مفتاح العمّاري
صورة لأحمد السيفاو
منذ ثلاثين سنة تقريبا
، بدأت معرفتي الشخصية به . نشأت
العلاقة بيننا عبر تلك اللحظة الحالمة ،
التي حاول صديقي خلالها تحريضي على كتابة
سيناريو غريب ـ لفيلم قصير تدور أحداثه حول صلب شاعر مجهول ، في مكان مجهول ...في
مدينة مجهولة و مهدمة ، لا نرى منها سوى
أطلالها الكالحة ، و نوافذها التي تغلق على الدوام .. في ظلمة قاتمة لا تضيئها غير ضراوة ذلك
القتل الوحشي الذي يتعرض له الشاعر . لست أدري كيف عمل خيال صديقي على نسج تلك الحكاية التي حاولت بطريقتي اصطياد ملامحها الشعرية . كذلك
لست ادري كم شهرا اقتضى مني العمل في ذلك السيناريو القصير الذي لم ير
النور بعد .. حيث لم يتمكن المخرج رغم حماسته ،
من التغلب على بؤس الحال لمقارعة
التكاليف الإنتاجية التي يتطلبها
تصوير عمل مغامر ، يطمح إلى تحقيق
درجة عالية من الفنطازيا .
مضى زمن كثير ربما .. كنا
نلتقي مرارا دونما اتفاق ، ودونما ضابط أو
نظام ، حيث كان صديقي يمر على شقتي في شارع المعرّي ، حسب
مقتضيات الصدفة .. فصارت تنمو بيننا تلك
الصدف بقرابة روحية عنيدة ، ليس في
وسعنا ضبط إيقاعها أو توصيف هيئتها . كنا ضمنا نكن ودا خاصا لبعضنا .. حتى أنني
لست أدري كيف تطورت الصحبة بيني وبين هذا
الرجل الغريب الأطوار ، وقد دأب على زيارتي
دون موعد سابق ، كان يترك حذاءه الرياضي عند عتبة باب الشقة ، والذي شكل
مصدر تسلية للصغيرتين ( لينا وريما ) اللتين لم تذهبا إلى المدرسة بعد .. حيث تعودتا على وضع أغطية
زجاجات المشروب الغازي في جوفه ، أو حبات
من الحمص اليابس أوحبات المكرونة . كان صديقي
يتقبل هذه الشقاوة بضحكة مجلجلة ، وتعليق
مرح .
إنني، وفي بساطة شديدة
أحاول هنا التلميح تحديدا إلى هيئة صديقي
المصور الفذ ، أحمد السيفاو ، الذي تتعذر مسالة الإحاطة به وبعالمه الفني ، ما لم تكن البساطة وحدها وصيفة نظر . لعلنا لو تمعنا في ارشيف عدسته نكون أكثر دنوا ، من سدة هذا الساحر الذي ظل ، وبدأب شغوف ، يلتقط ما تناثر من حبات ضوء خارج المشهد .لهذا
صرنا نحبه ، لأنه قد كرس نفسه لتنضيد شظايا وجوهنا وذاكرتنا وأمكنتنا بعين العدسة . لهذا يعد الاعتراف
بالسيفاو كمصور فنان يضمر معرفة شعرية من لون آخر ، معرفة أعجاز الفطرة في أكثر تجلياتها
البصرية عفوية ودهشة ، سطرتها لغة بسيطة ، هي لغة العدسة .
أحبَّ السيفاو ليبيا . فهل بادلته ليبيا حبّا على طريقتها ، لتتركه يكابد وحيدا ضراوة المرض .
أحبَّ السيفاو ليبيا . فهل بادلته ليبيا حبّا على طريقتها ، لتتركه يكابد وحيدا ضراوة المرض .