وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الاثنين، 6 يوليو 2015

أحمد السيفاو

مفتاح العمّاري 



صورة  لأحمد السيفاو




        منذ  ثلاثين سنة تقريبا ،  بدأت معرفتي الشخصية به  . نشأت العلاقة  بيننا عبر تلك اللحظة الحالمة ، التي حاول صديقي خلالها  تحريضي على كتابة سيناريو غريب ـ لفيلم قصير تدور أحداثه حول صلب شاعر مجهول ، في مكان مجهول ...في مدينة مجهولة و  مهدمة ، لا نرى منها سوى أطلالها الكالحة ، و نوافذها التي تغلق على الدوام  .. في ظلمة قاتمة لا تضيئها غير ضراوة ذلك القتل الوحشي الذي يتعرض له الشاعر . لست أدري كيف  عمل خيال صديقي على نسج تلك الحكاية  التي حاولت بطريقتي اصطياد ملامحها الشعرية .  كذلك  لست ادري كم شهرا اقتضى مني العمل في ذلك السيناريو القصير الذي لم ير النور بعد .. حيث لم يتمكن المخرج رغم حماسته ،  من  التغلب على بؤس الحال لمقارعة التكاليف الإنتاجية التي يتطلبها  تصوير  عمل مغامر ، يطمح إلى تحقيق درجة عالية من الفنطازيا . 
     مضى زمن كثير ربما .. كنا نلتقي مرارا دونما اتفاق  ، ودونما ضابط أو نظام ، حيث كان صديقي يمر على شقتي في شارع المعرّي ،  حسب مقتضيات الصدفة .. فصارت تنمو بيننا تلك  الصدف بقرابة روحية عنيدة ،  ليس في وسعنا ضبط إيقاعها أو توصيف هيئتها . كنا ضمنا نكن ودا خاصا لبعضنا .. حتى أنني لست أدري كيف تطورت الصحبة بيني وبين  هذا الرجل الغريب الأطوار ، وقد دأب على زيارتي  دون موعد سابق ،  كان يترك  حذاءه الرياضي عند عتبة باب الشقة ، والذي شكل مصدر  تسلية للصغيرتين  ( لينا وريما )  اللتين لم تذهبا إلى  المدرسة بعد .. حيث تعودتا على وضع أغطية زجاجات المشروب الغازي في جوفه ،  أو حبات من الحمص اليابس أوحبات  المكرونة .  كان صديقي يتقبل هذه الشقاوة بضحكة مجلجلة ، وتعليق  مرح .


     إنني، وفي بساطة شديدة أحاول هنا  التلميح تحديدا إلى هيئة صديقي المصور الفذ ، أحمد السيفاو ، الذي تتعذر مسالة الإحاطة به وبعالمه الفني ،  ما لم تكن البساطة وحدها وصيفة نظر . لعلنا لو تمعنا في ارشيف عدسته  نكون أكثر دنوا ،  من سدة هذا الساحر الذي  ظل ، وبدأب شغوف ،  يلتقط ما تناثر من حبات ضوء خارج المشهد .لهذا صرنا نحبه ، لأنه قد كرس نفسه لتنضيد شظايا وجوهنا وذاكرتنا  وأمكنتنا بعين العدسة . لهذا يعد  الاعتراف  بالسيفاو كمصور فنان يضمر معرفة شعرية من لون آخر ،  معرفة أعجاز الفطرة في أكثر تجلياتها البصرية  عفوية ودهشة ، سطرتها لغة  بسيطة ، هي لغة العدسة .
        أحبَّ السيفاو ليبيا . فهل بادلته ليبيا حبّا على طريقتها ، لتتركه يكابد وحيدا ضراوة المرض .