مفتاح العمّاري
نثر الفرح
لأن
القصيدة هي الأقرب للإحاطة بغموض العالم
آثر الشاعر نصر الدين القاضي
الدنوّ من حضرة الشعر بمهابة العاشق .. وألفة بالغة الحذر .. وكأنه كما يقول :
" خشية
أن أخدش دمعة سهلة الانهمار ..
من عينين وادعتين /
أحاول أن أقترب . "
لكأنَّ
متاهة الحياة الأكثر تعقيداً تستسلمُ هُنا لبساطة الكلمة ،وأن الزمن الأشدّ توتّراً
يرتخي في ليونة وطواعية عمياء لسحر لحظة القصيدة . وأيضاً لأن نصر الدين القاضي
شاعر عفويُّ كان لابد أن يُخضع غموض العالم لمشيئة النثر الحار.. ولكن بمخيلَّة
طفل يلعب .. وهنا يكمن سرّ قصيدته .. فهو – أي الشاعر- لا يُجهد نفسه في التصدّي
لصرامة اللغة ونزع قشرتها الكلاسيكية .. بل يأتي الكلام في شعره انسيابيا ، وسلساً
في حميمية مرحّة ....
" أمامك
حقول من ألفة الانسجام
وقصيدة أودَعَ بحر الكلام
في إيقاعها موجه المنعش
وأمامك
بهجة تبسط جناحيها
على قلبك
وتضمك إلى صدرها
وتطير ."
هذه التمظهرات هي بعض من تجلّيات أصالة
الشعر الليبي وبراعته .. لهكذا شاعر تُشير قصيدته بأنه طلع من بين فتية (عشرية
السعبينيات) الذين ظهروا مع نهايات القرن العشرين .. لكن بعد مُضيَّ ربع قرن
تقريباً شاء القاضي أخيراً تدشين مدوَّنته الشعرية الخاصة بمجموعة أولى .. تضم بين
دفَّتيها منتخبات مختارة من أبهى قصائده . وهو إن لامس خلال مسيرته – دونما قصد –
آلية الكتابة السريالية .؟ أو كان قريب الشبَّه من قصيدتي التَّاو و الهايكو ..
لكنه لايحفل كثيرا بالتجريد وصهر الحكمة .. ربّما لأنه أراد – كما يقول في شعره –
كتابة قصيدة " تخرج العصافير من أبياتها " ، ليؤثث فضاء نصّه بالفرحِ
والمطرِ والأطفال والسفرِ والأصدقاء . هذه هي المفرداتُ المنتخبة لقاموسِ هذا الشاعر الذي يكتب شعراً في غاية البداهة المحمَّلة
بحرارة الخيال ، وعفويته الجارحة مما جعل نصوصه تكتسب صفة الاقتضاب والعدوى
الجامحة ، التي لا فكاك من حساسية عشقها .. لذا لا غرابة في أن تتموقع تجربته في المنطقة
الأكثر نصاعة داخل سياق قصيدة النثر .
____
*صيف 2003
بمناسبة صدور المجموعة الشعرية الأولى للشاعر .