدة فمي
يخطفك السهو منّي
فتأخذين شعرك الثريّ
مترعا بفضة البحر
وأنفاس الحدائق
تأخذين البصر
وتتركين الجدران تنمو بحراسها
تتركين صوتي النظيف
يسقط مهموما في فراغ ثقيل
يتكاثر بذريته الآبقة .
تتركين الأيام الغشيمة مشغولة بأسبابها
عن توق ركّابها الضائعين
تتركين الأطفال بلا أمّ
ترفو مزق الروح
وتطرّز للعيد أهلّة المباهج
وتخسفين خارج المرافئ
مفتونة برطانة المهرّجين
وعادات القراصنة
محاطة بخدم أوفياء
يطعمونك صيد المواسم
ويهشّون عنك ذباب المحطّات  .

**
الرملة شتاء 1996

رحلة الشنفرى . قصائد زمان . (1)

مفتاح العمّاري 



 


_________________ رحلة الشنفرى (1)

لأي شيء يا ارض الحواس
وأنتِ الكريمةُ ، أمُّ الينابيع ، وبلادُ القوافل
تتركين الذئب الذي علّمك مغزى العواء
وحيدا ينهش أحشاءه
ويلوكُ عظامَ المخيلة ،
تتركين الجواد الجامح يكبو بوقار حزين
في حجارة نزوتك الغاشمة .
تأخذين صدرك
وتتركين شعبي يتسكّع شريدا بلا مأوى ،
تأخذين اللوامس والأسماء ،
وتتركين المتاهات لرحلة عاشق أعمى .

**
لأي شيء
وأنتِ الجليلة صاحبة السمو
تخطفك فتنةُ الزهو
وتبتعدين خارج الغايات
بنوازع مسّ تملئين مخابئ غيرنا
تملئين البياض الآخر
وليل الخرائط
قامتك ألسنةُ نارٍمتروكة لشغف الهشيم ،
بعلوٍّ تقترف رياحها
كأنّها وعول هاربة من أبراح الرمل
ومآذن الزيت
نارٌ تحرقنا وتضيءُ نفسها
**
الرملة شتاء 1996. من قصائد المجموعة الشعرية رحلة الشنفرى .