وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

السبت، 9 ديسمبر 2017

الشاعر مفتاح العمّاري يصفع التوحش



يونس شعبان الفنادي

الأستاذ يونس شعبان الفنادي


    مثلما الليل واحة للسكينة والتأمل وملاذاً وحضناً للغرباء، كانت أمسية الشاعر الأستاذ مفتاح العماري رحلة غوص عميقة في عذوبة المفردة المتراقصة المستدعاة من جوف رحم النص الشعري الواثق من كيانه وبهجته. لقد طرز شاعرنا الكبير حديقة نصوصه المنسلة من لحظات أقدارنا المرهقة، روعة الشعر الأنيق، ونقاوة غاياته ومراميه النبيلة وبهاء وبريق صوره التعبيرية الجميلة.

    وطوال تلاوته لصلواته الرقيقة في محراب الشعر، استمع جميع الحضور الغفير سابحين ومستسلمين في دعة وهيام مثل خيالات متسمرة ثابتة، لبهاء النص الشعري العذب، يلاحقون به أنفاسهم اللاهثة وراءه، وينهلون رحيق فيوضه في استجابة متناهية وهدوء مطبق، وسكون مطلق أغرق القاعة الغاصة بهم في صمت منقطع النظير ظل يتعاظم وينتشر في جميع أركانها مفسحاً كل الزوايا لأسرجة الشعر بصوت الشاعر.

    كان الجميع منصهراً وذائباً في تجليات ذاته المحلقة في فضاء عوالمها على بساط أنغام موسيقية حانية تهدهد الكلمة الضاجة بالوجع والمسرة في آن واحد، وتكفكف سيول الدموع النبيلة الصادقة المنحدرة من مآقي العيون الجملية لعشاق الشعر. كانت نصوص الشاعر الكبير مفتاح العماري صفعة للتوحش، وقبلة على جبين ورود وأزهار الأمنيات العذاب، ومشاكسة مؤلمة والتقاطات جريئة لراهننا البائس الذي اختلط فيه الدمع بالدم والفرح بالألم.
                                                        

الأديب الشاعر جمعة عتيقة

ظل يحاذيني منذ بداية الأمسية وحتى نهايتها، إنسان صديق وأديب شاعر رقيق، هو الدكتور جمعة عتيقة، جالساً بجانبي على كرسيّه صامتاً إلاّ من بعض وشوشات يهمس بها في أذني وأشاركه فيها، ولكنني من حين لآخر كنتُ أحسُّ بطيف روحه يتمايل نشواناً وتيهاً فينجذب هائماً بجسده نحوي مع كل دفقة شعرية تخترقه وتخترقني، تهزه وتهزني، حين كنا نئن بحمل جمالية الصورة الشعرية المبهرة التي برع الشاعر الكبير في صياغتها عنواناً يختزل بكل جدارة رهافة أعماقنا الندّية، فتنسابُ فينا جميعاً بكل دفء، وعفوية، وتلقائية وعذوبة لتفجر بغزارة سيول عيوننا العاشقة والقلقة تجاه هذا الوطن. وحين كنتُ ألتفتُ إلى عينيه الهائمتين من حين لآخر أرى فيهما مرآة تعكس قطرات دموعي الدافئة وقد اختلطت بدموعه الحانية، وآهاتي المنتشية قد عانقت المفردة الجريئة (شكراً للذين تدمرت بيوتهم) فاحتضنت أنفاسي المبعثرة وقدات روحه المتوهجة وآهاته الحرى، وتشاركت أيدينا في التصفيق بحرارة.. ونظرات العيون الدامعة.






يا لهذا النص المجنون الذي يخترقنا  !!
يا لهذه المفردة التي تعبث بنا  !!
يا لهذا المشترك الذي يجمعنا  !!
يا لهذه النغمات الموسيقية التي تزرعنا غيمات ممطرة !!
يا لهذا الصوت المتهادي إلى مسامعنا بكل ثقة وطمأنينة فيستوطننا بلغة متقنة النحت والزخرفة والأداء  !!
يا لهذا الشاعر المغرد والمحلق بنا في عوالم شتى تنقلنا فيها من كآبة ثكنات العسكر وحرب تشاد إلى روائح التاريخ المتسربل في زقاق المدينة القديمة وارتساماته المضيئة العبقة على جدرانها وحيطانها، والضجيج الرقراق الذي تعزفه الخطوات والوجوه المكتظة في شارع الرشيد وحتى مرابض سيدي عبدالجليل، وصبايا إيطاليا العاشقات للآيس كريم  !!
ما السحر الذي سكبه الشاعر الكبير مفتاح العماري فينا يا تُرى خلال الأمسية القصيرة التي امتدت في أعمارنا عقوداً وأزمنة طويلة ولم تغادرنا حتى الحين؟

    يقولون بأنه ليس كل القصائد مسكونة أو حبلى بالشعر .. ولكن  شاعرنا مفتاح العماري أكد بأن كل شعره قصائد ... وكفى.

 _____ 

هذه شهادة اعتز بها جدًا، كتبها مشكورًا، الأستاذ : يونس شعبان الفنادي ، نشرت بصفحته الخاصة على الفيس بوك، وقد وصلتني بواسطة الشاعرة: سميرة البوزيدي.