وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الأربعاء، 30 يوليو 2025

الشيطانة النائمة .. قصائد زمان

 

مفتاح العمّاري

 

                                                                                                           

جورجيا أوكيف - التجريد (امرأة نائمة)، 1916. فحم وغسل ألوان مائية على ورق


__________ الشيطانة النائمة*           


كما لوأنني أهذي،

رأيتكِ أيّتُها الشاردةُ وأنت تهتفين نحوي؛

توقّف أيّها الجنديّ.


كما لو أنني أحلم،

أنزعُ معطفي العسكريّ،

وأجلسُ قريبًا من شواطئكِ القاسية؛

أ فكرُ فيكِ بحواس مرتبكة

وحزنٍ شفيف.

 

أنت يا صديقتي الماكرة،

ياشيطانة الشعر الذي يولد

لكي يرضعكِ.

بأي مستقبل سأفكّر فيكِ.

فالذي يخطفكِ يكون شبيهًا لرغبتكِ في اللعب،

مقطوعًا من شجرةٍ منقرضة

حتى لا يعاوده الحنين الى أمّه.

مختلفًا عن أقرانه

يدخلكِ متأبطًا هدوءَه الحالم.

شاعرًا

يقودُ الخيال من أذنيه.

هذا الخجولُ الفاحشُ.

قريني الذي خانني،

علّمني كيف أهوى

وكيف أعبرُ واثقًا باتجاهك

في وداعةِ الأسرى.

لأكون أول وافد يضع حدًّا لهيمنة العطش.

أهبطُ الى شوارعك الحارة

الخانقة أوهام عابريها؛

في ظهيرة طاغية جدًا، والهواء يترنّح

بأسنان وسخة وفم كريه.

طاغية تراوحُ كسلحفاة مقلوبة على قفاها.

 

**

 

الذي مرّ ليس مثلي.

له رغبة حصان عجوز

رغبة نافذة معطّلة.

 

ليس مثلي،

الشاعر الذي رافق العسكريين

وهم يقفزون من الشقوق،

ورفوف الغبار.

 

مثلي من يخطفك بعيدًا

حيث لا أحد يطرقُ البابَ سوانا؛ أيّتها

الأمّارةُ بكل الغوايات.

 

الغامضة لأنها تضحك دائمًا،

وتعدّ القهوةَ للأصدقاء.

المستبدة: تهبُ المستقبلَ عصيرَ أنوثتها.

 

أحبُّها يا ربِّي،

هذه الشيطانةُ الجميلةُ، النائمةُ في سريري

بشعرها الجامح،

وقامتها السادرة في المعصية.

بشعرها الذي ربته مشاغبًا

علّمته الرمايةَ وركوبَ الخيل.

 

الحنونةُ

حاضنةُ القصائد والشهوات.

لمْ تولد بعدُ، حين ذهبتُ الى الحرب.

لمْ توجد الحريةُ الفاتنةُ

لكي أقبّلها أمام المسجد

في نهار كبير وزاحم.

أغازلها داخل السوق كأننا وحدنا.

 

ولمْ أدخلُ المدينةَ بعد

كبدويّ خاسر.

 

فترفّقي.

ما من ذَكَر ٍليس مشروطا بكِ.

كلّهمُ يشتهونكِ مقشّرة فوق المائدة،

مفروكة بالعطر

مبللة بمزيدٍ من صراخك الفتيّ.

 

لكن مَا مِن أحدٍ يقوى على هزيمتك

لأنّك عصارة كروم متوحشة.

 

أيّتها البدويةُ المدللة.

الطفلةُ المسنّةُ المأخوذةُ باللعب.

المرأةُ الضالةُ.

الابنةُ الوحيدةُ في سلالةِ الذكور.

العنيدةُ،

فقدت نصفَ سكّانها لتكون هي؛

وتبقى معركتي المؤجلة

الآمرة بالتوقف، 

 

: استعد أيها الجنديّ

أنا خندقك الأخير.

فتزوّد لحربك المؤبدة

بنارٍ لا تأفلْ

وهواءٍ لا يحترقْ.

 

أنتِ المنزوعة سلفًا لأجلي/

المقتلعة بسطوة الريح

لكي أكون الى جوارك أبدًا

أهرّبك خلسة من حلم الى آخر

ياوشمي التائه بين الدلالات

يا لغتي التي تجدِّدُ قاطنيها.

ويا أمي الصغيرة جدًا.

 

أنا المغرورُ بك/

العابرُ مكتفيًا بنفسه/ لأنك معي.

لأنّك امرأة تُشبه نفسها /

لم أرها تخافُ الغدَ أو تشتكيه.

أسمُها يكفيها لأثارة الفتنة.

عنقها رحيلٌ لا يفسر.

وعنقها سعيد لأنه

عنقها.

 

عيناها يرتبكُ فيهما المعنى.

وفمها يبشّر المؤمنين بالجنة

حيث يقفُ العابدُ خاشعًا

: شكرًا يا ربي على اختراع النبيذ والفاكهة.

 

يداها....

: أعترف أنّي حين لمستُ احدى يديها

ارتجفت مثل بلادٍ خائفةٍ من شغبِ

عاشقيها.

 

قالت:

        توقّف أيّها الجندي

أ ن تذهب بعيدًا

يغدو الضحك مقلوبًا

ويصير صدري بل مأوى.

 

قلت:

لمثلك يتطوّع الخيالُ فدائيًا/

يكرِّس حواسه لمشيئتكِ وحدها

ولأجلك تُرتكب المؤامرات

ويغدو كلَّ شيء ممكنًا:

-  المستقبلُ بثيابٍ نظيفةٍ

    وغرفٍ مرتّبة.

   المقاهي تستردُّ أمسياتها الحميمة،

   والكلامُ براءتَه العابرة.

**

 

_ توقّف أيّها الجنديُّ

لستُ مدينةً مستباحة

لكي تحتلني

ثم تنسحب حين تشاء.

 

قلت:

أحبّكِ أيتها الكافرة 

سأهبكِ ما تبقى من شعبي

ليزرعَ حواسك بالقبلات.

 

* أحبها يا ربي

لها إذا أرادت

رعايا هذا الجسد

عبيد طيعون

يرتبون لها العالم كما تشاء.

فساعدني يا ربي على بلواي /

أنا الفتى الخائف

الشابُ العربيد

العابرُ الضروري

الضيفُ خالق الوقت والمسرات

الزوجُ الآبق الوفي

والولدُ الشقي

حامل الألعاب والمطر.

 

ساعدني

قبل أن أخسرَ مفاتيح بيتي.

: كان بيتي قريبًا من بحرٍ لا أراه.

شرفته تُطلّ على محطة الحافلات،

وباعةِ الحصرِ والأغطية.

 

    كان بيتي بعيدًا.

 

_   ساعدني

لكي أقولَ:

أرجو المعذرة،

أيتها البنتُ العاقةُ

يافتنة الشعراء

يا قِبلةَ التجارِ والقراصنة.

 

لأني الليلة حلمتُ كثيرًا

فامتزجتْ ألوانُكِ بي.

 

كأن أراكِ

بين عيني وبيني،

ولا أمشي الّا بكِ.

 

وأنّي كبرتُ كثيرًا

وشطحتُ كثيرًا

فصنعتُ لكِ

نهرًا بحجم الحصير/

وشيدتُ وطنًا

فوق المخدّة.

_______  

طرابلس

12ديسمبر 1991

*من قصائد ديوان: (رجل بأسره يمشي وحيدا) دار غربة- باريس، بيروت - 1993