وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الأحد، 22 نوفمبر 2015

الشاعرة جنينة السوكني

مفتاح العمّاري

 

                             نسيج الأذن ..


الشاعرة جنينة السوكني 1963-2005
     خلال عشرية التسعينيات من القرن العشرين ظهرت في المشهد الثقافي الليبي العديد من الأصوات الشعرية الشابة ، التي تتفاوت في ما بينها ، من حيث مستويات الكتابة والوعي النصّي . ومن بين هذه الأصوات برز صوت الشاعرة : " جنينة السوكني " بخصائص جمالية " وتشكّلات فنيّة ، تكاد تكون الأكثر صرامة ورسوخا ، قياسا بجيلها – من حيث الامتثال للتراث الشعري العربي ، والوفاء المعلن لتقاليد القصيدة العربية .. بطريقة قلّ نظيرها بين تجارب الأصوات المجايلة لها .
    فلدى جنينة السوكني انشغال ملّحٌ يهجسُ بتأصيل جملته الشعرية . ضمن بنائها الدلالي والإيقاعي ، بشكلانيه تتوخى الاحتفاء بالصوت .. كإيقاع ومرسلة شعرية ( سماعية ) تطمح للاندغام في الأذن أولا . وكأننا إزاء نسيج أذن يكرّس إبرته لحياكة الإنشاء .. بتنغيم مفرط .. لا يخلو من مفاتن الرنيم وغوايات الموسيقى:
" تأخرتِ
    قال الهوى
ولكن مازال في الكأس رشفة
لمن ابتعد عن سرب العاشقين
وانزوى " *

وهكذا تبدو غواية الأذن أكثر تجلّيا في تجربة الشاعرة عبر تنويعات موسيقية تعوّل على تماسك النغم ، وتصعيد موسيقى الخارج ..
بحيث لا تأنس كثيرا لموسيقى الداخل ، أو  تحاول اختزال الجوّاني من خلال تنغيم البراني .. كأنها لا تطمئن للموسيقى الداخلية أو هي تسعى إلى اختزال الداخل عبر تنغيم الخارج .. من دون أن تخفي انجذابها إلى الأصل متجلّيا بصفة خاصة في إيقاعية الخواتم التي تعتمد على الخصائص الخارجية للألفاظ .. كالقافية والرويّ .. حيث تحتلّ الألف المقصورة دورا رئيسا في قيادة جوفه النبر .. وتلبية متطلّبات الهوس الموسيقي ، من خلال الاتكاء على الشكل الحروفي ، مثل " الهوى ، أنزوي ، الجوى ، أنكوى ، استوى ، الحجى ، أنحنى " كما في قصيدة " قال الهوى " .. وعجلي ، الهوى ، الخطى ، أبهى " في قصيدة " رشفة عجلي  / والرؤى ، النّوى ، الردى ، قصيدة : عوالم الرؤى " . وتتجلّى أيضا سمات الشكل في تكريس الجملة الفعلية .. مع استئناس متكرر لفعلي المضارع والأمر . كما أن الموضوعة الشعرية لدى الشاعرة ، عادة ما تقترح تنويعات إضافية فهي عوضا عن تكثيف لحظتها تلجأ إلى استعادة الدلالات عبر توصيفات تنسج المعنى ذاته بخيوط وألوان وزخارف صوتية . ولعلّ هذا الافتتان بالرويّ يمثل هنا إحدى المثالب الفنية التي تُصادر الحالة الشعرية لصالح الإيقاع :


" متاهاتٌ .. أنفاق تسرقني
وتعب بين     الهدب والحجر ،
وعطر أزرق ،
واصطلاء العشق الذي اعشق .
أسرق !؟ أنا حاملة مفاتيح الكون !
أي احتمال أرى
لتذبذب الموازين   واهتزاز المّتسق . "



   هذه المتواليات الصوتية تُفقدُ النصَّ سلاسته وتلقائية جريانه عبر آلية التداعي كتدفّق حرّ للعبارة وهندسة عمرانها الدلالي وبنائها الإيقاعي الذي يأتي من خارجها . مما يُدرج آلية الكتابة الشعرية هُنا داخل نغمية تؤثث الصوت على أنقاض الحالة الشعرية التي تصادر لكي يبقى الإيقاع وحده مدفوعاً بحمّى الرقص والخبب .. وقرقعة الحدّادين ..
كأنه إيقاع طبول الجسد . لا إيقاع وترا لروح ..
إيقاع الخارج لا إيقاع الداخل . هذه السمة تشكّل ابرز التمظهرات في مقترحات قصائد الشاعرة : جنينة السوكني .. حين تلجأ إلى إيقاع نظام ، لا إيقاع فوضى .. إيقاع أرقام ، وعقارب وقت منضبط ودقيق ، لا إيقاع مطر وحفيف أسئلة قلقة .. إيقاع طلل وخببٍ ، لا سفر في الحلم و فضاءات مدن .. إيقاع رمل وصليل سيوف ، لا إيقاع دخان وهدير مدافع وعربات . إذن هو إيقاع تذكّر ، لا إيقاع لحظة ماثلة بتوتّرها .
غير أننا - وعلى الرغم من ذلك كلّه لا نريد هنا أن نغفل توق القصيدة إلى تأصيل نفسها ،وتحقّقها ، الذي يمتعه دائما الاكتفاء بارتياحات سحر الصوت .. مما يعيقها عن ابتكار الصور وتنويع إشاراتها . ربما لأن الأذن هنا ( تعشق قبل العين ) .. بحيث يظلّ الاستئناس بشحنة المفردة الصوتية والاستسلام لنبرة رنيمها .. كحالة إيهامية للوتر المتسلّط  الذي يستدرج القصيدة إلى تراكيب لغوية فقيرة ومرتبكة .. تخذلها سلاسة الشعر وليونة عبارته . ونشير هُنا إلى هذا المقطع الذي اخترناه من إحدى قصائد الشاعرة
" قناع على أقنعة رحيل
 يتلوهُ ألمٌ على حلم عنه لا أتوب .
وأيوب ، سُقيتُ من كفِّيه الصبر ..

     والصبرُ ، حدائق الصّبار لحروب

لا تملّوا أغنيتي ،
إن بدت لكم ..
حسناء تزينها النّدوب ."
   وإزاء هذا المقطع ، لا نشعر بأيّة انجذابات شعرية . حتى أن الحالة الشعرية المُتوخّى تمريرها قد بدتْ مترجرجة ومفكّكة بين دلالات الأقنعة ، والرحيل والحلم والصبر والأغنية التي هي حسناء تزينها الندوب حسب تعبير الشاعرة . وذلك نتيجة لغياب تكثيف الحالة الشعرية . مما جعل القصيدة تكتفي فقط بتواترات لفظية عجزت عباراتها عن أن تكون محمولة بحرارة اللحظة التي بدت غائمة ومشتتة .
     وقياسا بهذا الشكل المنتخب الذي ينسحب على معظم قصائد الشاعرة ، وتحديدا ( الحروفي ) كتقطيع الأسطر وغيرها من آليات الكتابة الشعرية المعتمدة في الشعر الحر وقصيدة النثر ، إلا انه لم يخف امتثال الشاعرة لآلية ( البيت الشعري ) وفق النمط الكلاسيكي ، وان كان غير ملزم بنظام الصدر والعجز ، ليقف بخجل عند حدود المغامرة الأولى لشعراء المهجر وجماعة ابولّو .. ومن بعدهم مدرسة الشعر الحرّ . فثمة انحياز واضح للذاكرة المتحقّقة في الشكل كرهان لصالح الأصل . وكأن هذه القرابة تشي باحترازاتها عندما تلجأ لرهان الصوت خشية الوقوع في مهبّ التجريب ومغامرة قصيدة النثر . الأمر الذي يجعلها تتعاطف وجدانياً مع خصوبة الذاكرة ، كما تراها هي ، كفضاء يتلاشى في متاهة الماضي ، فلا توجد في نصوصها تلك الإشارات التي تومئ تحديدا إلى فضاء الغرف والبيوت والشوارع والحدائق .
أي أن نثر موسيقى المدينة يختفي ويتلاشى لصالح هيمنة إيقاع الصحراء .. أو لصالح فضاء متناقض ، وهجين يستوي فيه الأزيز بالصهيل ، والحفيف بصعقة المدن ، حيث للخيمة مفاتيح خفيّة تُخْضِعُ المنزلَ المديني إلى مشيئة الأوتاد المهيأة للرحيل المستمر . لكن يمكن النظر إلى هذا الوفاء المستأنس بتراثه باعتباره كحالة ، رغم وضوحها الإيقاعي ، يُتوقع منها في الوقت ذاته أن تبحث لها عن سبل لانفتاح القصيدة  على أجناس محتملة وكتابة ممكنة .. كسمة حداثية في الكتابة الشعرية المعاصرة ، التي تطمح دائما إلى الخصوبة والتشابك مع نسيج عالمها ونثره بالقدر الذي يحقق تناغما يلامس إيقاع اللحظة الحاضرة ، ضمن الطاقة الشعرية المتوخاة في التشكيل والسرد والسينما . غير أن الشاعرة نجدها دائما تراهن على اقتراب محمول بغواية أجناس فنية عتيقة كالمقامة – على سبيل المثال - ضمن الحدود التي يرسمها السجع ، وهذه السمة وان كانت تحدّد مستوى ما من مستويات الكتابة الشعرية لا يعني أنها تقلل من حظوظ انتساب الشاعرة إلى ديوان الشعر العربي ، ولكن تجعل من قصيدتها تبدو متطرّفة عن تطلّعات جيلها الشعري الذي يجنح بهوس إلى مغامرة التجريب .
وبالتالي ترفع تجربة جنينة السوكني  سؤالاً جريئا بصدد هذه المفارقة التي تجعل التعايش ممكنا بين الامتثال والتمرد . وهي بالمقابل تشي بمأزق الحداثة القائمة والمحتملة ، والتي لم تحدّد بعد أنساقها معرفياً على المستويين الإبداعي والنظري . ومن ثم فأن شرعة النصّ الشعري ، كما  تبدو في لحظتها الراهنة ليست مرتهنة لنسق فني بعينه لكي تكتسب أحقية وجودها واستمراريتا . ويكفي أن ندلل هُنا بأن العديد من التجارب الكلاسيكية مازالت كما يبدو تحتفظ بمواقع شديدة الصرامة والرسوخ ،  و يحتفي بها في منابر الشعر ومهرجاناته .
     وهذه إشارة إلى مفارقة شديدة الوضوح ، تؤكد أن الذائقة الشعرية العربية المعاصرة لا يمكن الوثوق بحساسيتها العصرية . لان             
     هذا التعايش بين الأشكال الكلاسيكية والحديثة يشي بالمقابل بتداخل الأزمنة وتشابك الأمكنة ، ويشي أيضا بإيقاع نشاز ، يتعذّر معه تحريك الشعر وعودة القصيدة إلى الشفاه .
______________________
* من المجموعة الشعرية ( مسك الحكاية ) .منشورات مجلة المؤتمر 2005 طرابلس .



الجمعة، 20 نوفمبر 2015

الشيطانة النائمة : قصائد زمان ( 2 )

مفتاح العمّاري 
        
            الشيطانة  النائمة           

كما لو أ نني أ هذي
رأيتك أيّتُها الشاردة وأنت تهتفين نحوي
توقف أيها الجندي .
**
كما لو أ نني أ حلم
أنزع معطفي العسكري
و أجلس قريبا من شواطئك القاسية
أفكر فيك بحواس مرتبكة
وحزن شفيف .
أنت يا صديقتي الماكرة
يا شيطانة الشعر الذي يُولد
لكي يرضعكِ
بأ ي مستقبل سأفكر فيك  ؟
فا لذي يخطفك يكون شبيها لرغبتك في اللعب
مقطوعا من شجرة منقرضة
حتى لا يعاوده الحنين إلى أمه
مختلفا عن أ قرانه
يدخلك متأبطا هدوءه الحالم
شاعرا
يقود الخيال من أذنيه .
هذا  الخجول الفاحش
 قريني الذي
خانني
علمني كيف أ هوى
وكيف أ عبر واثقا باتجاهك
في وداعة الأسرى  .
لأكون أول وافد يضع حدا لهيمنة العطش
أ هبط إلى شوارعك الحارة
الخانقة أوهام عابريها
في ظهيرة طاغية جدا ، والهواء يترنح
بأ سنان وسخة وفم كريه
طاغية تراوح كسلحفاة مقلوبة على قفاها .
**
الذي مَرَّ ليس مثلي .
له رغبة حصان عجوز
رغبة نافذة معطلة .
ليس مثلي
الشاعر الذي رافق العسكريين
وهم يقفزون من الشقوق
وأرفف الغبار .
مثلي من يخطفك بعيداً
حيث لا أ حد يطرق الباب سوانا ، أيّتُها
الأمّارة   بكلّ الغوايات .
الغامضةُ لأنها تضحك دائما
وتعدّ القهوة للأصدقاء
المستبدّةُ :  تهبُ المستقبلَ عصيرَ أنوثتها
أحبُّها يا ربي
هذه الشيطانة الجميلة النائمة في سريري
بشعرها الجامح
وقامتها السادرة في المعصية .
بشعرها الذي ربته مشاغبا
علمته الرماية وركوب الخيل .
الحنونة
حاضنة القصائد والشهوات .
لم تولد بعد  /   حين ذهبت   الى الحرب
لم توجد الحريةُ  الفاتنةُ
لكي أقبّلها أمَام المسجد
في نهار  كبير وزاحم .
أغازلها داخل السوقِ  كأننا وحدنا .
لم أدخل المدينةَ بعدُ
كبدويٍّ خاسر .
فترّفقي .
ما من ذَكَرٍ ليس مشروطا بكِ .
كلّهمُ  يشتهونكِ  مقشرة فوق المائدة
مفروكة بالعطر
مبللة بمزيد من صراخك الفتيّ .
لكن ما مِن أحدٍ يَقْوَى على هزيمتكِ ،
لأنكِ عصارة كرومٍ متوحّشة  .
أيّتُها البدويةُ المدللة
الطفلةُ المسنّةً المأخوذة باللعب .
المرأةُ الضالةُ
الابنةُ الوحيدةُ في سلالةِ الذكور .
العنيدة : فقدت نصفَ سكّانها لتكون هي /
وتبقى .
يا معركتي المؤجلة
الآمرة بالتوقف  .

- استعدّ أيها الجندي
أنا خندقكَ الأخير  .
فتزوّد لحربكَ المؤبّدة
بنارٍ  لا تأفل
وهواء لا يحترق .
أنتِ المنزوعة سلفاً لأجلي  /
المقتلعة بسطوةِ الريح
لكي أكون إلى جواركِ أبدا
أُهرّبكِ خلسةً من حلم إلى آ خر
يا وشمي التائه بين الدلالات
يا لغتي التي تجدِّد قاطنيها .
ويا أمي الصغيرة ....
أنا المغرورُ بكِ  /
العابرُ  مكتفياً بنفسه  / لأنّك معي  .
لأنكِ امرأة  تُشبهُ نفسَها /
لمْ أرها تخاف الغد أو  تشتكيه   .
أسمُها يكفيها لإثارة الفتنة .
عنقُها رحيلٌ لا يُفسّر.
عنقُها سعيدٌ لأنه عنقها .
وعيناها يرتبكُ فيهما المعنى.
وفمُها يبشِّر المؤمنين بالجنة
حيث يقفُ العابدُ خاشعاً
:  شكرا يا ربي على اختراع النبيذ والفاكهة .

يداها  ....
أعترف أني حين لمستُ إحدى يديها
ارتجفتْ مثل بلادٍ خائفةٍ من شغبِ
عاشقيها ......

 : توقف أيُّها الجندي
 أن تذهب بعيداً
يغدو الضحك مقلوبا
ويصير صدري بل مأوى .

قلت :
لمثلك  يتطوع الخيال فدائيا /
يكرس حواسه لمشيئتك وحدها
ولأ جلك ترتكب المؤامرات
ويغدو كل شيء ممكنا ؛
-  المستقبل بثياب نظيفة
    وغرف مرتبة .
   المقاهي تسترد أمسياتها الحميمة ،
   والكلام براءته العابرة  .

**

_  توقف أيُّها الجنديّ
لست مدينة مستباحة
لكي تحتلني
ثم تنسحب حين تشاء .

قلت :
أ حبك أيتها الكافرة 
سأهبك ما تبقى من شعبي
ليزرع حواسك بالقبلات  .
**

_  أ حبُّها يا ربي
لها إذا أرادت
رعايا هذا الجسد .
عبيد طيعون
يرتّبون لها العالم  كما تشاء ..
فساعدني على بلواي  /
أنا الفتى الخائف
الشاب العربيد
العابر الضروري
الضيف خالق الوقت والمسرات
الزوج الآبق الوفي
والولد الشقي
حامل الألعاب والمطر ..
ساعدني
قبل أ ن أخسر مفاتيح بيتي .
**

:   كان بيتي  قريبا من بحر لا أراه
شرفته تطل على محطة الحافلات ،
وباعة الحصر والأغطية  .

    كان بيتي  بعيداً .

_   ساعدني
لكي أ قول :
أرجو المعذرة
أيتها البنت العاقة
يا فتنة الشعراء
يا قبلة التجار والقراصنة
لأني الليلة حلمت كثيرا
فامتزجت ألوانك بي  ..
كأن أراك
بين  عيني وبيني
ولا أ مشي الا  بك .

وأني كبرت كثيرا
وشطحت كثيرا
فصنعتُ لكِ ِ نهراً بحجم الحصير   /
وشيدتُ وطناً فوق المخدة  .
_____
طرابلس الغرب . 12ديسمبر1991

 من قصائد المجموعة الشعرية : رجل بأسره يمشي وحيدا

قصائد زمان ( 1 )

مفتاح العمّاري



لأنّ أوهامنا معنا*


لاشيء  يجمعني  بوجهي
سوى وهمي
فهل يكفي أنت وأنا
كأننا لم نخسر الحرب
أن نرقص
وبأطراف ليست لنا
نفترض حديقة سياجها المدى
لربما نلهو قليلا
ولربما ننسى
أننا ذوبنا زبدة العمر سدى .

لاشي ء يجمعني  بوجهي
سوى خوفي
فماذا نُسَوِّي بهذا الرماد  ؟
وما من ضحكة تُبلّل صوتنا
لكي نرسمَ القمرَ الذي نشتهي
ماذا نصنعُ برمادٍ يفصل بيننا
بين أحلامنا التي عنّست
وبين ألعابنا والتراب ؟

هل يكفي
أن نتكئ  على بعضنا
ونمضي إلى آخر الرمل
نمخض شكوة أوهامنا .

ماذا نصنع بهذا الرماد
بالشوارع التي تذبل تحت نعالنا  ؟
هل يكفي
أن نتحسس أعناقنا
ونختبئ خلف السرير عاريين
لنهتف معا
ما أجمل الحياة
لأن أوهامنا معنا
لأن قبلاتنا
لحظة أن نخاف
تظل جديرة بنا  ؟

فهل يكفي
أن يفقد أحدنا أظفاره
لكي يحفر ظلاً هزيلاً
لأسراره البارد ة ،
ثم نهتف  :
ما أجمل الحياة  .
______
طرابلس  :  صيف 1989
من المجموعة الشعرية (رجلٌ بأسره يمشي وحيدا ) ط1 1993.دار غربة . بيروت .