وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الجمعة، 3 يوليو 2015

ما أجمل الحياة


مفتاح العمّاري



ما أجمل الحياة
         




      الكتابةُ الإبداعيةُ ضرورةٌ لتغذية الوجدان  وشحن المخيّلة ، والإسهام في تأسيس وتشكيل الذائقة وتنمية القراءة ،كآلية هضم وتلّقي وإعادة إنتاج للأسئلة المفترضة . لكن في الوقت الذي يتفوّق فيه النوعُ السرديُّ قصةً وروايةَ نلحظُ تأزمَ وانحدارَ فنون أخرى يأتي الشعرُ في مقدمتها . ما هي الأسئلةُ التي يمكن استخلاصها من تراجع قراء القصيدة الآن ، لا سيما وأن الشعرَ يُعدُّ أهمَّ رافد وجداني عبر العصور . هل يَكمن الخللُ في مخيلة الشاعر وعدم قدرته على ابتكار إشكال فنية ذات خصائصَ جمالية تنسجمُ مع تحولات الحياة ، وتلبّي متطلّبات الواقع ، بحيث عجز أن يكون شريكا في صناعة الوجدان ، وأن وجوده أمسى فائضا عن حاجة هذا العصر ، أم أن اللحظة الراهنة لم تعد في حاجة إلى الشعر وقد استعاضت عنه بفنون أخرى ،أكثر مواءمة وانسجاما وتطلبا . أسئلة كثيرة يمكن طرحها وإعادة صياغتها تبعا لهذه الظاهرة التي أضحت تتفاقم ، لحظة أن عجزت القصيدة عن صناعة قرائها . ولعلنا حين نتفحّص ما تطرحه وسائل النشر العربية الآن من مدوّنات شعرية ،نكتشف بؤس هذا الكائن المهمل  والمنبوذ والمنسي ، والذي لم يعد يعبأ به أحد سوى الغبار . أسئلة قلقة ومحيّرة تكرّر نفسها ، علها تلامس موطن الخلل الذي غيّب الشاعر وهمّش دوره .. أو تجد مخرجا من هذا النفق المظلم الذي تاهت القصيدة العربية في غياهب متاهه وقتامه وعزلته . أجل ، أسئلة كثيرة أطرحها هنا بوجع الشاعر الذي راهن ومازال يراهن على ضرورة الشعر في زمن بات ينأى عن لغة الشعر وأروقة الشاعر ..أسئلة حائرة ومحيّرة ، وربما فاجعة لحظة أن تتورط القصيدة نفسها في انتحارها وترثي موتها . هذا الإحساس التراجيدي بالنبذ  والإقصاء والنفي  لكائن أصيل ، كان قبل قليل حيا وفاعلا وشريكا  في صناعة الوجدان ونسيج الحياة لا ريب سيولّد حالة من الخيبة ، لحظة أن يجد نفسه قصيا في منفاه  ، يربّي خيال عزلته  وحيدا ونائيا ، وكأن العزلة هي قدره الذي لا فكاك منه .
    اعترف أنني افتتنت بقصيدتي ، وهذا مكمن ضعفي وقوتي في آن ، ولا يسعني أن أكون غير ما أنا طالما ظلت الفتنة قدري الذي لا فكاك لي من سلطة أسره . اجل افتتنت ، واني لأعترف  بهذه المثلبة الحميدة التي عليّ أن أحمل وزرها أينما ذهبت . لكن لعله من حسن الطالع في نهاية هكذا مطاف أن تظفر القصيدة أخيرا بحريتها بعيدا عن أيما ضجيج لكي تعيد اكتشاف نفسها ، وتقترب أكثر من ملامسة الروح التي عليها أن تنتظر طويلا ريثما يلتحق بها الجسد الذي خلبت لبّه غوايات عالمه الباذخ ، عالم السوق الذي لا موقع فيه للغة القصيدة ، عالم يستمد وجوده من تفننه في تفسّخ القيم وتشويه الجمال . لهذا لن نخسر شيئا إذا ما انتظرنا قليلا  أو كثيرا ، فستبعث القصيدة من رماد محرقتها ، وسنغني من جديد " ما أجمل الحياة  / لأن أوهامنا معنا " .